الرئيسية / بحوث اسلامية / سؤال وجواب – أين كانت صلاة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأنبياء

سؤال وجواب – أين كانت صلاة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأنبياء

قرأت في إحدى الروايات: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى عند الإسراء والمعراج بالأنبياء، وسؤالي: أين صلّى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هل في المسجد الأقصى، أم في مكان آخر؟
الجواب:

الأخ حسين المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك اختلاف في الروايات في موضع الصلاة؛ ففي (روضة ابن شاذان): ((عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لمّا عُرج بي إلى السماء فلمّا وصلت إلى السماء الدنيا، قال لي جبرئيل(عليه السلام): يا محمّد! صلّ بملائكة السماء الدنيا، فقد أُمرت بذلك. فصلّيت بهم. وكذلك في السماء الثانية والثالثة، فلمّا صرت في السماء الرابعة رأيت بها مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ، فقال جبرئيل(عليه السلام): تقدّم وصلّ بهم…) ))(1). فالصلاة كانت في السماء الرابعة على هذه الرواية.
في حين روى أحمد بن حنبل في (مسنده): ((فلمّا دخل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المسجد الأقصى، قام يصلّي فالتفت ثمّ التفت فإذا النبيّون أجمعون يصلّون معه…))(2).

وفي (فتح الباري) قال: ((قال عياض: يحتمل أن يكون صلّى بالأنبياء جميعاً في بيت المقدس، ثمّ صعد منهم إلى السماوات، من ذكر أنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) رآه، ويحتمل أن تكون صلاته بهم بعد أن هبط من السماء، فهبطوا أيضاً.

وقال غيره: رؤيته إيّاهم في السماء محمولة على رؤية أرواحهم، إلاّ عيسى؛ لِما ثبت أنّه رُفع بجسده، وقد قيل في إدريس أيضاً، وأمّا الذين صلّوا معه في بيت المقدس فيحتمل الأرواح خاصّة، ويحتمل الأجساد بأرواحها، والأظهر أنّ صلاته بهم ببيت المقدس كان قبل العروج، والله أعلم))(3).

إذاً المشكلة جاءت من روايات السُنّة التي روت أنّ الصلاة كانت في بيت المقدس، ولو رفضنا هذه الروايات لارتفع الإشكال!
وحاول بعضهم الجمع بأن افترض هناك صلاتين؛ ففي (سبل الهدى) للصالحي، قال: ((وقال صاحب (السراج): وما المانع من أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى بهم مرّتين؟ فإنّ في بعض الأحاديث ذكر الصلاة بهم بعد ذكره المعراج))(4).
ولكن افتراض أنّ هناك صلاتين سيعيد تلك الإشكالات: أنّه كيف التقى بالأنبياء في السماء بعدما صلّى بهم في الأرض؟! وكيف صلّى بهم مرّة أُخرى وهم في الأرض؟!
ودمتم في رعاية الله

(1) الروضة في الفضائل: 64 (48) حديث إقرار الأنبياء بإمامة عليّ(عليه السلام)، بحار الأنوار 4: 42.
(2) مسند أحمد بن حنبل 1: 257.
(3) فتح الباري 7: 160 – 161 باب المعراج.
(4) سبل الهدى 3: 112، جماع أبواب معراجه الباب (9).

 

عبد الكريم / العراق

تعليق على الجواب (1)

