الرئيسية / الاسلام والحياة / دروس في ولاية الفقيه – الصفات والصلاحيات

دروس في ولاية الفقيه – الصفات والصلاحيات

 الدرس الثالث: الصفات والصلاحيات

 أهداف الدرس

 1- أن يتعرّف الطالب إلى الصفات الأساس التي يجب توفّرها في القائد.

2- أن يستدلّ على هذه الصفات من خلال النصوص الشرعيّة.

3- أن يعالج التفاوت في الصفات بين الأشخاص.

4- أن يحدّد محلّ الخلاف في صلاحيّات الوليّ.

5- أن يستدلّ على الولاية العامّة للفقيه.

 

 

 صفات الوليّّ في عصر الغيبة

 

تقتضي الأدلّة المتقدّمة على ولاية الفقيه، أن يتوفّر في وليّّ الأمر من الشّروط والأوصاف ما يحقّق الهدف المنشود لإقامة النظام الإسلاميّ وحكومته العادلة، ولعلّ دليل العقل يقضي بأن تكون الولاية والحاكميّة للأفضل والأولى، باعتبار ما يملك من مؤهّلات وكفاءات.

 

ومع ذلك فالنصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وأئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السلام بيّنت الشروط بدقّة, ويمكن إرجاعها إلى ثلاثة محاور أساس كما تقدّم:

 

الأوّل: الفقاهة أو العلم الواسع الشامل لجميع ما يُبتلى به الوليّ في شؤون الحكم، ويقتضي ذلك أن يكون الفقيه:

 

1- مجتهداً: أي قادراً على استنباط الأحكام الشرعيّة من مصادرها الأصليّة، حيث إنّه ما من واقعة إلّا ولله فيها حكم, فلا بدّّ أن يكون الفقيه قادراً على استنباط الأحكام من مصادرها في كافّة المجالات الخاصّة والعامّة.

2- عارفاً بأمور زمانه: حيث تُعتبر المعرفة بأمور الزمان أمراً ضروريّاً في عمليّة الاستنباط، حيث لا بدّ للفقيه أن يعرف الموضوع معرفة تامّة

 

حتّى يُطبّق الحكم عليه، وإلّا كان اجتهاده ناقصاً. فالأحكام تتغيّر بتغيّر الموضوعات.

 

الثاني: الحصانة الأخلاقيّة، وتعني:

 

أ- العدالة: وهي ملكة نفسانيّة بمستوى عالٍ، تدفع إلى فعل الواجب وترك الحرام.

 

ب- التّقوى والورع: وهو عدم الانكباب على الدنيا جاهاً أو مالاً.

 

وقد اشتُرِطت هذه الصّفات ليكون أميناً على الأمر بعيداً عن الأهواء والمطامع الدنيويّة, لأنّ المسؤوليّة كبرى, وهي مزلّة الأقدام ومظنّة السقوط في شباك الهوى وزينة الدنيا. وقد اشترطوا العدالة في من يُستأمن على أبسط الأموال, فكيف بمن يُستأمن على الأموال والأنفس والأعراض ونظام الملّة وزمام الدين.

 

روي عن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم، أنَّه قال: “لا تصلح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاث خصال: وَرَعٌ يحجزه عن معاصي الله، وحِلمٌ يملك به غضبه، وحُسْنُ الولاية على من يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم”1 .

 

وروي عن الإمام الحسين عليه السلام: “ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذات الله”2 .

 

الثالث: الكفاءة الإداريّّة أو القدرة على الأمر، وهذا يتطلّب خبرةً إداريّةً عاليةً ووعياً سياسيّّاً واسعاً، وضبطاً ودقّة، ويتطلّب أيضاً شجاعة وثباتاً، وكلّ ذلك من البداهة بحيث لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، ومع ذلك فقد تمّ الاستدلال عليه بعدّة نصوص:

 

منها: قول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: “أحقُّ الناس بهذا الأمر

 

 1- الكلينيّّ، الكافي، دار الكتب الإسلاميّّة,آخونديّ، الطبعة الخامسة، ج 1، ص407، ابن بابويه، عليّ، فقه الرضا، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، ج 1 ص 407.

2- المفيد كتاب الارشاد، مؤسسة آل البيت عليهم السلاملتحقيق التراث، الطبعة الثانية 4141، ج2، ص 39.

 

 أقواهم عليه”3 ولا يكون أقوى إلّا بالصفات التي ذكرنا.

 

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: “وقد علمتم أنَّه لا ينبغي أن يكون الوليّ على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين: البخيل فتكون أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلَّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيُهلك الأمّة”4 .

 

ومنها: ما روي عن الإمام الرضا عليه السلام: “للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس…”5 .

 

وهذه العلامات وإن كانت للإمام المعصوم عليه السلام، إلّا أنَّه يُفهم منها اعتبار الأعلميّة والأفضليّة لمن يقوم مقامه عند غيبته.

 

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في المقام. وإذا كان بعضها يريد إثبات إمامة الأئمّة المعصومين عليهم السلام من خلال تعداد صفاتهم وإبطال إمامة أئمّة الجور الذين عاصروهم، فإنَّ الصّفات هذه شرط في الولاية مطلقاً، والأئمّة عليهم السلام هم أبرز مصاديقها بل وأكملها.

