الشيخ حسين بن عبد الصمد بن محمد بن علي بن الحسين بن محمد بن
صالح الحارثي اللويزاني العاملي ، والد الشيخ البهائي
لم يستوف صاحب الأصل ترجمته ولا نسبه 3 ) ، وذكره في رياض العلماء 4 ) ،
وذكر أنه كان عالما جليلا أصوليا متكلما فقيها محدثا شاعرا ماهرا في صنعة
اللغز ، وله الألغاز المشهورة خاطب بها ولده البهائي فأجابه بأحسن منها .
قال : وكان له ميل إلى التصوف ورغبة إلى مدح مشايخ الصوفية ونقل
كلماتهم كما هو ديدن ولده أيضا ، وكأنه أخذ من أستاذه الشهيد الثاني ” ره “
ولكن زاد في الطنبور نغمة .
أقول : اني كنت أجل المولى عبد الله عن مثل هذه الكلمات في حق كبار
علماء الطائفة ونواميس الدين ، حتى رأيته يرميهم بهذه العظائم ويضرب لهم
الأمثال القبيحة . ما هكذا تورد يا سعد الإبل .
ونحن على تأخرنا عن عصر الصفوية عرفنا أن هؤلاء المشايخ رضي الله
تعالى عنهم انما تمكنوا من نشر الأحكام الشرعية وفادوا الدولة الصفوية التي
شعار سلطنتها التصوف إلى التشرع والاخذ بالشريعة والتقليد ، ومرنوهم على
التعبد بالأحكام بعد ما كانوا كلهم – هم ووزراؤهم وأهل دعوتهم وجندهم –
صوفية لا يعرفون الا الطريقة والحقيقة ، فجاءهم الشيخ حسين والبهائي وأمثالهم
بالتي هي أحسن بالحكمة والمماشاة والحضور في مجالس ذكرهم حتى أنسوا
بهم فصاروا يلقون في أذهانهم حسن الشريعة وأحكامها وأنها تعين على الطريقة
والحقيقة ، وصاروا لا يذكرون أحدا من الصوفية بسوء بل يثنون عليه حتى
جروهم إلى العمل بالسنن والاحكام أولا فأول حتى عادت دولة متشرعة مربية
للفقهاء والمحدثين ومروجة لطريقة أهل البيت عليهم السلام .
والعجب من هذا الفاضل كيف لم يلتفت إلى ذلك مع قرب عهده بهم وأخذ
يشن الغارة عليهم ، حتى أنه إذا عثر على من يتكلم بالمعارف والأخلاق في بعض
مصنفاته ، كالشهيد في المنية وابن فهد في العدة والتحصين يرميهم بالميل إلى
التصوف ، مع أن التصوف علم فيه كتب لا يخفى على أهل العلم رجاله ، ولهم
طرق عددها المقدس الأردبيلي في حديقة الشيعة .
أين هم من علمائنا ؟ وهل فينا من يقول بوحدة الوجود ولا صوفي الا يقول
بها ، فانظر منازل السائرين والرسالة القشيرية ورسائل ابن عربي والحلاج والجنيد
والعطار وخواجة عبد الله وأمثالهم . أولئك الصوفية لا الشهيد وابن فهد والبهائي
وأبيه من حكماء الدين وشيوخ المتشرعين .
ثم قال المولى عبد الله بعد كلامه المتقدم : وكان معظما عند السلطان شاه
طهماسب الصفوي بعد المحقق الكركي ، وكان من القائلين بوجوب الجمعة
في زمن الغيبة عينا والمواظبين على اقامتها في ديار العجم ولا سيما في خراسان .
قال : وقد ترجمه المولى مظفر علي تلميذ الشيخ البهائي في رسالة بالفارسية ،
قال ما معناه : وكان هذا الشيخ في زمانه من العلماء المشاهير والفقهاء النحارير ،
وكان في تحصيل العلوم والمعارف وتحقق مطالب الأصول والفروع لدى
الأساتيذ من شركاء شيخنا الشهيد الثاني ومعاصريه ، ولم يكن له قدس سره في
علم الحديث والتفسير والفقه والرياضي عديل في عصره ، وله فيها مصنفات ،
منها :
كتاب ” دراية الحديث ” ، ورسالة في ” تحقيق القبلة ” ، وكتاب ” الأربعين ” ،
و ” شرحه على القواعد ” و ” على الألفية ” ، و ” الرسالة الطهماسبية في بعض
المسائل الفقهية ” ، ورسالتاه ” الوسواسية ” و ” الرضاعية ” وله أيضا تعليقات
كثيرة على كتب الرياضيات وغيرها وانشاءات فاخرة جدا .
