63 أبومصطفى النقيب
ولد في مدينة بغداد — الكاظمية عام1949م، في بيت تربى فيه على التمسك بالتعاليم الإسلامية وحب أهل البيت عليهمالسلام، ذلك البيت الذي اتخذ من الحسين طريقا لمقارعة البعثيين وأزلامهم فقدّم شهداء على طريق ذات الشوكة اللاحب كان أبومصطفى سادسهم.
في تلك الأجواء المفعمة بالإيمان والتقوى والجهاد، نشأ مؤمنا ملتزما يحمل هموم دينه وشعبه، سخّر كل كيانه خدمة للإسلام وهداية الناس، ولذا عُرف ومنذ صغره بالتدين وبالتردد على المساجد وكان ملاصقا للشباب الرسالي.
أڪمل الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية في محل سكنى أسرته في بغداد — الحرية الثانية، ثم دخل كلية الهندسة في بغداد (قسم الميكانيك) وتخرج منها بامتياز عام1972م.
لقد كان منذ بداية دراسته الجامعية عاملا نشطا من أجل الإسلام، فسعى سعيا حثيثا لبث مفاهيمه في أوساط طلبة الجامعة بشخصيته الجذابة وحديثه الذي يستهوي قلوب السامعين، وخلال تلك الفترة تمكن من تعبئة العديد من الطلائع الثورية وشحنها من جديد بروح الإسلام الوثابة الساعية إلى النور، وكان بيته مركزا للجلسات والاجتماعات لتحقيق الهدف الكبير الذي نذر نفسه لأجله.
كان على اتصال مباشر بقائد الحركة الإسلامية في العراق، ومفكر الإسلام آية الله العظمى الشهيد محمد باقر الصدر قدسسره، وبقي طيلة حياته ملتزما بخطه — خط الشهادة والفداء حتى يوم شهادته.
تطوع للخدمة العسكرية في القوة الجوية، وبعد أن قضى دورة فيها، منح رتبة ملازم، وضمن اختصاصه في هندسة الطيران، وتدرج في الرتب العسكرية حتى رتبة نقيب كمهندس طيران في قاعدة الحبانية الجوية.
سافر إلى عدة دول منها مصر وروسيا والسعودية والكويت. وكان على اتصال بالضباط المتدينين الملتزمين في القوة الجوية والمرتبطين بالتنظيم العسكري لحزب الدعوة الإسلامية، وساهم معهم في التخطيط لاغتيال المجرم صدام بالتنسيق مع النقيب الطيار عاصم — قائد طائرة صدام الشخصية الذي استشهد بعد انكشاف أمره.
لم تحد الضغوط والرقابة الشديدة التي فرضت عليه من نشاطه الإسلامي وعمله الدؤوب من أجل خدمة دينه العظيم. ولما أحس النظام المجرم خطورته، وخطورة الدور الذي يلعبه في هذا الوسط، أصدر مذكرة اعتقال بحقه وبحق مجموعة من إخوته المؤمنين، لكنه استطاع الخلاص بأعجوبة من مخالب الطغاة، وخرج من العراق متخفيا ليصل أخيرا إلى أرض الجمهورية الإسلامية بتاريخ15/2/1979م عن طريق شط العرب، وذلك قبل نشوب الحرب العدوانية التي شنها النظام الجائر على إيران.
بمساعدة مجموعة من المؤمنين المجاهدين من أبناء مدينة الأهواز في إيران، أسس مقرا ليكون منطلقا لهم للعمل الجهادي في العراق. ورغم اشتراڪه في معظم الحملات والعمليات الحربية، كان يتردد بين الأهواز ومدينة قم المقدسة لدراسة العلوم الدينية في الحوزة العلمية حيث تدرج فيها حتى وصل إلى مرحلة البحث الخارج في فترة قياسية، لذكائه الحاد.
