الرئيسية / المرأة في الإسلام / الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج

الفصل الثاني أهداف الحياة العائلية مر عهد الصبا ورحلت أيامه المفعمة طهرا وصفاء، وانتهى عهد الدلال ورعاية الوالدين وتضحياتهما.. مر كل هذا دون عودة كحلم وردي، وها نحن نعيش مرحلة أخرى وعهدا زاخرا بالمسؤوليات الجسام.. إنها مرحلة التأمل والتدبر والتكامل..
مرحلة تتطلب منا أن نقف على أقدامنا ونفكر في المستقبل.. ومن المؤكد جدا أننا إذا لم نفكر بأنفسنا ومن أجل أنفسنا فإنه لا يوجد من يفكر نيابة عنا ويتحمل مسؤولياتنا.
إن أعباء الحياة الجسام وطول الطريق يدفعنا إلى التفكير والبحث عن شريك يخفف عنا قدرا من تلك الأعباء، شريك يتحمل معنا مصاعب الطريق ومتاعب الحياة، إنسان يشاركنا حلاوة الحياة ومرارتها، إنسان يدركنا ويتفهمنا، يفرح لفرحنا ويحزن لحزننا، إنسان يقوم بدور المنقذ إذا ما هاجمتنا أمواج الحياة، وأخيرا: شريك في كل شئ، ومن أجل كل شئ، شريك ورفيق درب يبدد بأنسه وحشة الطريق.
انطلاقا من كل ما ذكرنا، نسعى إلى تشكيل الأسرة، وعلى ضوء ذلك نحاول أن نصلح أو نعالج أو نرمم البناء الأسري. ومن خلال ذلك نحاول أن نتعرف أهداف الزواج لكي تتضح لنا الحقيقة بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون.
وإذا كان واقع أسرنا كما ينبغي فلنسع إلى التكامل أكثر فأكثر والمضي قدما نحو الهدف المنشود. وإذا كان الواقع عكس ذلك أو صورة مشوهة عنه فلنبادر إلى مراجعة أنفسنا وإنقاذ البقية الباقية من عمرنا قبل فوات الأوان.

(١٤)

أهداف الزواج:
السؤال هنا: لماذا تزوجنا؟ هل تظن الفتاة أن زواجها جاء إثر مؤامرة دبرها الوالدان للتخلص من شرها؟! أو أنهما شعرا بالملل منها؟ وهل يعتقد الفتى أنه تزوج لكي يبحث عن المتاعب أو أنه يتمتع بثروة هائلة تدفعه للبحث عن شخص أو مجموعة أشخاص لكي ينفق عليهم؟ هل إن هدف الزواج هو إضافة هم إلى الهموم أو محاولة للتخفيف من هموم الحياة؟.
هل إن الهدف من ذلك هو رغبتهم في المعاناة والألم أو الركون إلى راحة وارفة الظلال تهبهم الشعور بالطمأنينة والسلام؟.
إن الكثير منا قد أخطأ الطريق اللاحب وضاع في متاهات دروب مظلمة. إن الزواج وتشكيل الأسرة له أهداف وأغراض، وإن أخذها بنظر الاعتبار سيحل الكثير الكثير من المشكلات ويخفف من حدة النزاعات، ويضع الزوجين في الطريق الصائب الذي يقودهم إلى حياة زاخرة بالحب مفعمة بالمودة والصفاء.
إن أهم أهداف الزواج هي كما يلي:
أولا – الحصول على الاستقرار:
إن نمو الإنسان ووصوله إلى مرحلة البلوغ يتسبب في ظهور تغيرات متعددة تطال الإنسان جسما وروحا وفكرا، تشكل بمجموعها نداء الزواج. وفي هذه المرحلة ينبغي على الإنسان أن يستجيب إلى هذا النداء الطبيعي فإن التغافل عن ذلك أو إهماله سيؤدي إلى بروز الاضطرابات النفسية العنيفة التي لا يمكن أن تهدأ إلا بعد العثور على إنسان يشاركه حياته، وعندها سيشعر بالهدوء والسلام.
وإذن فإن أحد أهداف الزواج هو تحقيق حالة من الاستقرار النفسي والبدني والفكري والأخلاقي، وفي ظلال هذه الحياة المشتركة ينبغي على الزوجين العمل على تثبيت هذه الحالة التي تمكنهم من النمو الشامل.
ولقد أثبتت التجارب أنه عندما تزداد أمواج الحياة عنفا، وحين يهدد

(١٥)

خطر ما أحد الزوجين فإنهما يلجآن إلى بعضهما لتوفير حالة من الأمن يمكنهما من مواجهة الحياة والمضي قدما. وعليه فإن الزواج ينبغي أن يحقق حالة الاستقرار وإلا فإن الحياة سوف تكون جحيما لا يطاق.
ثانيا – التكامل:
ينتاب الفتى والفتاة لدى وصولهما سن البلوغ إحساس بالنقص، ويتلاشى هذا الإحساس في ظل الزواج وتشكيل الأسرة حيث يشعر الطرفان بالتكامل الذي يبلغ ذروته بعد ولادة الطفل الأول.
ويؤثر الزواج تأثيرا بالغ الأهمية في السلوك وتبدأ مرحلة من النضج والاتجاه نحو الكمال حيث تختفي الفوضى في العمل والتعامل بعد أن يسعى كل طرف بإخلاص وصميمية تسديد الطرف الآخر وإسداء النصح إليه، وخلال ذلك تولد علاقة إنسانية تعزز من روابط الطرفين وتساعدهما في المضي قدما نحو الكمال المنشود.
ثالثا – الحفاظ على الدين:
ما أكثر أولئك الذين دفعت بهم غرائزهم فسقطوا في الهاوية وتلوثت نفوسهم وفقدوا عقيدتهم. ولذا فإن الزواج يجنب الإنسان السقوط في تلك المنزلقات الخطرة، وقد ورد في الحديث الشريف: من تزوج فقد أحرز نصف دينه.. والزواج لا يكفل للمرء عدم السقوط فحسب بل يوفر له جوا من الطمأنينة يمكنه من عبادة الله سبحانه والتوجه إليه، ذلك إن إشباع الغرائز بالشكل المعقول يخلف حالة من الاستقرار النفسي الذي يعتبر ضرورة من ضرورات الحياة الدينية.
وعلى هذا فإن الزواج الذي يعرض دين الانسان إلى الخطر، الزواج الذي يخلصه من الوقوع في حبائل الغريزة الجنسية ليقع في حبائل أخرى مثل الكذب والخيانة والممارسات المحرمة لا يمكن أن يعتبر زواجا بل فخا جديدا للشقاء، والزواج الذي تنجم عنه المشاكل والنزاعات وايذاء الجيران بالصراخ.. الزواج الذي يكدر صفو الأقرباء والأصدقاء ليس زواجا بل عقابا.

(١٦)

شاهد أيضاً

“ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله”-11

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله     النصّ القرآني: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا ...