36)…..كما قال أمير المؤمنين (ع)في وصف المؤمن : حزنه في قلبه ، وبشره في وجهه . البحار : 64/305..وربما يخبر بها إن اقتضى المقام إظهارها ، كما مرّ في حديث الباقر (ع) مع جابر.
فهذا معنى كون المؤمن مستوحشا من أوثق إخوانه.
فما لم تتم لك هذه الحالة ، وهي كون الغالب عليك الاشتغال بالله ، والوحشة عمن سواه ، ولو كان من أوثق إخوانك ، فلا تقدر على جعل معاشرتك للخلق ذريعةً إلى القرب إلى الله ، لكون الغالب عليك الميل الطبيعي ، وحظ النفس من الأنس بالجنس البشري ، فتصير عبداً للنفس ترضى لها وتغضب لها ، وتخرج عن شرف العبودية لله ، وما خلقت لذلك ، قال الله عزّ وجل : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} . الذاريات/56
اعلم أنه يراد منك أن تكون مقتدياً بسنّة من ربك عزّ وجلّ ، ثم بسنّة من نبيك (ص) ، ثم بسنّة من إمامك.
فعن [ الكافي : 2/241 ] .. عن الرضا (ع) أنه:
لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه ثلاث خصال:
سنّة من ربّه ، وسنّة من نبيه (ص) ، وسنّة من وليّه.
فأما السنّة من ربّه : فكتمان سرّه ، قال الله عزّ وجلّ:
{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول } . الجن/26 ..
وأما السنّة من نبيه (ص) : فمداراة الناس ، فإنّ الله عزّ وجلّ أمر نبيّه (ص) بمدارة الناس ، فقال: { خذ العفو وأأمر بالعرف } . الأعراف/199 ..
وأما السنّة من وليه فالصبر في البأساء والضرّاء .. انتهى .
فمن يكون مراداً منه الاقتداء بصفة ربّه التي يمتدح بها ، لا شكّ أنّه معدّ لمقامٍ عظيمٍ وخطبٍ جسيمٍ ، وذلك أنّ الله يريد أن يمكّنك داره التي اختارها واجتباها لأوليائه وأصفيائه وأحبائه ، وهي الجنة ، فلا بدّ أن يرشدك إلى الصفات التي تشبه بسكان تلك الدار ، حتى تحصل المناسبة بينك وبين الدار وبين سكانها .
وأما الدار ، فهي طيّبةٌ طاهرةٌ على أكمل ما يكون من الصفاء والنورانية ، وأما أهلها ، فهم الأنبياء ، والمرسلون والشهداء ، والصدّيقون ، فتأبى حكمة الحكيم أن يرضى بكونك بتلك الدار غريباً أجنبياً عنها ، وعن أهلها ، بحيث يكون وضعك في ذلك المكان وضع الشيء في غير محلّه اللائق به . (1)
________________________________________
(1)هذه الفقرات لو تم استيعابها ، فإنها ستحوّل العبد من عالم العبادة المتكلفة ، إلى عالم العبادة المنسجمة مع طبيعة المزاج ، فإنه نظراً لرغبته في أن يكون مسانخاً لتلك الدار ، فإنه يألف كل ما تحقق له تلك المسانخة ، ولو كان تكليفاً شاقاٌ بعنوانه الأولي .. فمن الواضح أن العبادة التي يُؤتي بها تعبداً وتكلفاً ، ليس فيها إلا الأجر ، بينما المطلوب من العبادة ، أن ترفع بالعبد إلى مستوى الأنس برب العالمين، ذلك الأنس الذي يجعل العبد ينسى كل مشقة في سبيل تحصيل رضاه.( المحقق )
________________________________________