«نبض المقاومة انتصار»، عنوان اختصر المناسبة في المهرجان المركزي الذي نظمه «حزب الله» في «ساحة عاشوراء» في النبطية لمناسبة الذكرى الـ15 لتحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الإسرائيلي.
ظللت أعلام الحزب ولبنان، وبعض الأعلام السورية والفلسطينية، رؤوس الحشود المشاركة في المهرجان، تواكبها الهتافات والشعارات الحزبية والوطنية كما للسيد حسن نصرالله، في مشهد لم تعهده النبطية، إلا في مناسبتي ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر الذي تقيمه حركة «أمل» وذكرى عاشوراء.
قوافل الحافلات والسيارات المختلفة بدأت اعتباراً من ظهر أمس بنقل المشاركين في المهرجان إلى المداخل الرئيسية لمدينة النبطية، لينتظموا في مسيرات شعبية سيراً على الأقدام، وصولاً إلى ساحة المهرجان لأخذ أماكنهم، وكانوا يرددون الشعارات والهتافات، فيما كان المئات من عناصر الانضباط قد أقفلوا مداخل الشوارع المؤدية إلى ساحة المهرجان بالشاحنات المحملة بالرمول والعوائق الحديدية أمام السيارات بمواكبة القوى الأمنية اللبنانية اعتباراً من صباح أمس، وعملوا على تحويلها إلى الشوارع الالتفافية المحيطة بالنبطية، باستثناء قوافل الحافلات والسيارات التي تقل المشاركين إلى الأماكن المحددة للدخول إلى ساحة المهرجان.
تولى تقديم الاحتفال الشاعر علي عباس (أبو حسن) واستهل بباقة من الأناشيد الوطنية والحزبية رددها عناصر من فرق «الفجر» و «الإسراء» و «الولاية الإسلامية»، بعدها أطل نصرالله عبر شاشة عملاقة وسط عاصفة من التصفيق والتهليل والتكبير والشعارات المؤيدة له وللمقاومة وإطلاق آلاف البالونات الملونة في سماء المهرجان.
استهل نصرالله كلمته بالإشارة الى ان بعض اللبنانيين فقط كانت لديهم منذ العام 1982 فهم واضح وتشخيص صحيح للخطر الإسرائيلي، واستمر ذلك حتى أيار 2000، وقال ان «هذا البعض من اللبنانيين صانع الانتصار منذ اليوم الأول أراد لهذا الانتصار أن يكون لكل اللبنانيين».
وأكد ان «المشروع الذي يتهدد دول المنطقة وشعوبها ومجتمعاتها وجيوشها هو المشروع التكفيري المتوحش الذي لا مثيل له في التاريخ».
وذهب نصرالله الى الخيارات في مواجهة هذا المشروع، وقال: «أول خيار يجب أن نستبعده وأنا أسميه الخيار الواهم، هو أن بعض الناس يتصور أنه إذا نحن سكتنا عن «داعش» و «النصرة»، فإن سكوتنا يشفع لنا ويحمينا، لكن الوقائع تقول غير ذلك».
وقدم نصيحة بمراجعة الحسابات لمن يتصورون انهم يتجنبون خطر هؤلاء «إذا هم أتوا وقالوا عنهم ثوارا ومجاهدين ومناضلين… ودعموهم إعلامياً وسياسياً اذ انهم سيكونون أولى ضحاياهم».
وقال ان أولى الضحايا في لبنان سيكون «تيار المستقبل» وقادته ونوابه، وسأل المسيحيين في لبنان، «هل موقف فلان أو فلان أو فلان من قيادات وزعامات «14 آذار» أو أحزابهم تشكل لكم ضمانة حقيقية»؟
وأخذ على البعض رهانه على الولايات المتحدة، وقال: «خذوا تجربة العراق، بعد أيام، أسبوعين ونيف تحل الذكرى السنوية لاحتلال «داعش» لمحافظة الموصل، ومحافظة صلاح الدين ومحافظة ديالى وجزء من محافظة كركوك وجزء من محافظة أربيل وجزء كبير من محافظة الأنبار وهددت بغداد، جيد، تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، مرت سنة، ماذا فعلوا؟ عدد الغارات خلال سنة هو أقل بكثير من غارات إسرائيل على لبنان في حرب تموز أو من غارات إسرائيل على غزة بحرب 22 يوم أيضا، ليس بـ51 يوما، ماذا فعلوا»؟
أضاف: «من يراهن على أميركا في العراق أو سوريا أو لبنان أو أي مكان أقول له: لن ترجع الموصل بل تضيع الرمادي، ضاعت الرمادي على مقربة سنة من ضياع الموصل، هذا الذي ينتظر الأميركيين. لكن العراقيين الذين لم ينتظروا الأميركيين استطاعوا بإرادتهم، بجيشهم، بحشدهم الشعبي، بدعوة المرجعية الدينية، بتضافر جهودهم، أن يستعيدوا ديالى ويستعيدوا الجزء الأكبر من محافظة صلاح الدين وأن يستعيدوا.. وأن يقفوا ويمنعوا هذا التمدد وهم قادرون على ذلك أيضاً. إذاً من ينتظر أميركا فلن يصل إلى مكان».