في مسألة المعراج أرى أنّ في بعض الأجوبة تهافت!
كيف تقولون: أنّه عُرج إلى السماء روحاً وبدناً، والحال أنّكم تقولون: أنّه صلّى بالأنبياء هناك في السماء الرابعة؟!
فهل أنّ الأنبياء كانوا أرواحاً فقط، أو أرواحاً وأبداناً وصلّى النبيّ بهم؟!
من المسلّم أنّهم أرواح؛ لأنّهم موتى والقيامة لم تقم حتّى تُبعث أجسادهم من القبور.
وما رأه هناك، بصريح الآية التي أغفلتموها، هو: أنّ الرؤية كانت بالفؤاد، إذ قالت الآية: (( مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى… لَقَد رَأَى مِن آيَاتِ رَبِّهِ الكُبرَى ))، فكلّ عالم المعراج كان عروجاً روحانياً حسب ما يظهر من ظواهر القرآن، إضافة إلى بعض اللوازم العقلية المحالة التي لا مجال لذكرها هنا.
ثمّ هب أنّ المعراج حصل بالبدن، فهل هناك شرفية للارتفاع المكاني؟ يعني: الذي يكون في الفضاء ببدنه أشرف من الذي يكون على الأرض؟! إنّما الشرف كلّ الشرف في الارتفاع المعنوي والروحي والارتقاء إلى الحقّ المتعال، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الله لا يحويه مكان ولا زمان، ونسبته إلى جميع الأمكنة والأزمنة على نحو واحد، فما هي الحاجة إلى عروجه بدناً، والحال أنّ الشرفية للارتقاء الروحي والوصول إلى المبدأ؟!
إن قلتم: إنّه الإعجاز.
قلنا: إنّ الإعجاز يكفي بوصوله الروحي إلى محلّ لم يصل إليه أحد قبله، ولا يصل إليه أحد بعده، ويكفي في الإعجاز الإسراء به من مكّة إلى بيت المقدس روحاً وبدناً، أمّا معراجه فهو في الروح إلى السماوات.
وما ذكرتموه اعتماداً على الظواهر؛ أقول: إنّ الظواهر بخلاف ما ادّعيتموه! مع أنّ البراهين العقلية تعضد العروج الروحي فقط.
الجواب:

الأخ عبد الكريم المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يوجد في أجوبتنا أيّها الأخ الكريم أيّ تهافت يذكر!
ولكنّك قد وقعت في اشتباه لعدم اطّلاعك الكافي على الأخبار وتفسير القرآن، ونودّ أن نلفت انتباهك إلى أنّ من كتب هذه الأجوبة – التي استوحشت منها – باحثون متخصّصون في المسائل الاعتقادية، وهم لا يثبتون في الموقع الالكتروني للمركز أي جواب إلاّ بعد أن يخضع للمراجعة والتدقيق، فنرجو منك عدم التسرّع في الحكم.
أمّا بخصوص الشبهة التي أثرتها حول قضية المعراج، فجوابنا عليها هو التالي:
لا نسلّم ما ذهبت إليه من أنّ جميع الأنبياء الذين التقى بهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المعراج موتى؛ لأنّ بعضهم لم يزل على قيد الحياة، كعيسى والخضر وإلياس(عليهم السلام)، أمّا المتوفّون منهم فليسوا مجرّد أرواح لا يمكن إدراكها بالبصر، كما زعمت؛ إذ دلّت الأخبار المنقولة عن الأئمّة الأطهار(صلوات الله عليهم): أنّ الأرواح بعد مفارقتها الأبدان العنصرية تتعلّق بأشباح مثالية تشابه تلك الأبدان، وهذا التعلّق يكون في مدّة البرزخ.
روى ثقة الشيخ في (التهذيب) بإسناده عن أبي بصير، قال: ((سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن أرواح المؤمنين؟ فقال: (في الجنّة على صور أبدانهم لو رأيتهم لقلت فلان) ))(1).
وعنه: ((قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إنّا نتحدّث عن أرواح المؤمنين، أنّها في حواصل طيور خضر ترعى في الجنّة، وتأوي إلى قناديل تحت العرش؟
فقال: (لا، إذا ما هي في حواصل طير)، قلت: فأين هي؟ قال: (في روضة كهيئة الأجساد في الجنّة) ))(2).
وعن حبّة العرني، قال: ((خرجت مع أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى الظهر (أي: ظهر الكوفة – النجف) فوقف بوادي السلام كأنّه مخاطب لأقوام، فقمت بقيامه حتّى أعييت، ثمّ جلست حتّى مللت، ثمّ قمت حتّى نالني ما نالني أوّلاً، ثمّ جلست حتّى مللت، ثمّ قمت وجمعت ردائي، فقلت: يا أمير المؤمنين إنّي قد اشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة. ثمّ طرحت الرداء ليجلس عليه، فقال لي: (يا حبّة! إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته). قال: قلت: يا أمير المؤمنين وإنّهم لكذلك؟ّ! قال: (نعم، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون…) ))(3).. الحديث.
قال الشيخ البهائي(قدّس سرّه): ((ما تضمنته هذه الأحاديث من أنّ الأشباح التي تتعلّق بها النفوس ما دامت في عالم البرزخ ليست بأجسام، وأنّهم يأكلون ويشربون ويجلسون حلقاً حلقاً على صور أجسادهم العنصرية يتحدّثون ويتنعّمون، وإنّهم ربّما يكونون في الهواء بين الأرض والسماء يتعارفون في الجو ويتلاقون ونحو ذلك، ممّا يدلّ على نفي الجسمية وإثبات بعض لوازمها، يعطي أنّ تلك الأشباح ليست في كثافة المادّيات، ولا في لطافة المجرّدات، بل هي ذوات جهتين وواسطة بين العالمين.. الخ))(4).
وقد دلّك الحديث الأخير الذي ذكرناه عن حبّة العرني: أنّ بعض الناس من الكمّل، كالأنبياء والأوصياء، يقدرون على معاينة هذه الأشباح، بل والاتّصال معها أيضاً، وهنالك أخبار أُخر ضربنا عنها صفحاً تدلّ بشكل قاطع على إمكان التواصل بين الأحياء والأموات، لا يسعنا الآن ذكرها.
واعلم أنّ عالم البرزخ أو عالم المثال هو من جملة عالم الملكوت، وقد كشف الله تعالى الملكوت لطائفة من أنبياءه، كإبراهيم(عليه السلام): (( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ )) (الانعام:75).