التحق بقوات بدر بتاريخ24/2/1985م واشترك معها في عمليات القدس وعاشوراء التي نفذها المجاهدون في هور الحويزة.
لقد كانت هموم التبليغ بين قوات المجاهدين تشغل باله كثيرا، وتحتل القسط الأوفى من اهتمامه، وسعى لان يكون حلقة الوصل بين ساحات الجهاد وساحة الحوزة العلمية في قم، وأصبح مسؤولا عن أمور المبلغين في قوات بدر، وتمكن من رفد القوات بالعديد من الكوادر التبليغية التي كان لها أبعد الأثر في رفع روحية المجاهدين، ومع أنه كان مسؤولا عن أمور المبلغين إلا أن ذلك لم يكن ليثنيه عن أن يكون دائما في مقدمة المجاهدين، يحمل البندقية ويجاهد الأعداء في الخطوط الأولى.
لقد كان يعيش في قلبه وضميره حب عظيم لأهل البيت عليهمالسلام، ذلك الحب الذي قاده لحب وارثهم الإمام الخميني قدسسره وجعله يسير في خطه حتى نفسه الأخير، وسعى لأن يربي نفسه تربية روحية خاصة، فقد كانت صفة الصراحة والصدق وحب الآخرين هي من أبرز صفاته. وكان مواظبا على زيارة عاشوراء والجامعة الكبيرة حتى أنه في اليوم الأخير الذي قضاه في البيت أخذ بقراءة زيارة عاشوراء بعد صلاة العشاء في حالة من الخشوع الحزين والبكاء وسط شعور بالدهشة من قبل أهله حينما قال لهم أنه سوف لن يعود ثانية إلى البيت. لقد كان يشعر أن موعد اللقاء بالحبيب أصبح قريبا جدا وأن العبور إلى الجنان أصبح وشيكا.
وتبدأ علميات حاج عمران يوم1/9/1986م، وكما كانت عادته في مقدمة الصفوف، وما أن سمع صوت القائد يطلب منهم التقدم لعبور حقل الألغام حتى تقدم هو ومجموعة من إخوته، وهو يصيح ياحسين ياحسين يازهراء يازهراء بصوت مدوٍّ اهتزت له القلوب، وفي تلك الثواني وخلال عبوره الحقل أصيب برصاصات الغدر في صدره الشريف، وسقط ملبيا نداء الحسين في موقف كموقف أصحاب الحسين.
شُيّع مع كوكبة من شهداء تلك العمليات بموكب مهيب إلى مرج الشهداء في مدينة قم المقدسة حيث ألقى والده كلمة في جموع المشيعين وهو يرتدي أفضل ملابسه وكأنه يريد أن يزف ابنه الشهيد إلى عُرس، وكان يقول إني أفتخر بأن أقدم ولدي السادس فداء للإسلام ومبادئه الحقة.
من وصيته رحمهاللهتعالى (… أقول دائما كنا في كل ليلة من ليالي شهر رمضان عندما نقرأ دعاء الافتتاح نمر على هذه العبارات (وليلة القدر وحج بيتك الحرام وقتلا في سبيلك فوفق لنا…) ولاأدري أڪنا نقولها هزلا أم نقولها بجد؟ ونتمناها حقيقة، بحيث نتمنى أن نكون شهداء وأن نصل إلى رضوان الله ولقائه سبحانه، أم كنا نجريها على ألسنتنا فقط جريا على الدعاء؟ أم نطلبها حقيقة في قلوبنا ونتمنى أن نكون شهداء عند الله؟. نتمنى أن نصدق الله في هذا الكلام. وكذلك عبارة الزيارات الشريفة (ياليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما) ولاأدري هل نقولها عبارة جوفاء،
أم نريد حقيقتها؟ بحيث نكون من أصحاب الحسينعليهالسلام في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا بأن نسير على نهجه وأن نفعل ما فعل وأن نقتدي به أثرا بأثر وفي الآخرة نكون معه، مع أصحابه في أعلى عليين في رضوان الله سبحانه.