وتابع نصرالله: جامعة الدول العربية، القوة العربية المشتركة. جيد، هذه «داعش» وهذه «النصرة» من الذي يدعمها فكرياً وإعلامياً؟ حتى في فضائيات عاصفة الحزم تشاهد دعماً واضحاً. من يقدم لها المال والسلاح رسميا وغير رسمي؟ من يشتري منها النفط؟ هؤلاء الذين نراهن عليهم لحمايتنا.
واعتبر أن الخيار الحقيقي والصحيح «هو أن يعتمد العراقيون والسوريون واللبنانيون واليمنيون وكل شعوب المنطقة على أنفسهم، وأن يبحثوا عن الأصدقاء الحقيقيين الصادقين ليقدموا لهم الدعم والمساندة، وفي مقدمة هؤلاء إيران. يجب أن نخرج من هذه المرحلة ونعلم أننا قادرون باعتمادنا على قدراتنا الوطنية، على شبابنا، وعلى جيوشنا، ويجب أن يحلّوا خلافاتهم والملفات المتنازع عليها بينهم في كل هذه البلدان، لأن المعركة معركة وجود».
ودعا «الجميع في لبنان والمنطقة إلى تحمّل مسؤولياتهم في مواجهة هذا الخطر، إلى الخروج من التردد، من الصمت، من الحياد، فضلا عن التأييد»، وقال: «أنا أعرف أن البعض عنده حساباته، مثلاً في لبنان قوى «14 آذار» عموماً عندها مشكلة بالحسابات لأنه الآن في سوريا الحقيقة هناك نظام الرئيس بشار الأسد.. هؤلاء أصحابكم، جماعة «الائتلاف الوطني المعارض» هؤلاء الآن لا أحد منهم قادر على المجيء على المناطق التي تسيطر عليها «داعش» و «النصرة». يجب أن تخافوا من انتصار هؤلاء، لا تخافوا ولا تخشوا من انتصار الآخرين».
وأكد نصرالله أنه «إذا انتصر النظام ومن معه في سوريا، فنحن نشكل لكل اللبنانيين ضمانة.. لكن أسألكم: لو لا سمح الله، وهذا ما نستبعده ويجب أن نعمل حتى لا يكون، لو انتصرت «داعش» و «النصرة»، هل تشكلون ضمانة لأنفسكم، قبل أن تشكلوا ضمانة لبقية اللبنانيين؟».
واعتبر انه «من الخطأ تقديم المعركة مع هذه الجماعات الإرهابية عند الحدود اللبنانية وداخلها كما هو الحال في جرود عرسال أنها معركة الحزب ويريد أن يجر إليها الدولة والجيش. كلا هذه معركة لبنان، وبناءً على كل هذا الفهم، يجب أن تتحمل الدولة فيها كامل المسؤولية».
وقال ان «معركة الجرود في القلمون متواصلة ومستمرة إن شاء الله، حتى يتمكن الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الشعبي ورجال المقاومة من تأمين كامل الحدود اللبنانية السورية إن شاء الله، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبقى ملف بلدة عرسال وجرود عرسال».
وعن عرسال، قال نصرالله: «نفس هذه العبارات استخدمتها لما كانت السيارات المفخخة تأتي من عرسال، تمر من عرسال، وينقلها أبناء من عرسال وبنات من عرسال، وهم موجودون الآن في السجون ويحاكمون من قبل القضاء اللبناني، يومها وقفنا وقلنا: أهل عرسال أهلنا وإخوتنا وأحباؤنا وجزء عزيز من شعبنا».
