المسلكية، والاعداد الاخلاقي:
يمتلك الكثير من طلبة العلم تصورا خاطئا عن طبيعة الدور الموكل إليهم في أثناء تواجدهم في الحوزات، لهذا ينصرفون إلى تعلم المصطلحات، وحفظ القواعد العلمية، وتكديس المفاهيم.. وأما الجوانب الأخلاقية فتأتي في الدرجة الثانية!
إن مجرد تعلم هذه المصطلحات لا يجدي نفعا.. لا تتصوروا أن كل واجبكم أن تحفظوا حفنة من المصطلحات، بل تقع على عاتقكم مسؤوليات أخرى أيضا.. طبعا إن كسب العلم واجب، ولكن مثلما تجدّون وتجتهدون في المسائل الفقهية والأصولية يجب أن تسعوا في طريق إصلاح أنفسكم أيضا.. إن الحوزات العلمية بحاجة إلى تعليم وتعلم المسائل الأخلاقية والعلوم المعنوية جنبا إلى جنب مع تدريس الموضوعات العلمية.. ينبغي لطلبة العلوم الدينية أن لا يتوانوا في سبيل اكتساب الملكات الفاضلة وتهذيب النفس، وأن يهتموا بالواجبات المهمة والمسؤوليات الخطيرة الملقاة على عاتقهم.
هذا الخطأ يقع فيه غالبا القيّمون على العمل الحوزوي، ولذلك ينبه الإمام إلى أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه من التواني والاهمال، سوف تتضاءل المعنويات وسوف يأتي يوم تخلو فيه الحوزة من المربين، وسوف لن يعود بامكان الحوزة القيام بهذه المهمة الجليلة. ان اتمام الاخلاق كان على رأس أهداف البعثة النبوية الشريفة.
من المفيد أن يهتم الفقهاء العظام والمدرسون الأعلام ممن هم محط اهتمام الجامعة ـ الحوزة ـ العلمية، بتربية الأفراد وتهذيبهم خلال تدريسهم وأبحاثهم، وأن يركزوا أكثر على القضايا المعنوية والأخلاقية.. العلوم المعنوية والأخلاقية بدأت تتضاءل، وبات يخشى أن لا تتمكن الحوزات العلمية في المستقبل من تربية علماء أخلاق ومربّين مهذبين ومتقين ورجال ربانيين، إذ لم يبق البحث والتحقيق في المسائل المقدماتية مجالا للاهتمام بالمسائل الأصلية والأساسية التي ركز عليها القرآن الكريم واهتم بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء والأولياء.. لقد بعث أنبياء الله لبناء الإنسان وتربيته، وإبعاده عن القبائح والخبائث والنقائص والرذائل، وترغيبه بالفضائل والآداب الحسنة: “بعثت لأتمم مكارم الأخلاقًً.
عندما يكون العلم في أرضية غير صالحة، سوف ينبت نباتا خبيثا، وسوف تزداد الحجب أكثر فأكثر “العلم هو الحجاب الأكبرًً. من هنا، يدعو الإمام إلى ضرورة اقتران العلم بالتهذيب، وان يعمل طلبة العلم على التربية والتكميل الى جانب الدراسة العلمية.. إن كل خطوة وسعي علمي
يجب أن تقارنه خطوات في الجانب الاخلاقي. وإن مطلب رواج التعاليم الاخلاقية وشياعها في الحوزة هو مطلب ملح وضروري.
إن علما اهتم به الله تعالى كل هذا الاهتمام وبعث من أجله الأنبياء، أصبح الآن مهملا في حوزاتنا ولا نجد أحدا يهتم به الاهتمام الذي يستحقه.. العلم عندما يكون في أرضية غير صالحة، سوف ينبت نبتا خبيثا ويصبح شجرة خبيثة.. أي خطوة تخطونها على طريق كسب العلم، ينبغي أن تقابلها خطوة أخرى على طريق استئصال الأهواء النفسية الخبيثة القوى الروحية واكتساب مكارم الأخلاق وتحصيل التقوى.. ينبغي أن تكون البرامج الأخلاقية والتربوية، ودروس التربية والتهذيب، وتعليم المعارف الإلهية التي مثلت الهدف الأساس من بعثة الأنبياء ـ عليهم السلام ـ رائجة وشائعة في الحوزات العلمية. ولكن ما يؤسف له أن هذا النوع من البحوث المهمة والضرورية قلما يتم الاهتمام بها في المراكز العلمية.. كلما تكدست هذه المفاهيم في القلب المظلم غير المهذب، ازدادت الحجب أكثر فأكثر: “العلم هو الحجاب الأكبرًً.
من هنا، يطلق الإمام ما يشبه صرخة مدوية داعيا إلى ضرورة أن تكون الأولوية في الحوزة للانجاز الاخلاقي على الانجاز العلمي، فلا يجوز الانهماك بالمقدمات على حساب الأهداف الأساسية، بل يجب أن يكون العلم مقدمة للأخلاق.
إن تحصيل هذه العلوم هو في الواقع مقدمة لتهذيب النفس واكتساب الفضائل والآداب والمعارف الإلهية.. إذا لم يتخلص الإنسان من الخبائث،
فإن دراسته وتعلمه لا تجديه نفعا بل تلحق به أضرارا أيضا.. إن علم التوحيد إذا لم يقترن بصفاء النفس سيكون وبالا.. إذا تجردت هذه المصطلحات الجافة من التقوى وتهذيب النفس، فإنها كلما تكدست في الذهن أكثر، تعاظم التكبر والغرور في دائرة النفس أكثر فأكثر.. إذا ما بقيت الحوزات العلمية هكذا خالية من مدرسي الأخلاق ومجالس الوعظ والإرشاد فستكون محكومة بالفناء..