أمّا ملكوت السماوات، فهو الملكوت الأعلى الذي تسكنه الملائكة.
وأمّا ملكوت الأرض، فهو عالم البرزخ الذي أشرنا إليه.
ونبيّنا العظيم محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليس بأدنى درجة من إبراهيم(عليه السلام)، بل هو أعلى رتبة منه بالقطع واليقين، فمن التعسّف إذاً أن ننسب إلى إبراهيم(عليه السلام) رؤية الملكوت ونمنعه عن نبيّنا محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
إذا اتضّح لك ذلك، علمت بأنّ رؤية النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للأنبياء(عليهم السلام) في المعراج كانت مكاشفة حقيقية لا مجرّد رؤيا في منام، وحينئذ فلا ينبغي لك أن تستوحش من صلاته(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأنبياء ما دام قادراً على مشاهدتهم ومكاشفتهم.
أمّا ما حسبته دليلاً على نفي العروج المادّي (الجسماني)، وهو: قوله تعالى: (( مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى )) (النجم:11), فليس كذلك؛ لأنّ هذه الآية والآيات السابقة لها من سورة النجم راجعة إلى بدء الدعوة، ولا تمتّ إلى حديث المعراج بصلة؛ ارجع إلى التفاسير المعتبرة لتتّضح لك جليّة الأمر.

أمّا ما يتعلّق بالمعراج فيبتدأ بقوله تعالى: (( وَلَقَد رَآهُ نَزلَةً أُخرَى * عِندَ سِدرَةِ المُنتَهَى )), إلى قوله: (( لَقَد رَأَى مِن آيَاتِ رَبِّهِ الكُبرَى )) (النجم:13-18), وقد ذكر العلاّمة الشيخ جعفر السبحاني في ذيل بحثه عن المعراج في كتابه (مفاهيم القرآن) جملة من النقاط، نذكر بعضاً منها، ونحيلك إلى مراجعة هذا البحث برمّته في المصدر، قال:
((الإمعان في مجموع الآيات الواردة حول إسرائه وعروجه ينتهي بنا إلى عدّة أُمور:
1- إنّه قد أُسري بالنبيّ ليلاً على جهة القطع.
2- إنّ النبيّ أُسري وعُرج بروحه وجسده ولم يكن ذلك رؤيا.
3- بدأ الإسراء من المسجد الحرام… وأمّا مبدأ المعراج فلو كان متّصلاً بالإسراء، فيكون مبدأُه من المسجد الأقصى.
4- منتهى الإسراء هو: المسجد الأقصى، وأمّا منتهى المعراج فهو: منتهى السماوات، كما يفيده قوله: (( عِندَ سِدرَةِ المُنتَهَى )).
5- كان الغرض من الإسراء والمعراج إراءة الآيات، كما يتضمّنه قوله: (( لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا )) (الاسراء:1)، وقوله (( لَقَد رَأَى مِن آيَاتِ رَبِّهِ الكُبرَى )) (النجم:18).
6- إنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) رأى جبرئيل بصورته الأصلية مرّتين: مرّة في بدء الدعوة، ومرّة في المعراج.
7- قد دنا جبرئيل من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على حدّ لم يبق بينهما مسافة إلاّ مقدار قاب قوسين أو أدنى.
8- لم يكن هناك خطأ في تلك الرؤية، فما أخطأ فؤاده وما زاغ بصره وما طغى))(5).

أمّا قولك: ((هب أنّ المعراج حصل بالبدن، فهل هناك شرفية للارتفاع المكاني؟)).
فنقول: إنّ إنكار شرفية العروج الجسماني مكابرة! لأنّ الجسم ليس من شأنه العروج إلى الأعلى، فإذا عُرج فإنّما يعرج بمعاكسة القانون الطبيعي وخرق أسبابه، وفي ذلك من المزيّة ما لا يمكن جحده، وهو بطبيعة الحال مزيد عناية واختصاص من قبل الباري تعالى للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ إذ خرق له الناموس الطبيعي، وجعله يطأ بقدمه البقاع المقدّسة في السماوات، فكيف لا يكون في ذلك شرفية؟!
ودمتم في رعاية الله

(1) تهذيب الأحكام 1: 466 باب تلقين المحتضرين حديث (1527).
(2) الكافي 3: 245 باب أرواح المؤمنين حديث (4742).
(3) الكافي 3: 243 باب في أرواح المؤمنين حديث (4734).
(4) رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين(عليه السلام) 1: 337 في بيان معنى البرزخ.
(5) مفاهيم القرآن 7: 215 – 216 إسراءه ومعراجه.

 

عبد الكريم / العراق

تعليق على الجواب (2)

السلام عليكم ورحمة الله
في المقدّمة وقبل الردّ على جوابكم ينبغي لمن يتصدّى لتبيين العقيدة والدفاع عنها أن يتحلّى بروح الآتي بها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الحلم ومجاراة الناس، الذي كان منطقه هو: (( وَإِنَّا أَو إِيَّاكُم لَعَلَى هُدًى أَو فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ))(سبأ:24)، و: (( وَلَو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضُّوا مِن حَولِكَ )) (آل عمران:159)، وغيرها من الآيات التي خالفها منطقكم الذي تقولون فيه: وقعت في اشتباه, و: عدم اطّلاعكم, و: كوني متسرّعاً, وأنّي أحسب ما هو ليس بدليل دليلاً، وغيرها من ألفاظ الانتقاص من عقل السائل أو المستفهم، وهذا أسلوب ينفر الناس منكم، وإنّما تطرحون بضاعتكم وعلى السائل أن ينظر فيها وفي غيرها؛ لأنّ الحقّ ليس حكراً على أحد.

أمّا في ردّكم أنّكم لا تسلّمون أنّ جميع الأنبياء موتى.
أقول: يكفي أنّ بعضهم كان ميّتاً، وقد صلّى النبيّ بهم جميعاً، وهذا يكفي لما ندّعيه من الإلزام.

أمّا صلّى بهم وهم أرواح، أو صلّى بهم أرواحاً وأبداناً؟ وهذا لم تجيبوا عنه!

أمّا قولكم: أنّهم حتّى لو كانوا أموات يمكن إدراكهم بالبصر.
أقول: إنّ ما ذكرتموه من الروايات على رؤية الأموات بالبصر لا تدلّ على مدّعاكم من أنّ الأولياء والكمّل يرونهم بالأبصار، بل يرونهم بالبصيرة، وهذا هو معنى كشف الغطاء، لا أنّ البصر يرى بعدما لم يكن، أمّا الروايات التي تقولون عنها أنّها تدلّ بشكل قاطع على التواصل مع الأموات، فهذا شيء لم أنكره أنا حتّى تثبتوه أنتم، وهذا لا يدلّ على مدّعاكم، وأكثر الروايات التي تدّعون أنّها تدلّ على رؤية الأموات ظهورها في الرؤية بالبصيرة أظهر من كونها رؤية بالبصر، لو تدبّرتم بها جيّداً.
وما ذكرتموه من رؤية إبراهيم الملكوت، فلا أدري كيف استفدتم أنّ رؤية الملكوت كانت بالبصر، والحال أنّ الملكوت باطن هذا العالم، وليس من سنخه كما يصرّح به العلماء من المذهب؟
وقولكم: إنّ رؤية النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للأنبياء كانت مكاشفة حقيقية، وإنّي أستوحش من هذا, فلا أدري متى أنّا أنكرت كونها مكاشفة حقيقية، وكيف فهمتم استيحاشي؟!
وأظنّكم خلطتم بين المكاشفة، وهي أمر قلبي، بالرؤية، وهي أمر حسّي، وما تريدون إثباته هو الرؤية لا المكاشفة؛ لأنّها تثبت قولي لا قولكم.

