الرئيسية / تقاريـــر / «داعش» بعد «عاصفة السوخوي»: هل بدأت «استراتيجية الخروج» نحو تركيا والأردن؟

«داعش» بعد «عاصفة السوخوي»: هل بدأت «استراتيجية الخروج» نحو تركيا والأردن؟

قبل نحو أسبوع هز انفجار ضخم مدينة أنقرة مخلفا حصيلة كبيرة من الضحايا. وإذا كان هناك من رآه يحمل دلالات على مؤامرة تستهدف تفكيك تركيا، فإن هناك من ألقى بالمسؤولية عما جرى على الحزب الحاكم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ما من شك في أن ما جرى في العاصمة التركية إنما هو انعكاس لسياسة أنقرة الخارجية على امتداد الأعوام القليلة الماضية حين أصبحت بشكل مفاجئ حامل لواء “ربيع العرب”، وواظب مسؤوليها على التصريح بثقة عن تفاؤلهم العميق بشأن إدارة “موجة التغيير” في الشرق الأوسط على قياس “النموذج التركي”. بالتأكيد استفادت تركيا حينذاك من تلاقي “مشروعها الطموح” مع مصالح بعض الدول الأخرى التي عملت على استفراد سوريا، كل لغاياته، لا سيما الأردن. وكانت دعوة الرئيس أردوغان والملك عبد الله الثاني إلى تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عام 2011 تعكس روح “الانسجام” المشار إليه.
٢٠/١٠/٢٠١٥
خضر سعاده خروبي – «النور»
ارتباك السياسة التركية كان على درجة عالية من الوضوح خلال السنوات العشر الأخيرة. فمع اندلاع اضطرابات “الربيع العربي”، كانت سياسة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، على نحو دراماتيكي، وفي وقت قصير تتدحرج بعيدا عن مقولات منظر سياستها الخارجية أحمد داوود أوغلو بشأن “صفر مشكلات” مع الجوار إلى مصرف دائم للأزمات ومحرك لها. هكذا بدا وكأن المطلوب اجترار “تجربة الجهاد الأفغاني” ضد نظام الرئيس السوري. الأسباب عديدة في نفوس “أصدقاء سوريا” لدفعها نحو “سيناريو الأفغنة”. أما عن النتائج، فتمثلت في ظهور النسخة المتطرفة الأكثر وحشية من التنظيمات المتطرفة، عن السياسة الإقليمية الأكثر رداءة. هكذا ظهر “داعش”، أو ما بات يسميه البعض “فرانكشتاين أردوغان”.

في شهادة أدلى بها في شهر آذار/ مارس من العام 2014 أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي لمناقشة الوضع السوري وتأثير الصراع في هذا البلد على الشرق الأوسط، يقارن ديفيد غارتنشتاين روس بين الحرب الدائرة في سوريا حاليا وتلك التي دارت رحاها في أفغانستان أواخر سبعينيات القرن الماضي بالقول: ” أنتجت الحرب في سوريا بالفعل آثار تموجات هائلة دوليا، وهذه الآثار سوف تتسع فحسب بمرور الوقت. إن تأثير الحرب السورية على هذا الجيل من الجهاديين سيكون مساويا في كل شيء لما كانت تعنيه الحرب الأفغانية السوفياتية بالنسبة للمتشددين الذين بلغوا سن النضج في الثمانينات” ، ثم يضيف:” ينبغي اعتبار الصراعين بمثابة كوارث إنسانية من الدرجة الأولى، ما يؤدي إلى التأجيج المبرر للمشاعر في جميع أنحاء العالم الإسلامي وما يتعداه. وبسبب الدمار الذي أحدثته كلا الحربين، فقد اكتسبت مختلف الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية التي برزت للدفاع عن المسلمين ضد خصومهم شرعيتها من طبقة رجال الدين ومن الشعبية على مستوى الشارع”، قبل أن يلخص المسار المتشابه بين الحربين قائلا: ” مما لا يثير الاستغراب هو أن كلا الصراعين قد جذبا عددا كبيرا من المقاتلين المسلمين السنة الأجانب من الخارج، معظمهم ممن تم سحبهم إلى ساحة المعركة عن طريق تقديم ما كان يحدث بصورة الأعمال المروعة والرغبة في محاربة قوات القمع التي تسفك دماء الأبرياء بكل طيبة خاطر. وعلى الرغم من النوايا النبيلة في كثير من الأحيان للانجرار إلى ساحة المعركة، فقد انضم العديد من المقاتلين الأجانب إلى الفصائل الجهادية.”

