لقد اهتمّ الإسلام العزيز بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدّ الّذي أنزلت سورة طويلة مسمّاة باسم “النساء” في القرآن الكريم. وهذا يدلّ على خطورة وأهمّية العنصر النسائي في المجتمع الإنساني، وعلى اهتمام الإسلام بهذا العنصر، إلّا أنّ التاريخ والحاضر قد ظلمها، ولم يلتفت إلى خطورة دورها، فأنقص حقوقها وهدرها. ونحن ذاكرون بعض حقوق المرأة العامّة في الإسلام، عسى أن يكون ذلك دافعاً لردّ بعض الشبهات الّتي قد تعتري بعض الناس حول وضع المرأة في الإسلام.
3- حقُّ العمل والتملُّك
بالرغم من أنّ الإسلام لم يوجب على المرأة الإنفاق على نفسها أو على غيرها، لا في مرحلة وجودها في كنف أبيها، ولا حين تكون في كنف زوجها. ومع ذلك فقد أعطى الإسلام للمرأة حقّ العمل والتكسُّب والاستقلال الاقتصاديّ والماليّ عن الرجل (أباً أو زوجاً)، كما أعطاها حقّ التملُّك والتصرُّف بأموالها بصورة مستقلّة. قال تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ﴾13.
وفي حين عرفت المرأة المسلمة حقّها بالعمل والاستقلال الاقتصاديّ منذ ما قبل ألف وأربع مئة عام، فإنّ المرأة الأوروبيّة وبالتحديد الفرنسيّة، لم يُرفع الحجر عنها وعن أموالها إلّا في العام 1938م.
طبعاً، إنّ الإسلام حينما أعطى للمرأة حقّ العمل والتكسُّب، أوصاها بمراعاة الأحكام الشرعيّة والموازين الدينيّة، ومنها تجنُّب الاختلاط المحرّم، وخيرُ نموذج للمرأة العاملة ابنتا شعيب عليه السلام بما تحملانه من عفّة وحجاب، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾14.
ففي قولهما: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير﴾ تعليل لقصديهما للعمل، إذ هما لا أخ لهما ولا زوج، كما أنّ أباهما عاجز عن العمل، فأحوجهما الدهر أن تتصدّيا للعمل.
ولكنّ عملهما كان قمّة المراعاة والالتزام بالضوابط الشرعيّة، حيث ـ كما تُشير الآية ـ كانتا تعملان ولا تقفان مع الرِّعاء الأجانب حتّى لا يكون هناك اختلاط محرّم، بل تنتظران حتّى ينتهي الرجال من السقي فتسقيان.
وهنا تساؤل، ماذا لو تعارض حقّ المرأة في العمل مع حقّ الزوج في منعها من الخروج من المنزل؟
يقول الإمام الخامنئي دام الله ظله: “… الرجل يستطيع أن يمنع المرأة من الخروج من البيت بدون إذنه بشرط أن لا يكونا قد اشترطا أثناء العقد شرطاً يخالف هذا الحقّ “حقّ الزوج”… فمتى ما كان هناك شرطاً ضمن العقد فهذا بحث آخر. وإن خلا العقد من أيّ شرط فيجب على المرأة أن تطيع الرجل…”15.
* المراة حقوق وادوار, سلسلة ريحانة , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1-النساء: 7.
2-النساء: 11.
3- أي أنّ الاختلاف في الميراث هو في إرث الأولاد والزوجين، أمّا الأبوان فإنّهما يتساويان فيه، إذ نصيب كلِّ واحد منهما السدس ممّا ترك الولد. وهكذا في حالات
أخرى.
4- الأحقاف: 15.
5-النساء:34.
6-النساء: 34.
7-ال عمران: 195.
8-الروم:21.
9-الحجرات: 13.
10-تفسير الميزان، العلّامة الطباطبائي، ج4، ص 217.
11-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص 177.
12-المتقي الهندي، كنز العمال، ج 16، ص 452.
13-النساء: 32.
14-القصص: 23.
15-الإمام الخامنئي دام الله ظله، مكانة المرأة في الإسلام، ص 23.