الصراط المستقيم
16 يونيو,2025
الاسلام والحياة
110 زيارة
قالوا: الطاعة بموافقة الأمر والمعصية بمخالفته لا بموافقة الإرادة ومخالفتها قال الله تعالى (أفعصيت أمري (1)) ولم يقل إرادتي (لا يعصون الله ما أمرهم (2) ولم يقل فيما أراد منهم فلا لوم على معاقبة العاصي وإن وافقت المعصية إرادته.
قلنا: الأمر والإرادة متلازمان والمخالف فيه مكابر، وقد قال تعالى: (ولا يرضى لعباده الكفر (3) ولو كان مريدا له كان راضيا به لاتحادهما ضرورة، فإذا تلازم الأمر والإرادة لم يبق فرق بين ذكرها في العصيان وذكره وسؤال التعيين ساقط عند المحصلين وقد قال الله تعالى: (ولا يريد بكم العسر (4) وأي عسر أكبر من القهر على المعصية ورفع التمكين منها ثم يعاقبه عليها؟ ولو أمر الله بما لا يريد لكان عابثا، تعالى عن ذلك.
قالوا: أمر إبراهيم بذبح ولده ولم يرده لعلمه أولا بعدم وقوعه.
قلنا: قد ذهب أكثر المحققين إلى وقوعه وأن الله تعالى كان يوصل الأعضاء بعد قطعها وذهب جماعة إلى أنه أمر بمقدمات الذبح لا بالذبح فأضجعه وغلب على ظنه أنه سيؤمر بالذبح.
قالوا: قد وقع من الله أنواع الآلام بغير المستحق كالأطفال والأولياء وغير ذلك من الموت ومصائب الدنيا ولم ينسب إليه ظلم في شئ منه فكيف ينسب إليه الظلم فيما يريده وهو يكتسب لغيره؟.
قلنا: الآلام المذكورة علم فيها مصلحة واختبارا وضمن في مقابلتها عوضا يختارونه عليها فخرجت بهذين عن كونها ظلما وعبثا بخلاف الصادرة منا فبطل قياس المنافق لعدم الجامع وحصول الفارق.
١ – طه: ٩٣.
٢ – التحريم: ٦.
(٣) الزمر: ٧.
(٤) البقرة: ١٨٥.
(٣٤)
(الفصل الثاني) من أقوى ما يقال لهم: بعث الأنبياء لتأتي بما أراده الله منها أولا؟ فإن قالوا بما أراد؟ قلنا: أرادوا إيمان الكافر فيكون الله تعالى مريدا لإيمان الكافر وهو خلاف قولكم، وإن قالوا: بعثوا ليأتوا بما لا يريد، قلنا: هذا كفر وإلا لكان مسيلمة الكذاب أتى بموافق إرادة الله تعالى وخالفها النبي الصادق. ويقال لهم إذا جوزتم أن يفعل الله ما هو قبيح في الشاهد ولا يقبح منه لزمكم جواز أن يخبر عن الشئ بخلاف ما هو عليه ولا يقبح منه وقد التزمه العطوي وقال إنه ليس بأعظم من القبائح غيره.
والأشاعرة قالوا إنما لم يقل الكذب لأنه صادق لذاته، ولو كان الكلام فعلا لما قبح منه ذلك قلنا: قد ألزمناكم أن لا يكون صادقا فبينوا الآن أنه صادق لذاته على أن الكلام المسموع فعل عندكم، فما يؤمنكم أن يكون كذبا (1) و أن الكلام النفساني أخبر بخلاف ما أخبر المسموع بأن يكون فيه: النار دار الأبرار والجنة دار الكفار. إلزام آخر يقال لهم إذا صح أن يفعل الظلم صح أن يأمر به وكلما تجيبون في المنع من الأمر به قائم في المنع من فعله.
قالوا: أمر بالصلاة وغيرها ولا يفعل. قلنا: هذا عكس إلزامنا لأنا قلنا إذا صح أن يفعل صح أن يأمر وأنتم قلتم إذا صح أن يأمر صح أن يفعل. إلزام آخر إذا صح أن يفعل القبائح ولا يقبح منه صح أن ينصب الأدلة على الباطل ولا يقبح منه إذ ليس بأعظم من الاضلال عن الدين وخلق تكذيب النبيين وتجويز ذلك يرفع الثقة بحقية مذهب المسلمين لجواز أن يخرج المعاجز على يد الكاذبين ويمنع منها النبيين الصادقين وناهيك بذلك فسادا في الدين.
إلزام آخر، إذا جاز أن يخلق التكذيب والكفر في الضلال، جاز بالأولى أن يبعث الأنبياء يدعون إلى الضلال فيمتنع القطع بدعوى الأنبياء إلى الحق وذلك من أعظم المحال حيث لم يبق لأحد مجال عن سبيل الوبال.
1 – صادقا.
(٣٥)
تذنيب: هذه الالزامات ونحوها يلزمهم أن لا يمكنهم الانفصال عنها ولا يستنكفون منها لأنهم لا يتصورون قبحا فيها لو صدرت منه، سبحانه وتعالى عنها.
(الفصل الثالث) * (في إلزامات أخر) * يقال لهم: تحبون أن تحمدوا على الطاعات فلا بد من: بلى، فيقال: دخلتم في توبيخ قوله (يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا (1)) ويقال لهم: إذا خلق الله الكفر في الكافر وأمره بالإيمان فقد أمره بتغيير ما خلق فكيف يعاقبه على أنه لم يغير ما خلق فيه.
إلزام آخر: نفى الله تعالى الظلم عن نفسه في مواضع من كتابه وعندكم كل واقع من القبائح من فعله فلا معنى للنفي عن نفسه، وبأي شئ يجيب الرسول إذا قال له الكافر: أي فايدة في إرسالك.
إلزام آخر: الاجماع على جواز طلب المعونة من الله ولا معنى لها حينئذ وإلا لاحتاج الله تعالى في فعله إليها.
إلزام آخر: أصحاب مسيلمة صدقوه في النبوة وتصديقهم من فعله تعالى فهو صادق إذ لا فرق بين تصديقه إياه وإنطاق الأحجار ونحوها له وإذا جاز أن يخلق الكذب في خلقه جاز أن يكون قول محمد صلى الله عليه وآله (لا نبي بعدي) من جملته إذ لا ترجيح له على دعوى مسيلمة وقد صدقنا الله على حد واحد.
إلزام آخر: إذا شرب الصائم بيده أثم وإذا وجر في حلقه لم يأثم فما الفارق بينهما وما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله؟ (رفع [القلم] عن أمتي [في] الخطاء و النسيان وما استكرهوا عليه) ولا يتصور الاكراه إذا كان فاعل الكل الله تعالى.
(١) آل عمران: ١٨٥
(٣٦)
2025-06-16