أمّا قولكم: إنكار شرفية العروج الجسماني مكابرة, فلا أدري، وليتني دريت، كيف لمتخصّص مثل مركزكم يكون عنده هذا الخلط بين خرق العادة، الذي هو دليل إنّي على اتّصال صاحب المعجزة بالله، وبين الكمال الحقيقي، الذي يتّصف به النبيّ؟
وأنا قلت: أنّ العروج البدني والارتفاع المكاني ليس فيه كمال، وإلاّ كلّ من ارتفع مكاناً يكون له الشرفية؛ لأنّ العلّة تعمّم وتخصّص، وخرق القانون للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليس هي مزيّة له لوحده، أمّا بلوغه تلك المقامات الرفيعة هي التي تكون له مزية.
وبعد اللتيا والتي المسألة ليست بديهية ولا مجمع عليها، والأخبار فيها متضاربة، وأخبار الآحاد، لو سلّمنا بحجّيتها، لا تكون دليلاً في مثل هذه المسائل.

وأنقل لك عبارة العلاّمة في تفسير الميزان حتّى لا تقل أنّك لم تطّلع على التفاسير، ولولا خوف الإطالة لأريتك المصادر التي اعتمد عليها:
– تفسير الميزان – السيّد الطباطبائي ج 13 ص 32:
اختلفوا في كيفية الإسراء، فقيل: كان اسراؤه (عليه السلام) بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثمّ منه إلى السماوات، وعليه الأكثر؛ وقيل: كان بروحه وجسده من مكّة إلى بيت المقدس، ثمّ بروحه من بيت المقدس إلى السماوات، وعليه جمع؛ وقيل: كان بروحه (عليه السلام) وهو رؤيا صادقة أراها الله نبيّه، ونسب إلى بعضهم.
قال في (المناقب): اختلف الناس في المعراج؛ فالخوارج ينكرونه, وقالت الجهمية: عُرج بروحه دون جسمه على طريق الرؤيا, وقالت الإمامية والزيدية والمعتزلة: بل عُرج بروحه وبجسمه إلى البيت المقدس؛ لقوله تعالى: (( إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى )) (الاسراء:1)، وقال آخرون: بل عُرج بروحه وبجسمه إلى السماوات.. روي ذلك عن: ابن عبّاس، وابن مسعود، وجابر، وحذيفة، وأنس، وعائشة، وأُمّ هاني.
ونحن لا ننكر ذلك إذا قامت الدلالة، وقد جعل الله معراج موسى إلى الطور (( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ ))(القصص:46)، ولإبراهيم إلى السماء الدنيا (( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبرَاهِيمَ )) (الانعام:75)، ولعيسى إلى الرابعة (( بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ )) (النساء:158)، ولإدريس إلى الجنّة (( وَرَفَعنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً )) (مريم:57)، ولمحمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (( فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَى )) (النجم:9)، وذلك لعلوّ همّته. انتهى.
والذي ينبغي أن يقال: إنّ أصل الإسراء ممّا لا سبيل إلى إنكاره؛ فقد نصّ عليه القرآن، وتواترت عليه الأخبار عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة من أهل بيته(عليهم السلام).
وأمّا كيفية الإسراء، فظاهر الآية والروايات، بما يحتفّ بها من القرائن ظهوراً لا يقبل الدفع، أنّه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بروحه وجسده جميعاً.
وأمّا العروج إلى السماوات، فظاهر آيات سورة النجم – كما سيأتي إن شاء الله في تفسيرها – وصريح الروايات – على كثرتها البالغة – وقوعه, ولا سبيل إلى إنكاره من أصله، غير أنّه من الجائز أن يقال: بكونه بروحه، لكن لا على النحو الذى يراه القائلون به، من كون ذلك من قبيل الأحلام، ومن نوع ما يراه النائم من الرؤى..
ولو كان كذلك، لم يكن لِما تدلّ عليه الآيات بسياقها من إظهار المقدرة والكرامة معنى, ولا لذاك الإنكار الشديد الذى أظهرته قريش عندما قصّ (عليه السلام) لهم القصّة وجه, ولا لِما أخبرهم به من حوادث الطريق مفهوم معقول.
بل ذلك – إن كان – بعروجه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بروحه الشريفة إلى ما وراء هذا العالم المادّي، ممّا يسكنه الملائكة المكرّمون، وينتهى إليه الأعمال، ويصدر منه الأقدار، ورأى عند ذلك من آيات ربّه الكبرى، وتمثّلت له حقائق الأشياء، ونتائج الاعمال، وشاهد أرواح الأنبياء العظام وفاوضهم، ولقى الملائكة الكرام وسامرهم, ورأى من الآيات الإلهية ما لا يوصف إلاّ بالأمثال، كالعرش والحجب والسرادقات.
والقوم لذهابهم إلى أصالة الوجود المادّي، وقصر الوجود غير المادّي فيه تعالى، لمّا وجدوا الكتاب والسُنّة يصفان أُموراً غير محسوسة بتمثيلها في خواص الأجسام المحسوسة، كالملائكة الكرام، والعرش، والكرسي، واللوح، والقلم، والحجب، والسرادقات، حملوا ذلك على كونها أجساماً مادّية لا يتعلّق بها الحس، ولا تجري فيها أحكام المادّة, وحملوا أيضاً ما ورد من التمثيلات في مقامات الصالحين، ومعارج القرب، وبواطن صور المعاصين ونتائج الأعمال، وما يناظر ذلك، إلى نوع من التشبيه والاستعارة، فوقعوا في ورطة السفسطة بتغليط الحس، وإثبات الروابط الجزافية بين الأعمال ونتائجها، وغير ذلك من المحاذير.
ولذلك أيضاً لمّا نفى النافون منهم كون عروجه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى السماوات بجسمه المادّي، اضطرّوا إلى القول بكونه في المنام، وهو عندهم خاصّة مادّية للروح المادّي، واضطرّوا لذلك إلى تأويل الآيات والروايات بما لا تلائمه ولا واحدة منها.