 

الكسر والانكسار في الصفات

 

نتيجة تفاوت الفقهاء بالصفات المتوفّرة, فقد نجد من هو أكثر ورعاً وتقوى وأقلُّ فقاهة، أو أكثر فقاهةً وأقلُّ كفاءة في السياسة والتدبير وإدارة الدولة، أو أكثر فقاهة في بعض أبواب الفقه، كالأبواب الخاصّة بالعبادات، ولكنَّه أقلُّ فقاهة في الأبواب المرتبطة بالقضاء والجهاد والسياسات. وحينئذٍ، فلمن تكون الولاية أهي للأفقه أم للأتقى أم للأقدر على الأمر؟!.

 

 3- نهج البلاغة، الإمام علي عليه السلام، خطبة 173، ج 2، ص 86.

 4- م.ن، ج 2 ص 14.

5- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء,الطبعة الثانية المصحّحة، ج 25 ص 116.

 

في هذه الحالة لا بدّ من إجراء حالة توازن بين الصّفات، وملاحظة ما هو أكثر مساساً بالموقع والمسؤوليّة الكبرى الملقاة على عاتقه. وهو ما يُطلق عليه اسم الكسر والانكسار في الشروط، وهو أمر متعارف في كافّة الوظائف والمسؤوليّات عند اختيار الأنسب لها.

خاصّة أنَّنا لا يمكننا التنازل عن أيَّة صفة من هذه الصفات لمصلحة الأخرى، وإنّما الكلام في التنازل عن الأكمل والأفضل في صفة معيَّنة، لصالح الأكمل والأفضل في صفة أخرى، فالتفاضل يقع بين مستويات انطباق الصّفات لا بين الصفات نفسها.

 

صلاحيّات الوليّ الفقيه

 

بعد أن تمّ إثبات أصل الولاية للوليّّ الفقيه، وتقدّم أنّ إجماع العلماء قائم على ثبوت أصل الولاية، وقع الخلاف في حدود هذه الولاية ودائرة صلاحيّات الوليّّ، والمعروف بين الفقهاء قولان:

 

أ- القول بالولاية الخاصّة

 

وهي تعني الولاية في الأمور الحسبيّة؛ وهي عند الفقهاء ولاية القضاء وإقامة الحدود وحفظ الأوقاف ومال الغائب والقاصر والتصرّف بسهم الإمام| في الخمس وأمثال ذلك ممّا يقع في دائرة ولاية المعصوم، ولا تقام في الأصل إلّا بإذنه، لكن الذي ثبت هو أنّ الشريعة المقدّسة والأئمّة المعصومين عليهم السلام لا يرضون بتركها في عصر الغيبة وتضييعها.

 

ودليل هذا القول: أصالة عدم ولاية أحد على أحد إلّا ما خرج بالدليل، فإنّه بعد عدم تماميّة الدليل على الولاية العامّة ـ الآتي شرحها ـ عند أصحاب هذا القول، تبقى الأمور الحسبيّة ـ السابقة الذكر ـ بنظرهم هي القدر المتيقّن من ثبوت الولاية.

 

وقد رُدّ هذا القول: بأنّ معنى الأمور الحسبيّة أوسع ممّا تصوّره أصحاب هذا

 

 

القول، لأنّ إقامة الحكومة الإسلاميّّة التي تُحيي الشريعة الإسلاميّّة، وتحفظ أحكامها، وتحمي مصالح الدين، وأمور المسلمين، وتمنع الظلم والفساد، تُعتبر من أهمّ الأمور الحسبيّة التي لا يرضى الله سبحانه، ولا رسوله ولا الأئمّة المعصومون عليهم السلام، بتركها والتخلّي عنها، وعليه فإنّ مفهوم الأمور الحسبيّة ومعناها يشمل دائرة الولاية العامّة أيضاً.

 

ب- القول بالولاية العامّة

 

ومعنى الولاية العامّة هي أنّ للوليّّ الفقيه إقامة الحكومة الإسلاميّّة بكلّ ما تشمله من التصرّفات، ولا ينحصر بالأمور الحسبيّة السابقة، بل تشمل إضافة إلى ذلك التصرّف بالأموال العامّة والنفوس، كالجهاد.

 

الدليل على الولاية العامّة

 

إنَّ الروايات جعلت للفقيه ولاية بما هو نائب عن الإمام المعصوم الحاكم المفترض الطاعة، بنحو واسع الصلاحيّة يشمل كلّ ما ثبت للإمام المعصوم الحاكم، وذلك لأنَّ الروايات والنصوص الشرعيّّة لم تخصّص نيابة الفقيه عن المعصوم الحاكم بصلاحيّات دون أخرى، بل أثبتتها للفقيه دون قيد، فتكون مطلقة وشاملة، ونافذة في دائرة كلّ ما كان للمعصوم الحاكم، إلّا ما خرج بالدليل، كما إذا علمنا أنَّ الحكم بالجهاد الابتدائيّ – مثلاً – ثابت للمعصوم عليه السلام بما هو معصوم لا بما هو حاكم، فالولاية لا تثبت للفقيه حينئذٍ في هذه الجزئيّة.