ويشرح الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات كيف أن العلاقات بين من يصفهم بـ “الجهاديين” التي تشكلت خلال الحرب الأفغانية السوفياتية قد غيرت البيئة الأمنية في العديد من البلدان معتبرا أن “تنظيم القاعدة” أحد امتدادات تلك العلاقات مع تسجيله لملحوظة ملفتة وبالغة الخطورة، وهي أن الحرب الأفغانية أفرزت عداء للشيوعيين، فيما أفرزت الحرب في سوريا عداء للشيعة، بحسب الكاتب، متوقفا، في الوقت عينه، عند امتلاك جانب التمرد في سوريا شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فضلا عن تمتعه بدعم عميق من رجال دين في مصر والسعودية وقطر.

وبعد أن يشير إلى تقديرات الاستخبارات الأميركية لعام 2014 بوجود أكثر من 10000 شخص قدموا من خارج سوريا للقتال، يقول روس: ” كانت الحرب ضد السوفييت تجد تأييدا واسعا من قبل رجال الدين بصفته جهادا دفاعيا مشروعا. فقد توافد نحو عشرة آلاف عربي إلى جنوب آسيا للمساعدة في القضية الأفغانية. كانت آثار تموجات ذلك الصراع هائلة، ولامست العديد من البلدان. وكان تنظيم القاعدة في حد ذاته نتاج الحرب الأفغانية – السوفياتية، والذي تأسس في شهر أغسطس/ آب عام 1988، في الأيام الأخيرة من النزاع.”

النتيجة الهامة التي توقفت عندها الحرب في أفغانستان، وفق روس، تتمثل باتفاق أسامة بن لادن ومعلمه عبد الله عزام على أن التنظيم الذي كان قد بني خلال الحرب الأفغانية – السوفياتية للقتال ضد الروس لا ينبغي أن يذوب عند انتهاء الحرب، وإنما ينبغي الاحتفاظ ببنيته لتكون بمثابة ” قاعدة ” ( تنظيم القاعدة ) لجهود من يصفهم بـ “المجاهدين” في المستقبل. ويلفت الباحث إلى تموجات الحرب الأفغانية – السوفياتية في عدد كبير من الأماكن البعيدة عن أفغانستان كالجزائر حيث لعب المحاربون المتمرسون في “الجهاد” ضد السوفيات دورا حاسما في الحرب الأهلية الجزائرية التي أودت بحياة أكثر من 150,000 شخص، بالإضافة إلى ما خلفته من دمار وفوضى في البلد الواقع في آسيا الوسطى، حيث شكلتا بيئة حاضنة لتجمع كبير من “الجماعات الجهادية” متوقعا نتائج مشابهة في سوريا وجوارها، لا سيما تركيا، باعتيارها أهم معبر للمسلحين الوافدين إلى سوريا، والأردن باعتباره أهم مصدر لهؤلاء التي تقدر أعدادهم بالآلاف في”تنظيم داعش”. في هذا الصدد يضيف روس: ” العديد من الأردنيين يعملون في أدوار قيادية بارزة داخل النصرة وداعش. كما أن مسؤول الشريعة في جبهة النصرة هو أردني يحمل شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية، كما يعمل شباب أردنيون كمسؤولين في الجناح العسكري للنصرة. وإلى جانب الوجود الكبير للاجئين السوريين في الأردن والضغط المترتب من جراء ذلك على اقتصاد البلاد، فإن عودة المقاتلين الأجانب قد يكون له تأثير كبير على الأردن.”
بطبيعة الحال، تقدم سوريا مشهدا بيانيا أكثر تفصيلا حول عمق الورطة التركية. فمن انفتاح سياسي توّجه الأتراك بـ “فتوحات اقتصادية” في سوريا قبل سنوات قليلة، تحولت أنقرة عن المنطق الديبلوماسي والسياسات المسؤولة حيال الوضع الجيوسياسي في المنطقة، لا سيما في سوريا، وتأبطت “بندقية الثورة” هناك بموازاة انكشاف مخططات تركيا “العدالة والتنمية” بثوب عثماني حرك المياه الراكدة في خلافات البلدين الحدودية التي طوتها صفحة ازدهار العلاقات التركية السورية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولم يطل الأمر حتى وجدت سوريا نفسها في خضم أزمة ما زالت مستعصية على الحل إلى يومنا هذا مع فارق بسيط، وهو توسع رقعة الإرهاب، وتمدد نيران الحريق الإقليمي إلى دول الجوار السوري.

