الرئيسية / المرأة في الإسلام / الطفل بين الوراثة والتربية

الطفل بين الوراثة والتربية

5 – وعن الامام الرضا (ع): «كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون» (1).
6 – وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): «وأيم الله ما كان قوم قط في خفض عيش فزال عنهم، إلا بذنوب اقترفوها، لأن الله ليس بظلام للعبيد» (2).
الجزاء الآجل:
لا شك في أن كل ذنب يترك أثرا سيئا في الفرد والمجتمع على السواء والمذنب يلاقي جزاءه حتما، غاية الأمر أن بعض الذنوب تظهر نتائجها بسرعة ويلاقي المجرم جزاءه عاجلا، بينما لا تنعكس آثار بعض الذنوب على الفرد والمجتمع إلا بعد مدة طويلة…
وعليه فالمجرم لا يلقى جزاءه إلا بعد مدة من الزمن أو بصورة تدريجية.
فالذين يحبون الفضيلة والكمال ويريدون بلوغ الأوج في الفضائل والمثل الانسانية يتحاشون ارتكاب كل أنواع الذنوب والجرائم، سواء كان جزاؤها مؤجلا أو معجلا…
أما بعض قصار النظر الذين لا يتمالكون من اقتراف الذنوب ولا يراعون الله والقيم العليا والمثل الانسانية، فإنهم يظنون أن الخلاص يكمن في ترك الذنوب ذات الجزاء العاجل، وحينئذ فهم لا يرون مندوحة في أن يمارسوا شهواتهم وأهواءهم بالنسبة إلى الجرائم التي يكون الجزاء فيها آجلا.
إن أوضح مثال على ذلك نجده في التعاليم الصحيحة. فالطبيب يقول للمريض المصاب بالاسهال: امتنع عن تناول الأطعمة العسرة الهضم والفواكه النية، والمريض يطيعه على ذلك. لأنه لو خالفه يصاب – بعد ساعة أو ساعتين مثلا – بآلام شديدة ونزف معدي أو معوي وضعف عام في جسده، بصورة موجزة
(1) المصدر السابق ج 2 / 275.
(2) المستطرف من كل فن مستظرف للا بشيهي: ج 2 / 61. وخفض عيش: في سعة ولين من العيش.
(٢٢)

بما أن الجزاء سريع وعاجل فالمريض يضطر إلى إطاعة الطبيب.
أما إذا نصح هذا الطبيب شابا بالاجتناب عن الخمرة والحذر عن الوقوع في أسرها، وسأله الشاب: وماذا سيحدث إن شربتها؟ فيجيبه الطبيب: إنك ستجد بعد عشر سنين الآثار الوخيمة للخمرة في جسدك وروحك… ستصاب بالعوارض القلبية والكلوية والكبدية ، وتقترن حياتك ببؤس وشقاء وانحلال… وما أشبه ذلك.
ففي هذه الصورة نجد الشاب يتماهل في العمل بنصائح الطبيب ويعاقر الخمر ليل نهار، والسبب في ذلك هو أن جزاءه آجل غير عاجل. وهكذا فكل قانون يكون عامل التنفيذ فيه قويا وسريعا فإنه يطبق بأحسن صورة وكلما فقد عامل التنفيذ أو كان الجزاء فيه آجلا فإن تطبيقه لا يتم بصورة مرضية (1).
الجزاء العاجل:
إن القوانين الطبيعية تمتاز بأن مخالفتها تؤدي إلى أن يلاقي الفرد جزاءه عاجلا، ولذلك فإن الناس يخافون الخروج عليها… النار تحرق فورا، الغاز يخنق رأسا، ولذلك فإن هذه القوانين تقابل بالإطاعة التامة والانقياد الكامل، ومعها يضطر المريض إلى إطاعة أوامر الطبيب حينما يصطدم بآلام شديدة وحمى قوية وضعف تام بعد مضي ساعة على مخالفتها.
وهكذا، فالمجرمون الذين يخرجون على القوانين الاجتماعية إذا وجدوا أنفسهم أمام عقوبات صارمة كالسجن مع الأعمال الشاقة أو الإعدام مثلا فإنهم يضطرون إلى إطاعة القانون واحترامه. ويحذرون من تجاوز حدودهم المقررة في إطار القانون.
إلا أنه توجد في القوانين السماوية ذنوبا وجرائم، يكون الجزاء عليها في الدنيا بطيئا وفي الآخرة أبطأ. ولهذا فإن كثيرا من الناس لا يرتدعون عن
(1) وهذا هو السر في الصرامة الشدة التي يفرضها الاسلام في عقوباته، مما جعل الجهال يتحاملون عليه بأنه ليس دينا صالحا للتطبيق. والحال أن التجارب تثبت عكس ذلك.
(٢٣)

ارتكابها – أو لا يجدون في أنفسهم خوفا من ارتكابها على الأقل – ظانين أنهم في حصن حصين عن الجزاء. ولقد رأينا كيف حدثنا التاريخ بالجريمة الكبرى التي ارتكبها عمر بن سعد في قتل الامام أبي عبد الله الحسين (ع) حيث وقع أسير التفكير الخاطئ الذي وجد نفسه – معه – في أمن من العقاب لكونه بطيئا غير معجل، ولذلك فقد سمع يردد – «وهل عاقل باع الوجود بدين؟!!». إذ أن إمارة ري كانت معجلة بينما جزاء يوم القيامة بعيد وآجل… وعليه فلا يجب ترك العاجل بالآجل.
بينما نجد القرآن الكريم يفند هذه الفكرة، وينبه الناس إلى ضرورة توقي الجزاء الآجل، كما لو كان عاجلا بقوله تعالى: «إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا» (1).
يوم الجزاء:
إن يوم الجزاء بعيد جدا في نظر المذنبين والمجرمين، لكن الله يرى ذلك اليوم قريبا جدا. إذ لا تمضي مدة طويلة حتى يلاقي هؤلاء المجرمون جزاء ما اقترفوه.
وبالرغم من طول المدى فإنه لا بد من وجود يوم يعاقب فيه الخارجون على سنة الله وحكمه.
الآثار الوخيمة للذنوب:
إن جانبا من الأمراض الروحية والعصبية التي يصاب بها الناس، ناتج من الانحرافات الخلقية وسوء القصد. فالحسد مثلا يفعل في بدن الحسود وروحه ما يفعله السرطان في الجسم، التكبر يولد في الانسان بعض الاختلالات الروحية وقد يؤدي إلى الجنون، ولكنه قد لا تظهر هذه العوارض بسرعة بل تكون بطيئة وتدريجية.
وكثير من الشبان ينحطون إلى أسفل درك من الحضيض نتيجة الميوعة والتفسخ الخلقي…
وأخيرا يؤدي بهم ذلك إلى الانتحار. وكم من رجل
(1) سورة المعارج، الآيتان 6 – 7.
(٢٤)

شاهد أيضاً

ضربة بن غوريون.. قدرات اليمن الصاروخية تدخل مرحلة جديدة

الوقت- أثار إعلان القوات المسلحة اليمنية عن استهداف مطار بن غوريون في قلب الأراضي المحتلة بصاروخ ...