25
إعلم كما قدّمنا أنّ مدار ترقّي المؤمن على تأسيّه بالنبي (ص) وأهـل بيته (ع) .. وقد روي في الكافي عن أبن ابي يعفور عن الصادق (ع) قال: لم يكن رسول الله يقول لشيء قد مضى : لو كان غيـره . [ الكافي : 2/52 ].. انتهى.
انظر إلى تحرّجه إلى تمنّي خلاف الواقع ، حذراً من الوقوع فيما ينافي الرضا..
فالمطلوب من المؤمن توطين نفسه على الرضا بالواقع كيف كان.
واعلم أنّ منشأ عدم الرضا ، وتمنّي خلاف الواقع ، إنما هو الجهل بحِكم الأشياء ومصالحها ، فلو ظهرت له حكمة الأشياء لما تمنّى الإنسان غير الواقع .. فإذا عوّد المؤمن نفسه على التأمّل في حِكم الأشياء ومصالحها ، يظهر له كلّ كثيرٍ منها ، ويسهل عليه الرضا ، وما لم يظهر له وجهه يمكن أن يجعله من باب إلحاق المجهول بالأعمّ الأغلب. (1)
(1)إنّ إصرار العبد على حاجةٍ من الحوائج فرع اليقين بخواتيم الأمور ، واليقين بأنّ قضاء تلك الحاجة مما يختم له بالسعادة والحال أنّ العبد لم ينكشف له ما يوجب له مثل هذا اليقين ، وعليه من الموجب للإصرار الذي يجعله متبرماً من قضاء الله وقدره في تأخير الإستجابة لحاجته ؟! إنّ العبد الذي لا يرى إلا قضاء حاجته يتهــم الله – وإن لم يعتقد بذلك شعوراً – في حكمته البالغة التي اقتضت تأخير الإستجابة ، أو تأجيلها للآخرة بأضعافٍ مضاعفةٍ ، حيث يتمنّى العبد معها أنه لو لم تُقضى له في الدنيا حاجة واحدة ( المحقق )
ولكلّ شيءٍٍ مصالحٌ عديدةٌ ، وحِكمٌ كثيرةٌ ، فمهما توجّه الإنسان إلى ربه ، وطلب منه إظهار بعض وجوه الشيء ، أظهر له على حسب استعداده وقابليته ، وطلبته وإرادته.
وهذا أقرب الطرق في تحصيل الرضا بالقضاء.
وأما توطين النفس على الرضا بالشيء – ولو مع إخفاء حكمته والجهل بها – ففيه صعوبةٌ بالنسبة إلى ما ذكرناه.
وقد نقل أن مولانا الحسن بن علي (ع) علّم بعض الشيعة في عالم الطيف ، أنه ينال ما يريده من نهاية القرب منهم ، والتمكّن من رؤيتهم مهما أراد ، بالاتصاف بما في
هذه الأبيات وهي قوله :
كن عن همومك معرضا —– وكل الامور الى القضاء
فلربما اتسع المضــيق —– ولربما ضاق الفــضاء
ولرب امر مســـخط —— لك في عواقـبه رضا
الله يفــــعل ما يشاء —– فلا تكن مـــعترضا
الله عودك الجمــــيل —– فقس على ما قد مضى
فلعمري أنّ هذه الأبيات فيها الشفاء من كلّ داءٍ لمن عمل بها ، وعمدتها تحصيل درجة الرضا بالقضاء { وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يُلقّاها إلا ذو حظ عظيم } . فصلت/35..
وقد اشتملت هذه الأبيات الشريفة الصادرة من ينبوع الحكمة ، ومعدن العصمة ، على طُرفٍ من الإرشاد إلى تحصيل هذه الرتبة السنيّة.
فمنها كون الإنسان معرضاً عن همومه ، وهو من أعظم المقدّمات لينال هذه الدرجة ،
فإنّ واردة الهموم أعظم شيءٍ إفساداً للقلب ، والقلب وقت اشتغاله بها معرضٌ عن ربه ، مشغولٌ عن التوجّه إليه سبحانه بما فيه من الهموم والأحزان ، فتظلم أقطار القلب وجوانبه بإعراضه عن باريه ، وتنهدّ بُنية الجسد ، وربما يؤثر مرضاً شديداً ، مؤدياً إلى الهلاك والعطب.
ثم بعد اليأس والعجز عن التدبير ، وانقطاع الحيل والآمال ، ترى الإنسان يقول: (على الله ) ،كأن الله وكله إلى تدابيره التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وكل هذا ناشئٌ من الجهل بمراد الله ، وبطريقة أهل البيت (ع) ، ومن الأنس بما اعتادته النفس الأمّارة.
والذي أرشد إليه أهل البيت (ع) ، أنّ الواجب على المؤمن أن يُعوّدَ نفسه على الإعراض عن الهموم ، حتى يتفرّغ قلبه للتوجّه إلى باريه ، قال الله عز وجل : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } . الرعد/28..
فالقلب إذا توجّه إلى ذكر الله ، وعطفه ولطفه ، ورأفته ورحمته ، فرّت عنه الهموم والأحزان والغموم .. فإنما تنشأ من الالتفات إلى جانب النفس وإجراء الأمر على ما يقتضيه حالها من العجز ، والضيق والتحيّر بكلّ شيءٍ ، والحرص على ما في يدها. (2)