مفهوم (ثقافة الحياة) أنا أحب الحياة
من الأفكار التي تم الترويج لها للتأثير على السلوك الاجتماعي في الداخل الإسلامي مفهوم ثقافة الحياة، وأريد لهذا المفهوم أن يواجه ثقافة المواجهة والتحدي والإباء والرفض الذي سارت عليه حركات المقاومة في مجتمعنا المسلم أمام المشروع الصهيوني العالمي.
تم السعي من خلال هذا المفهوم واستخدام مختلف الأساليب لبثه في نفوس الناس إلى تصوير حركات المقاومة على أنها حركة تروج للموت، وإن الحياة لا قيمة لها لديهم، وأن الصحيح هو الموقف المقابل الذي يرغب في هذه الحياة ويرغب في العيش لا الموت.
5ـ مفهوم التنمية والتخلف
لهذا نجد مثلاً أن مفهومي (التنمية والتخلف) مرتبطان ارتباطا جوهرياً بالفضاء المعرفي الذي نشأ فيها.. فالتخلف يعني التأخر الزمني والحضاري عن الأمم الأوروبية.. والتنمية تعني وجود المظاهر الاقتصادية والاستهلاكية في المجتمع على شاكلة الدول الأوروبية.. وبهذا يصبح الناظم لدلالات المفاهيم هو الفضاء المعرفي والعقدي الذي نشأت فيه..
لهذا نجد أقطاب الفكر التنموي الغربي، يرون أن التحديث من الناحية التاريخية، هو عملية التحول نحو تلك الأنماط من الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي تطورت في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر.. ويرى (بارسونز وليرنرو باول) “أن التحديث عملية ثقافية تشمل تبني قيم ومواقف ملائمة للطموح العملي، والتجديد العقلاني وتجاه الإنجاز، بدلا من القيم السائدة في المجتمع التقليديًً. (راجع مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 39).
وهذا يعني أن النموذج الغربي، أصبح معيارا تقاس عليه بقية النماذج والشعوب.. والسبب في ذلك، تلك الاستعارة المصطلحية والمفهومية، وتطبيقها على واقع ومنظومة معرفية واجتماعية مغايرة للمنظومة التي ولدت فيها تلك المفاهيم والمصطلحات المستعارة3 .
سبل مواجهة المفاهيم الوافدة
1ـ الترويج للمفاهيم الإسلامية الأصيلة
إن تأصيل المفاهيم الإسلامية في البيئة المعرفية لمجتمعنا المسلم هو الخطوة الأولى الكفيلة بتحصين هذا المجتمع من خطر المفاهيم الوافدة. فعندما يعيش الإنسان المسلم المفاهيم الإسلامية في كيانه ويعي دلالتها وأبعادها يتمكّن من مواجهة الخطر المحدق به جراء هذه المفاهيم.
3- محمد محفوظ، مقالة بعنوان المصطلح والبيئة المعرفية، جريدة الرياض، العدد 144144- المنشور بتاريخ 11ـ ديسمبر، 2007.
ففي مقابل مفهوم الحرية الوافد من الغرب ليشكل قدوة للتحرر من قيود الدين، يمكن لمفهوم العبودية لله عز وجل إذا تعمق معناه في النفس الإنسانية أن يحد من تأثير مفهوم الحرية. فالمعرفة بالخالق وإدراك الإنسان لحقيقة نفسه أمام خالقه تدفعه إلى إظهار تمام العبودية للحق تعالى وبهذا يأمن من خطر التمسك ببعض المفاهيم الوافدة التي تدعوه إلى رفض هذه العبودية؛ لأنّ الحرية بمفهومها الوافد من الغرب تقوم في الأساس على رفض العبودية حتى لله عز وجل بل وإنكار وجوده.