وقد توجه في دولة الشاه طهماسب الصفوي مع كل أهل بيته وأتباعه إلى
أصفهان فأقام بها ثلاثة أعوام مستقلا بالإفادة ، وكان السلطان المبرور يومئذ
بقزوين مستقر السلطنة ، فلما أطلع على خبر هذا الشيخ أرسل إليه بتحف وهدايا
فاخرة يلتمس منه شخوصه إليه إلى تلك البلدة ، فقبل الشيخ واتصل بالسلطان
وحظي منه بما لا مزيد عليه من التكريم ، وفوض إليه منصب شيخ الاسلام بقزوين
واستمر عليه سبع سنين وهو فيها ، وكان يقيم بها إذ ذاك صلاة الجمعة أيضا
من غير احتياط بإعادة الظهر لقوله بعينيتها كما هو مذهب شيخه الشهيد ، صار
ذلك المنصب له بأرض المشهد الرضوي على مشرفه السلام وانتقل إليها وأقام
بها برهة إلى أن صدر الامر بتوجهه إلى هراة المحروسة لارشاد أهلها الأجانب
في ذلك اليوم عن رسوم الامامية أكثر من هذا اليوم ، وروعي من قبل السلطان
بثلاث قرى من مزارعها المعمورة .
وورد أمر السلطان إلى وزير خراسان أن يحضر ولده الملقب بخدابنده
كل يوم من الجمعات إلى جامعها الكبير لسماع الفقه والحديث من الشيخ
الموصوف وأن ينقاد إلى جميع حكوماته وفتاواه ، لان لا يجسر بعد ذلك أحد
على مخالفته .
فكان بها أيضا كذلك نحوا من ثمان سنين ، ثم توجه إلى قزوين ثانية الحال
لتحصيل الرخصة من الحضرة السلطانية لنفسه وولده البهائي على سفر حج بيت الله
الحرام ، فلم يأذن السلطان الا له في ذلك وأمر شيخنا البهائي أن يقوم مقامه هناك
مشغولا بالإفاضة والتدريس .
واتفق أن استحسن الشيخ حسين حين المراجعة بلاد البحرين ، فأقام بها
وكتب إلى ولده المذكور يستدعي انتهاءه إليه بمثل هذا المقال في جملة ما كتبه
” فيا ولدي لو كنت تطلب شيئا لدنياك فاعمد بلاد الهند وان حاولت الآخرة فالحق
بنا إلى هذا المقام وان لم ترد شيئا منهما فلازم العجم ولا تبرح ” .
وكان هناك أيضا مشغولا بترويج المذهب واحياء العلوم إلى زمان ورود
قاصد الاجل المحتوم ، فأجابه مرحوما ودفن في تلك البقاع المقدسة في مزار
له يطلب إلى الان عنده الحاجات ويقصد من كل جانب إليه لنيل الطلبات . انتهى
كلام صاحب رياض العلماء .
وقال نظام الدين الساوجي في نظام الأقوال : الحسين بن عبد الصمد بن
محمد الجبعي الحارثي الهمداني ، العالم الأوحد صاحب النفس الطاهرة الزكية
والهمة الباهرة العلية ، والد شيخنا وأستادنا ومن إليه في العلوم استنادنا دام
ظله البهي ، من جملة مشايخنا قدس الله سره وروحه الشريف ، كان عالما فاضلا
مطلعا على التواريخ ماهرا في اللغات مستحضر للنوادر والأمثال ، وكان من جدد
قراءة كتب الحديث ببلاد العجم ، له مؤلفات جليلة ورسالات جميلة ، منها ” شرح
القواعد ” و ” حاشية الارشاد ” عاقه عن اتمامها عوائق الدهر الخوان ، ومنها ” شرح
الألفية ” لم يعمل مثله ، ومنها ” وصول الأخيار إلى أصول الاخبار ” وغيرها مما
صنف وألف . ولد أول محرم الحرام سنة ثمان عشرة وتسعمائة ، وانتقل إلى جوار
رحمة الله ثامن ربيع الأول سنة أربع وثمانين وتسعمائة ، ودفن في البحرين
طيب الله مضجعه . روى عنه شيخنا مد ظله البهي ، وهو يروي عن شيخيه
الجليلين السيد حسن بن جعفر الكركي والشهيد الثاني . قدس الله أرواحهم .