الرئيسية / تقاريـــر / سر الهيمنة الأميركية – محمد شريف

سر الهيمنة الأميركية – محمد شريف

في مشهد درامي لمدة 3 دقائق لا تزال وسائل التواصل الاجتماعي تتناقله منذ ثلاث سنوات، وحصد ملايين المشاهدات، يظهر أستاذ جامعي أميركي بدرجة بروفسور في مناظرة علمية بين الأساتذة والطلبة ليرد على سؤال لاحدى الطالبات مفاده ( لماذا أميركا أعظم دولة في العالم؟)

بالقول (ان أميركا ليست اعظم دولة في العالم).. فهي الدولة السابعة في مستوى الامية والتاسعة والاربعون في معدلات الحياة والـ178 في معدلات وفيات الرضع والرابعة في معدلات القوى العاملة والثالثة في متوسط دخل الاسرة والـ22 في العلوم والـ27 في الرياضيات فيما تتقدم العالم في معدل السجناء بالنسبة لعدد السكان، وفي معدلات الايمان بالخرافة وفي مصروفات الدفاع بأكثر من مصروفات الدول الـ26 التي تليها وهي حليفة لها.
المشهد مجتزأ من مسلسل أميركي يدعى (ذي نيوس روم) انتج في العام 2012 وعرضت آخر حلقاته في تشرين الثاني 2014 وقد نقل المشهد على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مبهمة وكأنه حوار حقيقي. ويؤكد هذا التصور ملايين المشاهدات وعشرات الآلاف من التعليقات العربية التي تبشر بانهيار أميركا، وكأننا ازاء متغير حتمي ستصنعه الأمنيات وأخيلة العامة التي تراهن عليها السياسة الاميركية في تضليل العقل الشرق أوسطي.
إن ما طرحه المقطع الفيلمي صحيح الى حد ما في بعض مفرداته، ولكنه تعمد الايحاء بتراجع مبهم ولم يقترب من الاجابة على السؤال الذي يراد منه تفسير الهيمنة، وهي المرادف للعظمة في ثقافة الكاوبوي ..اذ ان المجتمع الأميركي ورغم انتصار تيار العلم والثقافة في حربه الأهلية في القرن التاسع عشر، الا انه من الناحية الفعلية وريث ثقافة رعاة البقر التي لا تحتكم لما يسمى بالقيم، فالمعلوم ان المهاجرين البروتستانت الاوائل تفاجؤوا بالسكان الاصليين (الهنود الحمر)

في شراستهم وهم يدافعون عن وطنهم، فما كان منهم إلا ان يستعينوا بأعتى المجرمين القتلة وقطاع الطرق الذين تغص بهم سجون الولايات المتحدة في ذلك الوقت وكان أغلبهم محكومون بالاعدام، اذ جاؤوا بهم الى الجنة التي اكتشفها كولمبس لتصفية جنس الهنود الحمر وكان لهم ذلك حتى ذوت ثقافة الرجل الهندي، وترسخت ثقافة الكاوبوي، وبشكل خاص في الجنوب الاميركي الذي رفض حكم الطبقة العلمية والمثقفة والطبقة العاملة التي أقرت حقوق الانسان ومحاربة تجارة العبيد، فنشبت على اثر ذلك الحرب الاهلية جراء اعلان انفصال مجموعة من الولايات الجنوبية التي انتهت بانتصار حكومي توافقي لم يتجاهل مطالب الجنوبيين، ما جعل من اولويات بناء الدولة الاميركية هو طغيان مفهوم الهيمنة والبقاء للاصلح الذي ترك بصمته على مفهوم الديمقراطية التي تمنح رأس المال شرعية الصدارة على الرغم من علو صوت الطبقة العلمية والمثقفة التي ارست القواعد الأولى للحرية وانهاء الرق وفق القياسات الرأسمالية.
لكن التحول المهم الذي صنع الهيمنة الاميركية على العالم حصل بعد الحرب العالمية الثانية بخطأ تاريخي من حلفاء أميركا، عندما منحوا الدولار الاميركي صفة العملة العالمية على اثر تأسيس البنك الدولي، في ما يسمى باتفاقية بريتون، وكان لزاما على أميركا ان تضع غطاء من الذهب مقداره أونصت ذهب لكل 32 دولار (وهي الأوقية التي يقدر سعرها حاليا بـ1650 دولار) وظلت اميركا ملتزمة بهذا السعر (الغطاء) على الرغم من ارتفاع سعر أونصت الذهب أضعاف المرات، وتخيل كم جنت اميركا من المال على مدار ذلك الوقت.
والأكثر تأثيرا في صنع الهيمنة ماحصل منذ العام 1972 حين أعلن الرئيس الاميركي في ذلك الوقت (نيكسون) ان اميركا في حل من غطاء الذهب وراحت تصدر الدولارات الورقية بالمليارات وتشتري الخدمات والسلع والعقول وتستدرج العلماء من جميع دول العالم، حتى هيمنت بالمطلق على النظام المالي العالمي، فيما جاءت محاولات الاتحاد الاوروبي متأخرة في ثمانينيات القرن الماضي بإصدار عملة اليورو لوضع حد لدولرة النظام المالي العالمي، الا انها فشلت بسبب تبعات الدولرة التي تمثلت في تأثيراتها على نظم المحاسبة الدولية وتقاناتها وآلياتها المحسوبة بالدولار، فتحقق حلم الكاوبوي بعد أن وظفّت الهيمنة المالية في تطوير اقتصاد المعرفة ومن ثم احتكاره بامتياز،

