أكثر ما شد انتباهي في خطاب السيد حسن نصرالله بمناسبة الذكرى ال15 للتحرير ، كان تأكيد سماحته على ضرورة تعميم المعادلة الذهبية اللبنانية “الجيش والمقاومة والشعب” ، التي صنعت النصر وحصنت لبنان ، على جميع الدول المهددة من “داعش” والمجموعات التكفيرية ، وكذلك دعوته الى توحيد الجبهة ورفض التجزئة في الحرب ضد قوى الظلام ، لما تقدماه من علاج ناجع لاجتثاث السرطان التكفيري الذي يهدد حاضرنا ومستقبلنا.
بات واضحا ان “داعش” والمجموعات التكفيرية ، لا تتحرك في فراغ ، بل في اجواء وفرتها قوى اقليمية عربية واسلامية ، تحت إشراف امريكي اسرائيلي واضح ، لاستهداف محور المقاومة ، بأخطر واقذر سلاح وهو السلاح الطائفي ، بعد ان فشلت كل الخيارات العسكرية والاقتصادية والحرب النفسية ، من النيل من ارادة هذا المحور الذي هدد جديا وجود “اسرائيل” ، والمصالح غير المشروعة لامريكا في المنطقة.
ان خارطة الطريق التي رسمها سيد المقاومة للشعوب التي نُكبت ب”داعش” والمجموعات التكفيرية ، في خطاب التحرير ، هي الكفيلة ، في حال وجدت طريقها الى التطبيق ، بتحصين هذه الشعوب من خطر “داعش” ، و منحها القوة لقطع دابر المجموعات التكفيرية من المنطقة والى الابد.
علائم السرطان التكفيري ظهرت في منطقتنا منذ وقت طويل ، الا انها استفحلت بعد الغزو الامريكي للعراق ، ومع استباحة الحدود السورية من قبل الجيران ، الذين دفعوا بعشرات الالاف من التكفيريين القادمين من مختلف انحاء العالم لغزو سوريا.
اهم اسباب قوة التكفيريين الذين انتشروا كالجراد في ديارنا ، هي ايمانهم بعقيدتهم ، واستخدامهم اسلوب حرب العصابات ، وممارساتهم الوحشية التي فاقت كل تصور ، والدعم اللوجستي والتسليحي والمالي الهائل الذي يتلقوه من قوى دولية واقليمية ، واعتماد الخطاب التحريضي الطائفي بابشع صوره.
زاد من قوة المجموعات التكفيرية ، ضعف الجيوش العربية ، بسبب الفساد السياسي الذي شل حركته ، كما هو الحال في لبنان. وبسبب الخيانات والتواطؤ بسبب اندساس البعثيين والطائفيين بين صفوفه ، كما في العراق ، وبسبب الحرب النفسية ، وتسليح التكفيريين باحدث الاسلحة والدعم المباشر من تركيا والسعودية وقطر لهم وبشكل علني واضح وفاضح، كما في سوريا ، وبسبب التدخل الامريكي المباشر وغير المباشر في كل الحالات.
الى جانب الاسباب السابقة ، هناك سبب اخر زاد من قوة التكفيريين وضاعف من قدرتهم على احتلال المزيد من الاراضي في العراق وسوريا ، وهو عدم جدية امريكا وحلفائها في الحرب ضد “داعش” والتكفيرين ، حيث ضاعف التسويف الامريكي في مواجهتهم ، الثقة بالنفس لديهم ، في مقابل تفشي حالة من الاحباط بين الجيوش العربية التي تقاتلهم.
اكثر ما يؤلم في هذا المشهد العربي المقلوب ، هو عدم سماح امريكا لوجود ادنى تنسيق بين الجيش اللبناني والجيش السوري والجيش العراقي ، في محاربتهم ل”داعش” والمجموعات التكفيرية ، بينما التكفيريون يتنقلون بين لبنان وسوريا والعراق وبحرية كاملة ، وهو ما يؤكد وجود ارادة امريكية لاطالة عمر “داعش” والمجموعات التكفيرية ، وبالتالي اطالة امد الازمة ، حتى تحقيق آخر اهداف امريكا و(اسرائيل) في المنطقة والمتمثلة بتقسيم دولها.
المجموعات التكفيرية ، التي لا تعترف بحدود ، واستباحة الاوطان ، وشردت الشعوب ، هي خطر وجودي يهدد الجميع دون استثناء ، ومن الخطأ التقليل من شانه ، او التعامل معه من منطلقات سياسية وطائفية ضيقة ، عبر الاختباء وراء شعارات مثل النأي بالنفس ، او انتظار التكفيريين وراء الحدود.
الوصفة التي قدمها السيد نصرالله ، لعلاج الحالة المزرية التي تعيشها بلدان المنطقة ، هي وصفة سحرية ، فلا يمكن هزيمة “داعش” واخواتها ، الا من خلال تعميم المعادلة الذهبية اللبنانية “الجيش المقاومة الشعب” ، على العراق وسوريا واليمن وحتى مصر ، فالجيش هو العمود الفقري لكل هذه الدول ، والمقاومة هي الظهير القوي للجيش في تصديه لمجاميع عقائدية مسلحة غير منظمة ، كما لابد للشعب ان يحتضن الجيش والمقاومة ، بعد ان وصلت الاخطار الى الاوطان وباتت تهددها كوجود.
طبقا لوصفة السيد نصرالله ايضا ، لا يمكن هزيمة “داعش” ، دون توحيد الجبهة العراقية السورية اللبنانية اليمنية المقابلة ل”داعش” ، فمع توحيد هذه الجبهة ، يكون العد العكسي لزوال “داعش” واخواتها قد بدأ ، وهذه حقيقة يمكن تلمسها من خلال الهجمة الشرسة والحرب النفسية التي يشنها فريق 14 اذار المدعوم سعوديا في لبنان على المعادلة الذهبية اللبنانية “الجيش المقاومة الشعب” ، للوقوف في وجه تعميمها ، ومن خلال المحاولات الامريكية للحيلولة دون قيام جبهة موحدة قوية يمكن ان تلحق الهزيمة بالتكفيريين ، وعبر الترويج لسياسة النأي بالنفس في لبنان ، وعبر شن حرب نفسية ظالمة على قوات الحشد الشعبي في العراق ، وعبر عدم التعرض لـ”داعش” و “جبهة النصرة” في سوريا تحت ذريعة عدم استغلال ذلك من قبل الحكومة السورية ، وعبر اطلاق يد السعودية في اليمن لقتل الاطفال والنساء وتدمير البنى التحتية في هذا البلد تحت ذريعة الدفاع عن شرعية رئيس إستقال وهرب.