يا إخوتي وأعزائي: أنا أتكلم بهذه الكلمة ولاأدري أأتكلم بها حقيقة أم لا؟ وهل هي صادرة من قلبي؟ لاأعلم، الله تعالى هو العالم، ولكني أتمنى أن أستشهد في يوم من الأيام، إن عاجلا أم آجلا، وأن ألحق بركب إخواني الذين سبقوني بالإيمان والشهادة، فقبل أيام استشهد عشرة من إخواننا على رأسهم الحاج أبوصالح والسيد أبوحسين الهاشمي وغيرهم، سبقونا إلى الشهادة ونالوا تلك المرتبة الرفيعة، وذهبوا إلى الحسين ليقولوا له لقد صدقناك ما كنا نقوله في الزيارات (اللهم ارزقني الشهادة مع الحسين، اللهم وفقني للأخذ بثأر الحسين مع إمام منصور من أهل بيت محمد صلىاللهعليهوآله). لقد صدقناك سيدي ما وعدناك وقد جئناك، هكذا يقول أبوصالح وأبوحسين الهاشمي، بل هكذا يقول الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
اللهم اجعلنا من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا.
إخواني الأعزاء وأحبائي: في كل مكان أين ما كنا في إيران أو في غيرها، في العراق أو في غيره، كلنا تجمعنا كلمة الإسلام، يجمعنا القرآن، يجمعنا محمد وعلي، يجمعنا التوحيد بالله سبحانه، تجمعنا قضية أهل البيتعليهمالسلام وحبهم، فأينما كنا فلنصدق الله بكل كلمة وبكل فعل وعمل، وأن لانتخلف عن الصدق، فالصدق أمانة والصدق منجاة للإنسان.
ربي اجعلني صادقا في كلامي وفعلي وعملي،
ربي اجعلني صادقا في نيتي، ربي اجعلني صادقا في اتجاهي إليك،
ربنا آمنا بك فاهدنا إلى صراطك.
يا إخواني الأعزاء: أتمنى هذه الأيام المشاركة مع القوات في الجبهة، أتمنى أحلى لحظات حياتي… نسيت أهلي، نسيت الزوجة، نسيت كل شيء، في هذه الأيام أعيش أياما حلوة لطيفة كلها روحية، الإخوة هنا في كل ليلة من الليالي يزورون أباعبدالله الحسينعليهالسلام، بزيارة عاشوراء المقدسة ويناجونه ويتمنون أن يكونوا معه، وأن يكونوا جندا له، ويتمنون أن يكونوا من أصحابه.
قال الحسينعليهالسلام (لا أعلم أصحابا على وجه الأرض خيرا من أصحابي). لقد تركوا كل شيء والتحقوا بركبه بعد ما اجتمعت عليهم الناس من مشارق الأرض ومغاربها، طوقتهم ومنعتهم عن الماء والسيوف والرماح مشرعة عليهم، ولكن مع كل ذلك وقفت ثلة قليلة يقودها الإيمان، يقودها الحق، يقودها أبوعبدالله الحسينعليهالسلام. وقفت تلك الثلة تقاتل في سبيل الله، فادية أباعبدالله بأرواحها العزيزة، وما بخلت عليه حتى قتلوا جميعا. هنا في هذه القوات في هذا المعسكر أرى نفس الروحية عند هؤلاء الشباب، عندما يكلف أحدهم بواجب يسرع إلى سلاحه، يسرع حتى قد نسي لبس حذائه أو شد نطاقه، يريد فقط أن يصل إلى ساحة المعركة، يريد أن يحقق أمله بأن يكون من أصحاب الحسينعليهالسلام …).
سلام عليك أبامصطفى يوم ولدت ويوم جاهدت ويوم استشهدت ويوم تبُعثُ حيا