الجواب:

الأخ عبد الكريم المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ جوابنا لكم – أيّها الأخ الكريم – لا يتضمّن أيّ انتقاص أو إهانة!
أمّا استعمالنا لألفاظ من قبيل: ((اشتباه، توهّم، إنكار ذلك مكابرة…))، فلا يقصد منه الإساءة أو التحقير، كما ربّما قد تبادر إلى ذهنك، ولكن ذلك ممّا جرت عليه العادة في مقام الأجوبة بين المتحاورين من أهل العلم ممّن يتبنّى وجهات نظر مختلفة، وعند الرجوع إلى بعض كتب العلماء فإنّك تجد أمثال هذه الألفاظ متداولة في مقام النقد والأخذ والردّ بين أجلّة أهل الفنّ من مختلف الاختصاصات، ولا سيّما بين علماء الأُصول والعقائد, وحينئذ فليس هناك من داعٍ لهذا التشنّج، فلسنا نحن وأنت في معرض المغالبة والمجادلة, فوسّع صدرك، وطامن من حدّة انفعالك.

ثمّ إنّنا نسألك: أليس من المفروض أنّنا جهة معتبرة وجديرة بالإجابة عن الأسئلة العقائدية وإلاّ لَما تقدّمت أنت إلينا بالسؤال، أم أنّك كنت من الوهلة الأولى لا تسعى سوى إلى الجدال والاستشكال؟!
فأين الإنصاف حينما تتحدّث معنا بنبرة الإفحام والإلزام والنقض والإبرام؟!
فقد ابتدأت رسالتك الأولى قائلاً: ((أرى في بعض الأجوبة تهافت))، ثمّ في رسالتك الثانية اتّهمتنا بالتخليط في غير ما موضع، مع هجوم عنيف لا مبرّر له إطلاقاً، فانتبه لنفسك، وحاول أن تتفهّم الجواب لتنتفع به.