وأضاف: «لا يزايد علينا أحد بموضوع عرسال، ولا نقبل ولم نقبل أن ينالهم سوء أو يتصرف معهم أحد بغير مسؤولية، وهنا يجب أن نسجل اعتزازنا بأهلنا في بعلبك الهرمل، مع العلم أن بعض هذه الجماعات، ومنها من أبناء عرسال، قتلوا شباباً من عشائر وعائلات بعلبك الهرمل، لكن بقي أهل عرسال في أمن وسلام، موضوع عرسال هذه نظرتنا إلى أهلها، تقولون هذه مسؤولية الدولة؟ جيد هذه مسؤولية الدولة، تفضلوا. هناك مجلس وزراء وعدد من الكتل الوزارية هي تصر على مناقشة هذا الأمر في مجلس الوزراء، أبسط أمر هو أن تقبلوا بالنقاش، وإذا كنتم تعتبرونه لا يحتاج إلى نقاش فلتتكلوا على الله ولتأخذوا قراراً، ونعرف، على كل حال، أن معلوماتي الصحيحة والأكيدة من داخل عرسال أن الاغلبية الساحقة اليوم في عرسال، أعادت النظر بكل هذه المواقف وباتت تشعر بالعبء الثقيل الذي تمثله هذه الجماعات المسلحة».
ونصح نصرالله «الجميع بأن يخرجوا الآن مسألة أهل عرسال وبلدة عرسال من المزايدات الطائفية والمذهبية. أما جرود عرسال، فإن أهلنا في البقاع وأهلنا في بعلبك الهرمل الشرفاء، إن عشائرهم وعائلاتهم وقواهم السياسية وكل فرد فيهم، لن يقبلوا ببقاء إرهابي واحد ولا تكفيري واحد في أي جرد من جرود عرسال أو البقاع».
وشدد على التمسك «بالمعادلة الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة. فلنخرجها من دائرتها اللبنانية، بدلاً من إلغائها، ونقدمها معادلة لسوريا وقد بدأتها سوريا من سنوات، ونقدمها معادلة للعراق وقد بدأها العراق من سنة، نقدمها معادلة لليمن وقد بدأها اليمن منذ 60 يوماً، ونقدمها مبادرة ومعادلة لكل الدول والشعوب والجيوش المهددة بالأخطار».
وأشار الى ان «الإسرائيلي عمل على مدار عقود واستطاع أن يصل إلى تجزئة المعركة. اليوم في مواجهة هذا الخطر الذي لا يقل عن الخطر الاسرائيلي، أول الوهم كان وما زال موجوداً هو تجزئة المعركة. نحن ندعو اليوم إلى توحيد الجبهة».
وأعلن نصرالله أن «حزب الله» لم يعد موجودا في مكان دون مكان في سوريا، وقال: «نحن موجودون اليوم في أماكن كثيرة، وأقول لكم اليوم سنكون في كل مكان في سوريا تقتضيه هذه المعركة، ونحن أهلها ونحن رجالها ونحن قادرون على أن نساهم مع الجيش والشعب والمقاومة في سوريا بصنع هذا الانتصار ورد هذا العدوان».
وفي مواجهة الخطر المشترك، دعا «السعودية إلى وقف عدوانها على اليمن وتسهيل الحوار السياسي الموعود في جنيف بعد أيام، وفتح الباب جدياً أمام حل سياسي يمني ينهي هذه الحرب وهذه المأساة». كما دعا «حكومة البحرين إلى وقف الرهان على يأس الشعب البحريني».
وقال: «نحن مجبرون على أن نحضر اليوم في جبهتين، وهاتان جبهتان متكاملتان، بل جبهتان (هما) واحدة، في الحقيقة، في الاستهدافات. واعلموا أن هذه المقاومة في أعلى جهوزيتها وأقوى حضورها وقوتها وقدرتها».
وإذ دعا بعض اللبنانيين الى الخجل من تعداد شهداء المقاومة، قال انه لن يدعو إلى التعبئة العامة، «ما زال باكراً.. وأريد أن أقول لكم، وأنا يصدقني العدو ولكن بعض العدو الذي هو في ثوب صديق يشكك، أقسم بالله العظيم، لم يمر زمان على هذه المقاومة منذ حزيران 1982 إلى اليوم كانت فيه أكثر نفيراً وعديداً وأعز جانباً وأفضل عتاداً كماً ونوعاً وأعلى خبرة وأقوى عزماً ومجاهدوها أكثر حماسة وحضورا واستجابة وأشد حضوراً في الساحات كما نحن اليوم في 24 أيار 2015».