حضور تركيا على مسرح الأزمة، بالتحالف مع منظومة “أصدقاء سوريا”، لم يقتصر على الجانب السياسي، بل تعداه إلى دعم ميداني واستخباراتي مباشر في أحيان كثيرة لمجموعات جيء بعناصرها من أكثر من 80 دولة حول العالم ، تراها تدول لك المنظومة أهلا للتحدث باسم سوريا أكثر من شعبها! لوقت طويل، انتهج حكم “العدالة والتنمية” حيال “تنظيم داعش” سياسة “دعه يمر ويقتل”. وفي حين لم تعمد تركيا إلى فعل الكثير لوقف تدفق الأموال والسلاح و”الجهاديين” عبر حدودها السورية التي بقيت مركزا أساسيا لـ “الترانزيت الجهادي”، فإن حكومتها كانت تراهن على توظيف “ورقة داعش” للإطاحة بأدوار خصمين لدودين، وهما الرئيس السوري بشار الأسد، وأكراد سوريا. ومع “اضطرار” أنقرة إلى الانخراط في “التحالف الدولي لمحاربة داعش” بقيادة واشنطن تحت وطأة استحالة التغطية على عنف التنظيم ووحشيته أمام الرأي العام العالمي والمحلي، بدأت مظاهر تفكك “عرى التفاهمات” بين الطرفين تتكشف شيئا فشيئا وصولا إلى تفجيرات أنقرة التي صوب على إثرها المسؤولون الاتراك أصابع اتهاماتهم إلى التنظيم.
وإذا كان البعض يتحدث عن مأزق تركي بدأ يتمظهر على شكل هزات أمنية داخل البلاد بين الحين والآخر يتهم فيها “داعش” من قبل الاستخبارات التركية، فإن واقع الحال يشي إلى تضاعف حجم المأزق بعد دخول القوات الروسية على خط الحرب على التنظيمات الإرهابية داخل سوريا، بما يعنيه ذلك من ميلان الكفة لصالح خصومه، أي حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، والأكراد في شمال سوريا. وعوضا عن تحول “داعش وأخواته” إلى تهديد لأمن تركيا، كما يردد البعض، فإن التنظيم تحول أيضا إلى “كارت محروق” غير قابل للاستخدام في “معارك أردوغان”، وذلك تحت ضربات الطيران الروسي بموازاة عمليات الجيش السوري وحلفائه على الأرض. الأكيد أن “داعش” أصبح قادرا على الضرب في الداخل التركي. الكلام لم يعد تنبؤات وتوقعات محللين بشأن خلايا نائمة للتنظيم في تركيا. الخوف المهيمن على عقل أردوغان هو موجات إضافية من اللاجئين، أو “الجهاديين” في اتجاه بلاده، وفي كلا الحالتين، فإن لديه أسبابا وجيهة كي يقلق.

