71ــــــــــــ أبوحسن ملكشاهي ـــــــــــــــــ
ولد في مدينة خانقين عام1959م، وعاش هناك حتى أڪمل الإعدادية، ولم يستطع إكمال باقي المراحل، إذ توجه للعمل مع أخيه لإعالة أسرته وتهيئة العيش الكريم لها. انتقل مع أسرته إلى مدينة بغداد بعد وفاة والده واستقروا هناك.
نشأ وترعرع وسط تلك الأسرة المؤمنة، حيث كان والده يذكر لهم فضائل أهل البيتعليهمالسلام وخصوصا فضائل أمير المؤمنينعليهالسلام، ويعلمهم تعاليم دينهم، وعندما أصبح يافعا كان يذهب إلى المسجد القريب من بيته، إذ كان إمام المسجد يحدّثهم عن الإسلام ويعرّفهم بفضائل أهل البيت، ولوعيه المبكر عرف أن النظام المتسلط على العراق هو نظام جريمة لايريد الخير للعراق وأهله.
نتيجة لإدراكه وفهمه لواقع الأمور ومجرياتها في العراق ـــــ خصوصا بعد نشوب الحرب الظالمة التي أشعلها صدام المجرم ـــــ قرر الهجرة مع أخيه عن طريق كردستان. وبعد وصوله إيران بقي سنة في معسكر اللاجئين في مدينة كرج الواقعة غرب مدينة طهران، ونتيجة لمواهبه وطاقاته الخلاقة، فقد مثّل العديد من المسرحيات التي تتحدث عن الواقع المأساوي الذي يمر به الشعب العراقي، واشترك في إنتاج عدة أناشيد هناك، كما أنه كان رسّاما ماهرا، رسم العديد من القصص المصورة للأطفال، نُشر الكثير منها في مجلة الهدى( ) ومجلة أمانج باللغة الكردية، وكانت تلك الرسوم تحكي قصة مجاهد مسلم يدافع عن دينه ووطنه ضد موجة التتار الشرسة، وأن مجلة الهدى عرضت عليه العمل معها، وكان بإمكانه خدمة الإسلام عن طريق مواهبه تلك، إلا أنه فضّل البندقية على الريشة ، وفضّل لون الشهادة الأحمر القاني على أي لون آخر في الحياة، وكان حبه للسير في طريق سيده الحسين عليهالسلام والوفاء لدماء الشهيد الصدر قدسسره وكل الشهداء في العراق أكثر من حبه لِلَوحاته ورسومه الصادقة.
التحق بالمجاهدين في قوات بدر بتاريخ24/9/1985م، وبعد إكماله دورة تدريبية نسب على الفواج الثالث.
عُرف بين المجاهدين بهدوء طبعه، ومرحه وطيبة قلبه، وكان ذا فطرة سليمة، تميل النفوس إليه وتهفوا لشدة تواضعه وخلقه الرفيع. كان قلبه مملوء حبا للإمام الخمينيقدسسره ومنهجه الثوري في محاربة الاستكبار العالمي، كما كان يقضي أغلب أوقاته مع الرسم ومطالعة الكتب والقصص التي تحمل معاني البطولة والإخلاص حول رجالات الإسلام، وينفق أڪثر راتبه في شراء الكتب وأدوات الرسم.
مرّت الأيام وأبوحسن في سوح الجهاد يصقل نفسه وروحه، ويرتقي يوما بعد آخر سلّم السمو والكمال في تخليص النفس من الشوائب، ولم يكن سعيه وهمه سوى الوصول إلى أعلى مراحل الحب والعشق الإلهي والتمني والرجاء للفوز بالشهادة.
جاء ذات يوم فأخبر إخوته المجاهدين أنه شاهد في منامه الشهيد أبي عمار الناصح، وهو يطلق النار عليه، فاخترقت الرصاصة صدره دون أن يحس بالألم، لكنها أحدثت فجوة مليئة بلون أبيض ناصع، وفُسرت الرؤيا بأنها الشهادة.
شارك مع أخيه في العمليات التي دارت رحاها على مشارف مدينة البصرة وعلى جزيرة الصالحية، ففي تلك الساعات التي كانت بحق ساعات امتحان عصيب لصبر المجاهدين وإيمانهم، اجتازوا هذا الامتحان بأفضل وجه، فمنهم من لقي الله ولم يتراجع عن موقعه قيد أنملة، ومنهم من بقى يلقّن البعثيين دروسا في البطولة والفداء، حيث كانت أرض المعركة تهتز من هول القتال، ولم تهتز قلوب المجاهدين. كان محمود يتقدم ليرسم اللوحة الأخيرة من حياته، يرسمها هذه المرة بدمه الزكي المهراق ويلوّنها بريشة إخلاصه وشجاعته وثباته، يصب الموت الزؤام على أعداء الله، وعندما ينفد عتاده يبدأ برمي القنابل اليدوية، وأثناء تقدمه يمر على أحد الجرحى ملقى على الأرض، وينحني عليه يمسح الدم والتراب عنه ويُضمّد جراحه، ولم يتأثر كثيرا عندما يعرف أن هذا الجريح أخوه ابن أمه وأبيه، الذي شاركه الهجرة والجهاد، كما شاركه اللبن الطاهر الذي رضعاه من صدر أُمهما الحرة الكريمة.
ويتكلم الأخ الجريح بصعوبة وتتعثر الكلمات على لسانه، كان يقول اتركني يامحمود واذهب إلى الأمام وقاتل البعثيين ولاتترك لهم فرصة أبدا، ولم يتردد محمود لحظة واحدة فودّع أخاه الوداع الأخير. ولاأحد يعرف الإجابة عمن يكون أڪثر تضحية الأخ الجريح الذي يرفض العون والمساعدة والدماء تنزف من كل جسده؟، أم الأخ الآخر الذي لم يبق ملازما لأخيه؟، وهو بأمس الحاجة إليه ومضى إلى الشهادة بخطوات ثابتة لاتهزها العواطف والآلام، ولم يمر وقت طويل حتى تأتي اللحظة الأخيرة من حياته، ويسقط على الأرض مضمخا بدمه بعد أن تمزق صدره بالرصاص يوم20/1/1987م، فكان حقا من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
سلام عليه وعلى أخيه وعلى جميع الشهداء وهم أحياء عند ربهم يرزقون
مجاهدوا بدر في أحد المعسكرات الجهادية