وبما أنّ هذه الدنيا فانية فلِمَ تربط نفسك ومصيرك بنعَمٍ زائلة؟!. هذه هي مشكلة الناس حتّى أيّام الرسل والأنبياء والأولياء والأئمّة عليه السلام ودعاة الإصلاح. عندما سقط إبليس في الامتحان الأوّل نتيجة العجرفة ورفض السجود لآدم عليه السلام ، وضع هدفاً نصب عينيه، وقد أعطاه الله وقته ليبتليه ويبتلينا به. قال (إبليس) ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾23. فشأن إبليس هو إضلال الناس، وغوايتُهم، وأهم سلاح في يده هو الدنيا بمُغرياتها.
وفي الختام نذكّر أنه عندما نشكر الله، اللهُ يشكرنا. وشكرُه لنا بأن يزيد علينا نعمه, أن يزيدنا عزَّةً وكرامةً ومنعةً وتماسكاً وعافيةً في الدين والدنيا والآخرة، إن شاء الله.
نسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين لأَنعمه، بالقول والفعل والعاطفة واللسان والعمل، وأن يُبقينا عبيداً له وحده، وأن لا يجعلنا،- في يوم من الأيّام- عبيداً لحُطام هذه الدنيا الفانية، وأن نكون مع الحقّ ونصرة الحقِّ، ومع أوليائه نقدِّم الحقّ لتكون لنا عمارةٌ في الدنيا، وعمارةٌ في الآخرة أيضاً.
________________________________________
23- سورة الأعراف، الآية: 16.
دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في مناجاة الشاكرين
بسم الله الرحمن الرحيم إلهي أذهلني عن إقامة شكرك تتابع طَولك، وأعجزني عن إحصاء ثنائك فيضُ فضلك، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف عوائدك، وأعياني عن نشر عوارفك24 توالي أياديك25. وهذا مقام من اعترف بسبوغ النعماء، وقابلها بالتقصير، وشهد على نفسه بالإهمال والتضييع، وأنت الرؤوف الرحيم، البَرّ الكريم، الّذي لا يُخيّب قاصديه، ولا يطرد عن فِنائه آمليه، بساحتك تُحطّ رحال الراجين، وبعرصتك تقف آمال المسترفدين26، فلا تُقابل آمالنا بالتخييب والإياس، ولا تلبسنا سربال27 القنوط والإبلاس28.
إلهي تصاغر عند تعاظم آلائك شكري، وتضاءل في جنب إكرامك إيّاي ثنائي ونَشري. جلّلَتني نعمك من أنوار الإيمان حُللا، وضَرَبَت عليّ لطائف برّك من العزّ كِللا29 وقلّدتني مننك قلائد لا تُحلّ، وطوّقتني أطواقا لا تُفلّ، فآلاؤك جمّة ضعف لساني عن إحصائها، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها فضلاً عن استقصائها. فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إيّاك يفتقر إلى شكر؟! فكلّما قلت لك الحمد، وجب عليّ لذلك أن أقول لك الحمد.
إلهي فكما غذّيتنا بلطفك، وربّيتنا بصنعك، فتمّم علينا سوابغ النعم، وادفع عنّا مكاره النقم، وآتنا من حظوظ الدارين أرفعها وأجلها عاجلاً وآجلا. ولك الحمد على حسن بلائك وسبوغ نعمائك، حمداً يوافق رضاك، ويمتري العظيم من برّك ونَداك، يا عظيم يا كريم، برحمتك يا أرحم الراحمين30.
________________________________________24- عوارفك: إحسانك.
25- أياديك: نعمك.
26- المسترفدين: طالبي العطاء.
27- السربال: القميص.
28- الابلاس: الحيرة.
29- كللا: أستارا.
30- الصحيفة السجّاديّة، ص409.