الرئيسية / زاد الاخرة / جامع السعادات – محمد مهدي النراقي – ج ١

جامع السعادات – محمد مهدي النراقي – ج ١

جامع السعادات للشيخ الجليل أحد أعلام المجتهدين المولى محمد مهدي النراقي المتوفى 1209 ه‍ الجزء الأول حققه وعلق عليه العلامة السيد محمد كلانتر عميد جامعة النجف الدينية قدم له الشيخ محمد رضا المظفر عميد كلية الفقه منشورات

(١)

كلمة دار النعمان بسم الله الرحمن الرحيم ” الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله “.
كانت دار النعمان وما تزال بين آونة وأخرى، تقدم لقرائها الكرام وللمكتبة الإسلامية: كتبا قيمة ومفيدة، بأثمان زهيدة، وهي ترمي من وراء ذلك إلى غرضين مهمين:
أحدهما: إخراج تراثنا الإسلامي القديم إخراجا فنيا، يرتضيه الذوق الحديث ويأنس به، ليستطيع القراء من الاستفادة منه ويقبلوا على مطالعته.
وثانيهما: جعل الكتاب الإسلامي في متناول الجميع، بحيث يصبح في حوزة أكبر عدد ضخم من القراء الكرام، ويحصل عليه الغني والفقير على حد سواء.
وإننا لنرجوا في هذه المرة بإخراجنا أجل كتاب من كتب الأخلاق – جامع السعادات – أن نكون قد وفقنا لما نصبوا إليه من نشر الثقافة الدينية الصحيحة، خدمة للعقيدة، وطلبا لرضى الخالق، والله من وراء القصد.
حسن محمد إبراهيم الكتبي

(٣)

فصل بيان تلذذ النفس وتألمها إذا عرفت تجرد النفس وبقاءها أبدا، فاعلم أنها إما ملتذة متنعمة دائما أو معذبة متألمة كذلك. والتذاذها يتوقف على كمالها الذي يخصها، ولما كانت لها قوتان النظرية والعملية، فكمال القوة النظرية الإحاطة بحقائق الموجودات بمراتبها والاطلاع على الجزئيات غير المتناهية بإدراك كلياتها.
والترقي منه إلى معرفة المطلوب الحقيقي وغاية الكل حتى يصل إلى مقام التوحيد ويتخلص عن وساوس الشيطان ويطمئن قلبه بنور العرفان. وهذا الكمال هو الحكمة النظرية.
وكما القوة العملية التخلي عن الصفات الردية والتحلي بالأخلاق المرضية ثم الترقي منه إلى تطهير السر وتخليته عما سوى الله سبحانه. وهذا هو الحكمة العملية التي يشتمل هذا الكتاب على بيانها.
وكمال القوة النظرية بمنزلة الصورة وكمال القوة العملية بمنزلة المادة، فلا يتم أحدهما بدون الآخر، ومن حصل له الكمالان صار بانفراده عالما صغيرا مشابها للعالم الكبير، وهو الإنسان التام الكامل الذي تلألأ قلبه بأنوار الشهود وبه تتم دائرة الوجود.

(٣٥)

فصل في فضائل الأخلاق ورذائلها فضائل الأخلاق من المنجيات الموصلة إلى السعادة الأبدية، ورذائلها من المهلكات الموجبة للشقاوة السرمدية، فالتخلي عن الثانية والتحلي بالأولى من أهم الواجبات والوصول إلى الحياة الحقيقية بدونهما من المحالات.
فيجب على كل عاقل أن يجتهد في اكتساب فضائل الأخلاق التي هي الأوساط (1) المثبتة من صاحب الشريعة والاجتناب عن رذائلها التي هي الأطراف، ولو قصر أدركته الهلاكة الأبدية، إذ كما أن الجنين لو خرج عن طاعة ملك الأرحام المتوسط في الخلق لم يخرج إلى الدنيا سويا سميعا بصيرا ناطقا، كذلك من خرج عن طاعة نبي الأحكام المتوسط في الخلق لم يخرج إلى عالم الآخرة كذلك.
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (2).
ثم ما لم تحصل التخلية لم تحصل التحلية ولم تستعد النفس للفيوضات القدسية، كما أن المرآة ما لم تذهب الكدورات عنها لم تستعد لارتسام الصور فيها، والبدن ما لم تزل عنه العلة لم تتصور له إفاضة الصحة، والثوب ما لم ينق عن الأوساخ لم يقبل لونا من الألوان، فالمواظبة على الطاعات الظاهرة لا تنفع ما لم تتطهر النفس من الصفات المذمومة كالكبر والحسد والرياء، وطلب الرياسة والعلى وإرادة السوء للاقران والشركاء وطلب الشهرة في البلاد وفي العباد، وأي فائدة في تزيين الظواهر مع إهمال البواطن.
ومثل من يواظب على الطاعات الظاهرة ويترك تفقد قلبه كبئر الحش (3) ظاهرها جص وباطنها نتن، وكقبور الموتى ظاهرها مزينة وباطنها
(1) إشارة إلى أن الفضيلة وسط بين رذيلتين وقد دعى الشارع إلى تحصيل الوسط بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: خير الأمور أواسطها) وسيأتي شرح المعنى من الوسط والطرفين.
(2) الإسراء الآية 72.
(3) الحش بالفتح أو الضم ثم التشديد والفتح أكثر من الضم: المخرج وموضع الحاجة وأصله من الحش بمعنى البستان، لأنهم كانوا يتغوطون في البساتين، فلما اتخذوا الكنف أطلقوا عليها الاسم مجازا، فالمراد هنا من بئر الحش خزانة الكنيف.
(٣٦)

شاهد أيضاً

أبناء الرسول صلى الله عليه وأله في كربلاء

إلا لتستكمل بالشهادة والفداء، شرف الانتماء إلى بيت القرابين والشهداء..!!! * * * وبعد.. فقد ...