أمّا إذا كنت مستغنياً عن الجواب فلا ضرورة أن تسألنا، واكتف بما عندك..
ولأنّنا نسعى إلى أن تفهم الجواب وتستوعبه جيّداً نطالبك الآن بهدوء الأعصاب، والله الموفّق للصواب!
فنقول: إنّ امتناع الرؤية البصرية للأرواح لا دليل عليه، فالروح والكائنات الروحية الأُخرى، كالجنّ والملائكة، يجوز رؤيتها بالبصر فضلاً عن البصيرة، وقد ثبت ذلك بأدلّة عقيلة ونقلية وتجريبية، وقد تقدّمنا في الجواب السابق بطائفة منها، وسنردفها هنا بما يلي:
أولاً: إنّ الروح ليست مجرّد معنى عقليّاً لا يمكن إدراكه بالحواس الظاهرة؛ فإنّها كما أوضحنا، تلبس حين مفارقة الجسد هيئة نورانية لطيفة من عالم المثال، فقد ثبت بالدليل أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد رأى جبرئيل(عليه السلام) ببصره، وأنّه رأى بعض الملائكة، كمالك خازن النار، وملك الموت، وغيرهما في رحلة المعراج، وكانت تلك الرؤية بصرية بكلّ ما للكلمة من معنى، ويشهد لذلك أنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد رأى جبرئيل(عليه السلام) بصور متعدّدة، فقد رأه في صورته الحقيقية في أوّل البعثة، ورآه أيضاً بهيئة بشرية على صورة دحية الكلبي، بل ممّن رآه بهذه الصورة بعض أصحابه، كما هو مزبور في كتب الحديث والسيرة(1)؛ فراجع!
وقد طلب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) – كما في خبر المعراج – رؤية عزرائيل بصورته التي يقبض بها أرواح الأشقياء، فتمثّل له ملك الموت بتلك الصورة، فخرّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مغشيّاً عليه(2)، وكذلك رؤيته لمالك خازن النار وإطّلاعه على ملائكة العذاب حين كشف له عن جهنّم(3)… الخ.

ثانياً: إنّ الذي يمتنع رؤيته بالبصر هو المجرّد التام التجرّد، كالعقول والمعاني المحضة؛ لأنّها معرّاة عن الأوضاع والجهات، وما لا يقع في مكان وجهة تمتنع رؤيته، ولذلك استدللنا على عدم إمكانية رؤية الله عزّ وجلّ في الدنيا ولا في الآخرة.
أمّا أرواح الموتى، فإنّها ليست ممّا يمتنع رؤيته؛ لأنّ لها وضع وهيئة، وتكون في جهة، غاية ما في الأمر أنّها أجسام لطيفة شفافة تعجز أغلب الأبصار عن إدراكها، أمّا أبصار الأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحين فلها تمام القابلية على إدراك هذه الأرواح إدراكاً بصرياً.

ثالثاً: ثبت في حقل ما يسمّى بعلم استحضار الأرواح، وعلم الباراسيكولوجي، أنّ أرواح الموتى يمكن أن ترى بالبصر، وقد أُجريت المئات، إن لم تكن الآلاف، من التجارب في ظروف خاصّة، وبحضور علماء ووسطاء روحيين، وتمّ توثيق ذلك في كتب عديدة، منها: كتاب: (الإنسان روح لا جسد/لرؤوف عبيد)، و(المذهب الروحاني/لعبد الله أباحي) وغيرها، فارجع إليها.

ذكرت في ردّك الأخير علينا أنّنا لم نجبك على سؤالك، وهو: هل أنّ الأنبياء كانوا أرواحاً فقط، أم أرواحاً وأبداناً، وصلّى النبيّ بهم؟
فنقول: قد أجبناك من خلال ذكر الشواهد التي تدعم صحّة عروج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بروحه وجسده الشريف ومشاهدته للأنبياء(عليهم السلام)؛ إذ أنّ مشاهدته لهم كافية في تصحيح صلاته بهم، وإن كانوا صنفين: أرواح فقط، أو أرواحاً وأبداناً، فإنّه إن كان يصحّ الصلاة بالروح التي أثبتنا كونها بهيئة شبح لطيف، فصلاته بالنبيّ الحيّ كعيسى(عليه السلام) مثلاً تكون ممكنة من باب أولى؛ إذ لا مانع من إجتماع الأنبياء الأحياء والأموات في السماوات.

أمّا اعتراضك علينا من أنّ الكمّل والأولياء يرونهم بالبصيرة دون البصر، فلا شاهد عليه من عقل أو نقل، بل الدليل قائم على كون المشاهدة بالبصر؛ قال تعالى: (( لَقَد كُنتَ فِي غَفلَةٍ مِن هَذَا فَكَشَفنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَومَ حَدِيدٌ ))(ق:22)، ولم يقل: بصيرتك، بل لا يوجد ولا موضع واحد في القرآن الكريم قد نسبت فيه المشاهدة إلى البصيرة.