أما عن الأردن الذي أُعلن منذ مدة غير بعيدة عن فشل رهاناته في “العصف” بجنوب سوريا، فإن موقفه لا يختلف كثيرا عن تركيا، وإن بدا مشهده الداخلي أقل صخبا عن المشهد فيها، وتصريحات مسؤوليه أكثر هدوءا من تصريحات نظرائهم الأتراك. وفي دراسة نشرت في آب/ أوغسطس الماضي بعنوان: هل يكون الأردن الهدف الجديد لداعش، يطرح الخبير العسكري فؤاد السويدي أسبابا عديدة لذلك، لعل أبرزها:

“-اصطدم داعش في سوريا والعراق بحاجز” القوى الشعبية” وتعرضه لضغوطات قوية في الجبهتين الشيعية والكردية. ونظرا إلى أن الأردن أقل من العراق وسوريا من حيث النسبة السكانية، فذلك يتيح لداعش المناورة، فضلا عن أن مقاومة القوى الشعبية ستكون اقل زخما فيه.

-داعش استهدف الاردن عقائديا وايديولوجيا وصار له مناصريه شرقي المملكة وأن هذا السيناريو يسهل عملية الهجوم المحتمل.

ـ سيطرة داعش على الانبار في العراق وتدمر في سوريا، وفرت الظروف الملائمة للهجوم على الاردن.

-سرقة واحراق سيارة تابعة لجهاز المخابرات الاردنية بمحافظة معان، نموذج عملي لنفوذ داعش في المملكة، فضلا عن توقيف 600 شخص من مؤيدي التيارات السلفية ومحاكمة 150منهم، يظهر نموذجا اخر لنفوذ التيارات المتطرفة في البلاد، مع الإشارة إلى أنه شهدت السنوات الماضية، تناميا ملحوظا للتيارات المتشددة في محافظة معان جنوبي المملكة، ووصلت الى حد رُفعت راية التنظيم السوداء في مظاهرات العام الماضي، التي اطلق المشاركون فيها شعارات تنادي بالغاء حدود سايكس بيكو، مؤيدين بذلك داعش فكرا وممارسة.

-الاردن من الدول العشر التي اعلنت استعدادها الانخراط في الحرب على التنظيم، حيث أن هذا الامر أثار حفظية المتعاطفين مع داعش في الداخل

– الاطاحة بنظام عبدالله الثاني تحول الى مطلب وهدف بحد ذاته للتنظيم المتطرف، حيث تتحدث مصادر استخباراتية عن أن أبو بكر البغدادي متزعم التنظيم المتشدد قد اوعز لأنصاره بالاعداد لهجوم واسع على الاردن والاطاحة بالملك عبدالله الثاني، ومن غير المستبعد حدوث ذلك على المدى القريب.

– طبيعة وجغرافيا الاردن التي تشكل الصحاري والأودية معظمهما، تعتبر ميزة لداعش لكونها تتيح له التمدد السريع في البلاد فضلا عن سهولة امكانية فتح التنظيم عدّة جبهات مع الأردن مقارنة بباقي الدول المستهدفة”.

ختاما، يمكن القول أن “عاصفة السوخوي” في سوريا قد غيرت الكثير من معادلات الحرب والسياسة في المنطقة. وبالنظر إلى التقارير الإخبارية عن فرار الآلاف من المسلحين على إثرها من هناك باتجاه تركيا والأردن، أو حتى في اتجاه أوروبا، إنما يثبت بالدليل القاطع أن الغارات الروسية على معاقل الإرهابيين في المنطقة برهنت على أن “حرب واشنطن على الإرهاب” لم تكن سوى وجه آخر للإرهاب الذي تدعي، وحلفاؤها، محاربته. ربما يحين الوقت يوما حتى تجني ثمار الجراح التي أثخنت بها أجساد شعوب المنطقة، أم تراه قد حان الوقت فعلا لذلك!

People lay on the ground as survivors surround them to offer help after an explosion during a peace march in Ankara