 

ولذا كان للفقيه كلّ ما كان للمعصوم فيما يرجع إلى إقامة الحكومة وما تستلزم من تصرّفات بالأموال والأنفس وغير ذلك ممّا كان ثابتاً للمعصوم عليه السلام من حيث هو قائد وحاكم.

 

 

 

 خلاصة

 

 

تقتضي الأدلّة المتقدّمة على ولاية الفقيه أن يتوفّر في وليّ الأمر من الشروط والأوصاف، ما يحقّق الهدف المنشود لإقامة حكومة العدل والنظام الإسلاميّّ. ولعلّ دليل العقل يقضي بأن تكون الولاية والحاكميّة للأفضل والأولى باعتبار ما يملك من مؤهّلات وكفاءات.

 

والنصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وأئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السلام بيّنت الشروط بدقّة، ويمكن إرجاعها إلى ثلاثة محاور أساس:

 

الأوّل: الفقاهة أو العلم الواسع الشامل لجميع ما يبتلى به الوليّ في شؤون الحكم وهذا يقتضي أن يكون:

 

مجتهداً: أي قادراً على استنباط الأحكام الشرعيّة من مصادرها الأصليّة.

 

عارفاً بأمور زمانه: حيث إنَّ معرفة أمور الزمان تُعتبر أمراً ضروريّاً في عمليّة الاستنباط.

 

الثاني: الحصانة الأخلاقيّة وتعني:

 

أ- العدالة: وهي ملكة نفسانيّة بمستوى عالٍ تدفع إلى فعل الواجب وترك الحرام.

 

ب- الورع: وهو عدم الانكباب على الدنيا جاهاً أو مالاً.

 

الثالث: الكفاءة الإداريّّة أو القدرة على الأمر، وهذا يتطلّب خبرة إداريّّة عالية ووعياً سياسيّاً واسعاً، وضبطاً ودقّة، ويتطلّب أيضاً شجاعة وثباتاً.

 

 

ولاية الفقيه في كلمات العلماء

 

المحقّق الكركي (868-940هـ): المعروف بالمحقّق الثاني يقول قدس سره:”اتفق أصحابنا (رضوان الله) عليهم على أنَّ الفقيه العدل الإماميّ الجامع لشرائط الفتوى, المعبَّر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعيّّة نائب من قبل أئمّة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل – وربّما استَثنى الأصحاب القتل والحدود مطلقاً – فيجب التحاكم إليه والانقياد إلى حكمه, وله أن يبيع مال الممتنع من أداء الحقّ إن احتيج إليه, ويلي أموال الغُيَّاب والأطفال والسُّفهاء والمفلسين, ويتصرّف على المحجور عليهم, إلى آخر ما يثبت للحاكم المنصوب من قبل الإمام عليه السلام”6

 

 

للمطالعة

 

الولاية الاعتباريّة

 

عندما نُثبت نفس الولاية التي كانت للرسول صلى الله عليه آله وسلم والأئمّة عليهم السلام للفقيه في عصر الغيبة، فلا يتوهمنَّ أحد أنّ مقام الفقهاء هو نفس مقام الأئمّة عليهم السلام والنبيّ صلى الله عليه آله وسلم، لأنَّ كلامنا هنا ليس عن المقام والمرتبة، وإنَّما عن الوظيفة. فالولاية؛ أي الحكومة وإدارة البلاد وتنفيذ أحكام الشرع المقدّس هي وظيفة هامّة، ولكنَّها لا تجعل للإنسان مقاماً وشأناً غير عادي، أو ترفعه عن مستوى الإنسان العادي. وبعبارة أخرى فالولاية التي هي محلّ البحث، أي الحكومة والإدارة والتنفيذ ليست امتيازاً، خلافاً لما يتصوّره الكثيرون، وإنّما هي وظيفة خطيرة.

6- الكركيّ، عليّ بن الحسين، رسائل الكركيّ، مكتبة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّّ، قمّ، ج1، ص 142.

 

فالقيّم على الأمّة لا يختلف عن القيّم على الصّغار من ناحية الوظيفة والدور. وكأنَّ الإمام عليه السلام قد عيَّن شخصاً لأجل “حضانة” الحكومة أو منصب من المناصب. ففي هذه الموارد لا يعقل أن يكون هناك فرق بين الرسول الأكرم صلى الله عليه آله وسلم والإمام والفقيه. فمن الأمور التي هي ضمن ولاية الفقيه تنفيذ الحدود (أي تطبيق القانون الجزائيّ للإسلام) فهل هناك اختلاف في تنفيذ الحدود بين الرسول الأكرم صلى الله عليه آله وسلم والإمام والفقيه؟ أم أنَّه لأنَّ الفقيه أدنى رتبة، فيجب أن تكون السياط التي يجلدها أقلّ عدداً؟!.

 

الخمينيّ، روح الله الموسويّ، الحكومة الإسلاميّّة، ص 81-82

 

 

 

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...