أمّا حقيقة المكاشفة، فهي رفع الحجاب، وليس ذلك أمر قلبي، كما تدّعي، والآية التي ذكرناها خير دليل على كون المكاشفة من مختصّات البصر، لا البصيرة.
فهل يا ترى أنّ النبيّ موسى(عليه السلام) حينما سأل الله أن يراه بقوله: (( رَبِّ أَرِنِي أَنظُر إِلَيكَ )) (الاعراف:143)، كان يُريد النظر بالبصيرة أم بالبصر؟ ولذلك قال الله عزّ وجلّ له: (( لَن تَرَانِي )) (الاعراف:143). ارجع إلى التفاسير ليتتبيّن لك جليّة الأمر.
وباختصار شديد نقول: إنّ حمل معنى الرؤية والمشاهدة والمكاشفة على البصيرة هو خلاف الظاهر.

أمّا مؤاخذتنا عليك إنكارك شرفية الرقيّ المكاني وامتعاضك من ذلك، فإنّها مترتّبة عن مقدّماتك التي ذكرتها، ولا نرى ثمّة علاقة بين الرقيّ في السماوات بالجسم وبين سائر أنحاء الرقيّ الذي يحصل بالكرامة أو الرياضة حتّى تشكل علينا!
فإذا كان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما هو صريح خبر المعراج(4)، قد وطأ بقدميه الشريفتين – بل وبنعليه – السماء السابعة وما وراءها، فكيف لا يكون في ذلك شرفية؟! فنحن نتكلّم عن الرقيّ المكاني المستلزم للشرفية، لا مطلق الرقي حتّى تحتجّ علينا برقيّ طائفة من أهل الرياضة.

أمّا ما اقتبسته تأييداً لوجهة نظرك من (تفسير الميزان) للسيّد الطباطبائي، فلا يصلح مؤيّداً؛ لأنّ قوله: ((غير أنّه من الجائز أن يقال: بكونه بروحه…)) كلام بأداتين للتضعيف؛ الأولى: إحالته على الجواز بقوله: ((من الجائز)). والثانية: تمريضه بالفعل: (يقال)، الذي يستعمله العلماء في مقام توهين وتضعيف الكلام، وهكذا لفظ (قيل)، لا بل إنّ (يقال) أشدّ تضعيفاً من (قيل)، كما لا يخفى على أهل الصناعة.

ثمّ لا يخفى عليك أنّه بعد أن لم يتمّ دليل على المنع من العروج الجسماني، وأنّه يقع في دائرة الإمكان، ولا طريق لنا من جهة العقل لأن نثبت وقوعه (على الأقلّ من جهة عقولنا الآن)، لا يبقى لنا إلاّ طريق النقل، وظاهره صريح في العروج الجسماني كما عليه المشهور، بل في بعض روايات المعراج أنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أكل من تفّاح الجنّة الذي منه تولّدت نطفة فاطمة(عليها السلام)(5)، فهذا لا يقبل التأويل بالعروج الروحاني؛ فلاحظ!
ودمتم في رعاية الله

(1) انظر: الكافي 1: 587 كتاب الدعاء حديث (25)، أمالي الصدوق: 426 المجلس(55) حديث (562)، مسند أحمد 6: 74، 146 حديث عائشة، سنن النسائي 8: 103 كتاب الإيمان، المستدرك على الصحيحين 3: 35.
(2) الإسراء والمعراج رحلة الرسول إلى السماوات السبع: 56 الفصل (2) الباب (2).
(3) انظر: أمالي الصدوق: 536 المجلس(69) حديث (720)، والمجلس (76) حديث (952)، روضة الواعظين: 58، 508.
(4) انظر: الكافي 1: 442 باب مولد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، روضة الواعظين: 59.
(5) انظر: مناقب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) لمحمّد بن سليمان الكوفي: 206حديث (677)، الهداية الكبرى: 177 الباب (3)، مناقب آل أبي طالب 3: 114 باب مناقب فاطمة الزهراء(عليها السلام)، ذخائر العقبى: 36.

شاهد أيضاً

مع اية الله العظمى الامام الخامنئي والاحكام الشرعية من وجهة نظره

رؤية الهلال س833: كما تعلمون فإن وضع الهلال في آخر الشهر (أو أوّله) لا يخلو ...