فكما أنّ الدِّين ينظر إلى الأجير بنظرة إنسانية، فكذلك ينظر إلى المستأجِر، فإنّه لا بُدّ للأجير بدوره أن يتحلّى بالأخلاق والقيم في تعاطيه مع المستأجِر، وهذا لا يكون إلا بوجود عدّة عناصر في صفاته وأخلاقه. وقد بيّنت الآية الكريمة عمدة هذه الصفات من خلال قول بنت شعيب لوالدها عليه السلام:﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾15.
– القوّة: عبارة عن الكفاءة في العمل، يقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: “لا تقبلن في استعمال عمّالك وأمرائك شفاعة إلّا شفاعة الكفاية والأمانة”16.
فالعاقل إذا أراد إنجاز عمل فإنّه يطلب ما يوصله إلى غايته على أكمل ما يكون، وهذا يتطلّب أهلية وخبرة للوصول إلى الغاية، ولا تُفيد العناصر الأخرى كالصداقة
15- سورة القصص، الآية: 26.
16- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 20، ص 276.
والقرابة ولا حتّى الاستقامة والصلاح، فهذه العناصر إذا تجرّدت من الكفاءة فإنّها لا توصل إلى المقصد والهدف.
– الأمانة: من أهمّ الأمور الّتي ينبغي أن يتحلّى بها الأجير في معاملته مع المستأجر، فمثلاً:
– إذا أمّنك على صنف معيّن من البضاعة فلا تأته بصنف آخر.
– إذا أراد جودة معيّنة في العمل، أو اشترط خصوصيّة معيّنة فأتِ بها على وجهها من دون أيّ إخلال.
– إذا أنتج العمل مخلّفات وبقايا من العين المملوكة للمستأجر لا بُدّ من إعلامه به، حتّى قصاصات القماش الّتي تبقى عند الخيّاط من قماش الثوب المخاط، فإنّه لا بُدّ أن يُعيدها إلى المالك أو يتحلّل منه.
– أن يُحافظ العامل على مال المستأجِر الّذي بين يديه، ولا يُفرِّط فيه، وإذا استطاع أن يعتبره كمالِه فليفعل، كما لو استأجرت داراّ أو سيارة.
– أن يكون أميناً على الوقت، فلا يُضيّع الأوقات بلا عمل وهو يأخذ أجرة في مقابلها.
الصدق: وهو من أهمّ الصفات أيضاً الّتي يجب أن يتحلّى بها العامل الأجير، وإلا فإنّه سيكون منحرفاً عن جادّة الصواب، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
“ويلٌ لتجّار أمّتي من لا والله وبلى والله، وويلٌ لصنّاع أمّتي من اليوم وغدّاً”17.
أي ويلٌ لأصحاب الحرف من المواعيد الكاذبة، فيعد المتعامل معه بتسليم العمل وإنجازه اليوم ثمّ يقول إلى الغد وهكذا.. وغير ذلك من صور الكذب في المعاملة. فالنبيصلى الله عليه وآله وسلم يقول الويل لمن يكون كاذباً من أصحاب الصنائع على هذه الوتيرة.
17- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 3، ص 160.
– إذا وعدت بأنّك ستأتي في الساعة الفلانية فلا تُخلف.
– وإذا وعدت بأن تُسلّم العمل لمن استأجرك عليه في اليوم الفلاني فلا تُخلف.
– إذا وعدت بالنصيحة في العمل والتأنّي فيه فلا تُخلف.