قلت : يذكر التاريخ أن في أوائل حكومة ناصر الدين شاه قاجار ، وفي وزارة أمير كبير ميرزا تقي خان ، حينما كانت الدولة منشغلة بإخماد الفتن التي آثارها رجل اسمه : ” سالار ” في خراسان ، وكانت سلطة الدولة الضعيفة في تلك المقاطعة .
اغتنم الفرصة أمير خوارزم وهو : محمد أمين خان أزبك المعروف بخان خيوه ، وهجم بجيش جرار على خراسان ، وقتل ونهب ودمر وأسر جمعا كثيرا من الناس ، فساقه إلى بلاده سبايا .
وبعدما أخمدت فتنة سالار ، بعثت الدولة القاجارية سفيرا إلى خان خيوه ليفاوضه في شأن السبايا واستخلاصهم ، وكان السفير هو رضا قلي خان ، الملقب بهدايت ، وهو من كبار الدولة ورجال البلاط الملكي .
فلما وصل إلى خوارزم والتقى بخان خيوه ، دار بينهم كلام طويل سجله التاريخ جملة جملة ، وكلمة كلمة ، والشاهد هنا هو هذه العبارة : إن المغفور له هدايت قال لخان خيوه :
إن الدول الكافرة تعامل الإيرانيين معاملة حسنة ، وهم في أمن وأمان من جيوش روسية والإفرنج ، ولكنكم مع الأسف تعاملون الإيرانيين معاملة الكفار والمشركين ، وهم معكم على دين واحد ، لا فرق في قبلتنا وقرآننا ونبينا ، نحن وأنتم نعتقد ونشهد : أن لا إله إلا الله ، محمد رسول الله (ص) ، فلماذا تهجم بجيوشك على بلادنا ، وتدمر ديارنا ، وتقتل وتنهب ، وتأسر المسلمين وتبيعهم في الأسواق كأسرى الكفار والمشركين ؟!
فأجاب خان خيوه : إن علماءنا وقضاتنا في بخارى وخوارزم : يفتون بأن الشيعة كفار وأهل بدع وضلال ، وجزاؤهم القتل ونهب الأموال ، وهم يوجبون علينا هذه المعاملة مع الإيرانيين ، فيبيحون لنا دماءهم ونساءهم وأموالهم !!
وللاطلاع التام فليراجع : تاريخ روضة الصفا الناصري ، وكذلك مذكرات سفر خوارزم ، تأليف رضا قلي خان هدايت .
هجوم الأزبك:
كما إن أحد أمراء الأزبك المسمى عبدالله خان حاصر بجيوشه منطقة خراسان ، فكتب علماء خراسان إليه كتابا جاء فيه : نحن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله (ص) ، فلماذا تغير علينا بجيشك وتقاتلنا وتهتك حريمنا ونحن أتباع القرآن الكريم والعترة الهادية ، وإن الوحشية والمعاملة السيئة التي نجدها منكم غير مقبولة في الإسلام ، وإن الله سبحانه لا يجيزها لكم بالنسبة للكفار ، فكيف مع المسلمين ؟!
فلما وصل الكتاب إلى يد عبد الله خان أعطاه لعلماء السنة وقضاتهم الذين كانوا يرافقونه في حملاته على المسلمين الشيعة ، وطلب منهم أن يجيبوا ويردوا على الكتاب .
فأجاب علماء السنة ـ ردا على كتاب علماء خراسان ـ بجواب مشحون بالتهم والأكاذيب على الشيعة و قذفوهم بالكفر !! لكن علماء خراسان ردوا عليهم ، ونسفوا تهمهم وأكاذيبهم ، وأثبتوا أن الشيعة مؤمنون بالله ورسوله وبكل ما جاء به النبي الكريم (ص) .
ومن أراد الوقوف على تلك الردود والإجابات فليراجع كتاب ” ناسخ التواريخ ” .
فشاهد الكلام إن علماء السنة الأزبكيين كتبوا : إن الشيعة رفضة وكفار ، فدماؤهم وأموالهم ونساؤهم مباحة للمسلمين !!
وأما في بلادكم أفغانستان ، فإن الشيعة يعانون أشد الضغوط والهجمات الوحشية منكم ومن أمثالكم أهل السنة والجماعة .
والتاريخ مليء بالفجائع والجنايات التي ارتكبوها جماعة السنة في حق الشيعة في أفغانستان ، ومن جملتها :
في سنة 1267 هجرية في يوم عاشوراء وكان يوافق يوم الجمعة ، وكانت الشيعة مجتمعة في الحسينيات في مدينة قندهار ، وكانوا يقيمون شعائر العزاء على مصائب سبط الرسول وسيد الشهداء ، الحسين بن علي ( ع) وأنصاره الذين استشهدوا معه في سبيل الله تعالى .
وإذا بأهل السنة والجماعة يهجمون عليهم بالأسلحة الفتاكة ، ولم يكن الشيعة مسلحين ولا مستعدين لقتال ، حتى أنهم لم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم ، فقتل قومكم جمعا كثيرا حتى الأطفال بأفجع أنواع القتل ، ونهبوا أموالهم وأموال الحسينيات !!
والأعجب من ذلك ، أن أحدا من علماء السنة لم يندد بهذا العمل الوحشي الشيطاني ، ولم يبد أسفه على تلك الجناية البشعة ، فكان سكوت العلماء تأييدا لعمل الجهال المهاجمين ، والجناة المتعصبين ، وربما كان كل ذلك بتحريك بعض علمائهم ، والله أعلم .
والتاريخ يحدثنا عن هجمات كثيرة من هذا النوع ضد الشيعة في أفغانستان وبلاد الهند والباكستان أيضا ، فكم من نفوس مؤمنة أزهقت ، ودماء بريئة سفكت ، وأموال محترمة نهبت ، وحرمات دينية هتكت ، بأيدي أهل السنة والجماعة ، وقد قتلوا حتى بعض فقهائنا الكبار وعلمائنا الأبرار .