و الخلاصة فانّ ظاهر هذه الآيات يدلّ علی انّ جبرئيل قد أنزل جميع القرآن. و من أجل فهم حقيقة الامر، و الجمع بين آيات القرآن، فقد كان لي فكرةٌ ما، لستُ أعلم هل تفي بالامر أم لا؟ و هي أن نقول بأن هناك ثلاث مراحل لكيفيّة نزول الوحي:
المرحلة الاولي: مرحلة نزول الوحي من الله بلا واسطة.
الثانية: و هي أدني منها، و ليست من الله مباشرة، بل بواسطة جبرئيل. أي ان جبرئيل كان موجوداً حيثما أوحي الله، فكان تعالي يوحي بواسطة جبرئيل.
و الثالثة: و هي أدني من سابقتيها، و هي انّ الوحي لم يكن بمباشرة جبرئيل بنفسه، بل كان يوحي بواسطة أعوان جبرئيل. و في هذه الكيفية فقد كان الله تعالي حاضراً، و كان جبرئيل حاضراً، و أعوان جبرئيل كذلك.
و لدينا آية في القرآن الكريم في هذه الكيفيّة الثالثة التي يتم الوحي فيها بواسطة أعوان جبرئيل، توضح انّ الآيات الإلهيّة كانت تنزل في ألواح أو نظير ألواح ـ مثلاً ـ في أيدي سفرة كرام فيقرأها رسول الله.
كَلآ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرةٍ. [1]
و كان أصحاب المراحل الثلاث (أي الحقّ تعالي و جبرئيل و السفرة الكرام البررة) حاضرين في جميع هذه المراحل الثلاث، و كان نزول الوحي يحصل في كلّ مرحلة بواسطتهم جميعاً. أي بواسطة السفرة الكرام البررة، بواسطة جبرئيل، بواسطة الحقّ تعالي. غاية الامر أنّ النظر الاساس كان في بعض الموارد الی نفس ذات الحقّ، بحيث لم يكن هناك نظر الی جبرئيل و السفرة، و هذا يحصل في الموارد التي كانت حال رسول الله تتغير فيها، و التي كانت وَحْياً وفقاً للآية الواقعة في سورة الشوري.
كما كان النظر الاساس في بعض الموارد الی جبرئيل، بحيث لم يكن هناك نظر الی السفرة؛ و كان النظر الی ذات الحقّ يحصل من خلال مرآة جبرئيل. أمّا في الموارد الباقية فكان النظر الاساس الی الملائكة من أعوان جبرئيل، أي الی السفرة. فكان النظر يحصل من خلال نافذد وجودهم و تعيّنهم الی جبرئيل و الی الحقّ.
و كانت هذه الكيفيّة الاخيرة تحصل وفقاً لتلك الآية: أَوْ يُرسِلَ رَسُولاً؛ غاية الامر انّ الوحي كان يحصل أحياناً بواسطة جبرئيل، و أحياناً أخري بواسطة السفرة الكرام البررة من أعوانه.
ذلك لانّه وفقاً لآية: و مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآيٍ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً، فإنّ الله المتعال يتكلّم بنفسه حين يوحي، فلا يتّخذ في تكليمه واسطة ما، بل يتجلّي بنفسه مباشرة و بتكلّم. فيدرك رسول الله ذلك التكلّم.