2ـ توضيح التباسات بعض المفاهيم
إن الكثير من المفاهيم الوافدة، التي أريد لها أن تكون حرابا في الغزو الثقافي للعالم الإسلامي، تعتمد الالتباس المفهومي لكي يتم استغلالها في الوصول إلى الأهداف المطلوبة، فتبقى هذه المفاهيم بعناوينها القابلة للتقلب والتبدل خاضعة للمصلحة التي يراها مروجوها او السائرون خلفها، وكمثال على ذلك مفهوم الحرية التي أخذت مفعولها من الثورة الفرنسية وأحداث الانقلابات الجبارة في الدولة العثمانية والفارسية، والتأثير كله لإجمالها وجمالها السطحي الفاتن ، وإلا فلا يستطيع العلم أن يحدها بحد معقول يتفق عليه . ومثلها كلمة ” الوطن ” الخلابة التي استغلها ساسة الغرب لتمزيق بعض الدول الكبرى كالدولة العثمانية . وربما يتعذر على الباحث أن يعرف اثنين كانا يتفقان على معنى واحد واضح كل الاتفاق يوم ظهور هذه الكلمة في قاموس النهضة الحديثة ، فما هي مميزات الوطن ؟
أهي اللغة أم لهجتها ، أم اللباس ، أم مساحة الأرض ، أم اسم القطر والبلد ؟ بل كل هذا غير مفهوم حتى الآن على وجه تتفق عليه جميع الناس والأمم . ومع ذلك نجد كل واحد منا في البلاد العربية يدافع عن وطنه ، فلماذا لا تكون البلاد العربية أو البلاد الإسلامية كلها وطنا واحدا ؟ 4
إن مواجهة هذه المفاهيم لا بد وأن تعتمد أسلوب بيان ما يكتنف هذه المفاهيم من التباسات وطرق الخصم في الاستفادة من هذه الالتباسات.
3ـ الدلالة على مواطن الضعف في المفاهيم المستولدة
إذا كان توسل أصحاب المفاهيم الوافدة بهذه المفاهيم لأجل مآرب خاصة، فإن هذه المفاهيم فيها نقاط من الضعف التي يمكن من خلال الإشارة إلى هذه النقاط من القضاء على مآرب هؤلاء.
فمفهوم ثقافة الحياة أو أنا أحب الحياة، هو من المفاهيم التي تُغفل عمدا الدلالة على نوع الحياة او نحو الحياة التي يريدها الإنسان، فهل هي حياة عزة وكرامة، او أن المطلوب أن يحيا الإنسان هذه الحياة ولو كان في موقف الذل والخنوع؟
لا يشير هؤلاء إطلاقا إلى نوع الحياة الذي يسعون للترويج له، بل يضعون الحياة مقابل الموت، لدعوة الناس إلى الموازنة بين الأمرين، ولكن هل يستطيع هؤلاء أن يجدوا في حياة الذل او في ظل الاحتلال والتعدي الذي تقوم به الدول المستكبرة نوع الحياة المطلوب.
4- المنطق – الشيخ محمد رضا المظفر – ص 116
الحذر اليقظة والوعي في مواجهة الغزو المفاهيمي
تشكِّل ثلاثية العناصر التالية: الحذر، اليقظة والوعي حصناً يؤمَن من خلاله على مجتمعنا الإسلامي من غزو المفاهيم الوافدة.
فالحذر عنصر مطلوب لأن الانسياق وراء بعض الشعارات الخلابة حتى من قبل بعض الأوساط التي تسعى لتحصين المجتمع يؤدي إلى تحويل هذه الشعارات إلى مفاهيم قدوة يسير الناس في ظلها مع عدم الأمن من المخاطر.
وأما العنصر الآخر فهو اليقظة والتنبّه للمخاطر التي تحاك من خلال ما يطلقه الغرب من مفاهيم، وهذه المفاهيم تدخل إلى مجتمعنا الإسلامي من أبواب مختلفة وبطرق متعددة، والغفلة عن المنافذ التي تدخل من خلالها سيفسح المجال أمامها للتأثير على فئات مختلفة من مجتمعنا الإسلامي.
وأما العنصر الثالث فهو الوعي، وهذا ما يجب أن تتمتع به النخب، فهي التي تستطيع بامتلاكها للوعي أن تلحظ ما لا يرصده الآخرون في الحراك الثقافي والفكري والاجتماعي.