والهيمنة على أدوات العولمة الاقتصادية والثقافية ممثلة بعولمة الاسواق، وعولمة الانتاج، والادارة عن بعد، واحتكار التقانات الاحيائية والسيطرة المخابراتية على شبكة المعلومات العالمية، وكل ذلك عبر تشكيلة هائلة من الشركات العابرة للقارات التي يحتكم برؤوس اموالها ورثة رعاة البقر الذين مارسوا كل انواع الجرائم بحق الانسانية ابتداء بالابادة الجماعية لشعب الهنود الحمر ومرورا بإلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناكازاكي والقاء ملايين الأطنان من منتجات الموز في عرض البحر بهدف المحافظة على الأسعار في بلدان تعاني من المجاعة وانتهاء بسيناريو الشرق

الاوسط الكبير الذي يهدف لخلق عالم جديد يكفل تدفق السلع وحركة رأس المال والايدي العاملة بحرية ويتحقق فيه هدف الماسونية في الهيمنة المطلقة على العالم فيكون الكيان الاسرائيلي بمأمن من كل أشكال التهديد، بعد أن تنتقل الصناعة الى الجنوب هروبا من القوانين البيئية الصارمة في الشمال والاقتراب أكثر من مصادر الطاقة وأسواق المواد الخام والاسواق المستهلكة والايدي العاملة الرخيصة، لتكون الادارة عن بعد بفعل التطور الهائل في وسائل الاتصال فيما تغرق شعوب المنطقة بالنزاعات الدموية التي تغذيها الأفكار المتخلفة والطائفية ودعاة الدين وزعامات العوائل البترولية المصابة بالزهايمر والطارئين على السياسة بهدف تكريس الأحقاد والحروب التي ستفضي الى المزيد من الضعف والتراجع الاقتصادي والعلمي لشعوب هذه المنطقة.
وكل ما يمكن فعله حاليا هو التبشير بما حمله لنا هذا المقطع الدرامي من أمنيات بانهيار دولة رعاة البقر عبر مواقع التواصل الاجتماعي!..فضلا عن المزيد من الشتائم.. في حين ان بعضنا الآخر مشغول بتفوقه الطائفي على الآخر او بمدى صحة حادثة بين اثنين قبل ألف واربعمئة سنة!.

شاهد أيضاً

السفيرة الأميركية الجديدة إلى #لبنان: هدفي #حزب_الله

ثلاثة تحديات يواجهها لبنان اليوم: آثار الصراع السوري الذي خلّف أكثر من مليون نازح سوري ...