نرى في واقع الحياة أنّ بعض الناس ناجحون فيما يتعلّق بالمسائل العلميّة، ولكنّهم فاشلون في انتخاب طريقة حياة إنسانيّة متوافقة مع القيم الإنسانيّة الرفيعة، بينما نرى أناساً آخرين فاشلين فيما يتعلّق بالمسائل العلميّة، ولكنّهم في الوقت نفسه يعرفون كيف يختارون الطريقة المناسبة للحياة، هذا الأمر دفع بعضاً إلى القول بأنّ في الإنسان ذكاء وعقلاً، ولكنّ الحقيقة أنّه ليس في الإنسان إلّا العقل، ولكن في بعض الأحيان يطغى أعداء العقل، فيمنعوا تأثيره
ويحولوا دون إصداره الأحكام الصحيحة.
أمّا حين يسيطر العقل وتُكبح الأهواء فإنّ أحكام العقل تكون صحيحة ومناسبة، ولا يكون ذلك إلّا من خلال التقوى والطهارة والجهاد الأخلاقيّ ومجالدة أهواء النفس، الّتي تربّي وتنمّي إحساساً غامضاً في الإنسان، قابلاً للتربية والنموّ، كما يقول العلم الحديث، فقد التفت العرفاء إلى هذا الإحساس قديماً، حيث قالوا: إنّ في الإنسان، بالإضافة إلى قواه العقليّة المدركة، إحساسا ًآخر غامضاً، ويمكن أن نطلق عليه اسم “الإلهام”، وقد أيّد العلم الحديث هذا القول، إلّا أنّه قال: “إنّ هذا الإحساس موجود في الإنسان على درجات متفاوتة من الضعف والقوّة، وهو قابل للتربية والنموّ”.
وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة إلى تربية وتنمية التقوى لهذا الإحساس فقال:
“قد أحيا عقله، وأمات نفسَه، حتّى دقّ جليله، ولطف غليظه، وبَرَقَ له لامعٌ كثير البرق فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، فتدافعته الأبواب إلى باب السلامة،
يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم”17 .