04 السجدة وما يصح السجود عليه
واتخاذ الأرض مسجدا ، فإن الواجب المتسالم عليه على المصلي لدى جميع الأمة
المسلمة على بكرة أبيهم أن يسجد على الأرض ، ومرفوعة : جعلت لي الأرض
مسجدا وطهورا . من المتفق عليه ، أصفق عليها أئمة المذاهب ، ولا مندوحة لدى
الاختيار والإمكان من السجود عليها ، أو على ما ينبت منها كما يأتي حديثه .
وأخذ الصحابة الأولين حصاة المسجد عند حرارتها في الظهائر وتبريدها
بتقليبها باليد كما سيوافيك حديثه يومئ إلى
عدم كفاية غيرها مهما يتمكن المصلي من السجود عليها ولو بالعلاج ورفع العذر .
وكذلك حديث افتراشه صلى الله عليه وآله تحت يديه اللباس عند حرارة
الحصاة وبرودتها والسكوت عن الافتراش على المسجد والسجود عليه يؤيد إيجاب
السجدة على التراب فحسب ليس إلا .
وأما حين عدم تيسر السجود عليها والتمكن منه لحرارة قارصة أو لإيجاب
عذر آخر فلا وازع عندئذ من السجود على غيرها . إذ الضرورات تبيح
المحظورات .
والأحاديث الواردة في الصلاة على الحصير والفحل ( 1 ) والخمرة وأمثالها
تسوغ جواز السجدة على ما ينبت من الأرض غير المأكول والملبوس .
والأنسب بالسجدة التي إن هي إلا التصاغر والتذلل تجاه عظمة المولى سبحانه .
ووجاه كبريائه . أن تتخذ الأرض لديها مسجدا يعفر المصلي بها خده ويرغم أنفه ،
لتذكر
الساجد لله طينته الوضيعة الخسيسة التي خلق منها ، وإليها يعود ، ومنها يعاد تارة
أخرى ، حتى يتعظ بها ، ويكون على ذكر من وضاعة أصله ، ليتأتى له خضوع
روحي ، وذل في الباطن . وانحطاط في النفس ، واندفاع في الجوارح إلى العبودية ،
وتقاعس عن الترفع والأنانية ، ويكون على بصيرة من أن المخلوق من التراب حقيق
وخليق بالذل والمسكنة ليس إلا .
ولا توجد هذه الأسرار قط وقط في المنسوج من الصوف والديباج والحرير ،
وأمثاله من وسائل الدعة والراحة ، مما يري للإنسان عظمة في نفسه ، وحرمة
وكرامة ومقاما لديه ، ويكون له ترفعا وتجبرا واستعلاءا وينسلخ عند ذلك من
الخضوع والخشوع .
وها نحن نقدم إلى القارئ جميع ما جاء في الصحاح الست ، وغيرها من أمهات
المسانيد والسنن ، من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله الواردة فيما يصح السجود
عليه ، ونمضي على ضوئها ونتخذها سنة متبعة ، وطريقة حقه لا محيد عنها ، وهي
على ثلاثة أقسام .
القسم الأول :
ما يدل على السجود على الأرض :
1 – جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .
وفي لفظ مسلم : جعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا
إذا لم نجد الماء .
وفي لفظ الترمذي : جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا ، عن علي ، وعبد
الله بن عمر ، وأبي هريرة ، وجابر ، وابن عباس ، وحذيفة ، وأنس ، وأبي أمامة ، وأبي
ذر .
وفي لفظ البيهقي : جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا .
وفي لفظ له أيضا : جعلت لي الأرض طيبة ومسجدا وأيما أدركته الصلاة صلى
حيث كان ( 1 ) .
2 – الأرض لك مسجدا حيثما أدركت الصلاة فصل قاله صلى الله عليه وآله
لأبي ذر ( 1 ) .
3 – ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد على الحجر . أخرجه
الحاكم في المستدرك : 3 / 473 وصححه هو والذهبي .
4 – أبو سعيد الخدري قال : أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلى أنفه أثر الماء والطين ( 2 ) .
5 – رفاعة بن رافع مرفوعا : ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته حتى تطمئن
مفاصلة وتستوي .
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى : 2 / 102 .
6 – ابن عباس ، وأنس ، وبريدة بإسناد صحيح مرفوعا : ثلاثة من الجفاء :
يمسح جبهته قبل أن يفرغ من
صلاته وفي لفظ واثلة بن الأسقع : لا يمسح الرجل جبهته من التراب حتى يفرغ من
الصلاة ( 1 ) .
7 – جابر بن عبد الله قال : كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلاة الظهر ، فآخذ بيدي قبضة من حصى في كفي تبرد حتى أسجد عليها من
شدة الحر .
وفي لفظ لأحمد : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر ،
وآخذ بيدي قبضة من حصى فأجعلها في يدي الأخرى حتى تبرد ثم أسجد عليها
من شدة الحر .
وفي لفظ البيهقي : كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة
الظهر فآخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد ، وأضعها بجبهتي إذ سجدت من
شدة الحر .
فقال البيهقي : قال الشيخ : ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك
أسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود عليها ، وبالله التوفيق .
مسند أحمد : 1 / 327 ، السنن الكبرى : 2 / 105 .
8 – أنس بن مالك : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة
الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه . السنن الكبرى :
2 / 106 .
9 – خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة
الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا .
السنن الكبرى : 2 / 105 ، 107 ، نيل الأوطار : 2 / 268 .
10 – عمر بن الخطاب : مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل الرجل
يمر على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي عليه ، فلما رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذاك قال : ما أحسن للذا البساط . فكان ذلك أول بدء
الحصباء . وأخرج أبو داود عن ابن عمر : مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة
فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته . الحديث .
أبو داود : 1 / 75 ، السنن الكبرى : 2 / 440 .
11 – عياض بن عبد الله القرشي : رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجلا يسجد على كور عمامته فأومأ بيده : ارفع عمامتك ،
وأومأ إلى جبهته .
” السنن الكبرى : 2 / 105 ” .
12 – علي أمير المؤمنين : إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته .
” السنن الكبرى : 2 / 105 ” .
13 – نافع : أن عبد الله بن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى
يضع جبهته بالأرض .
” السنن الكبرى : 2 / 105 ” .
14 – عبادة بن الصامت إنه كان إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن
جبهته .
” السنن الكبرى : 2 / 105 ” .
15 – أبو عبيدة : أن ابن مسعود كان لا يصلي أو لا يسجد إلا على الأرض .
أخرجه الطبراني في الكبير وعنه في المجمع : 2 / 57 .
16 – إبراهيم إنه كان يقوم على البردي ويسجد على الأرض . قلنا : ما
البردي ؟ قال : الحصير .
أخرجه الطبراني في الكبير ، وعنه في المجمع : 2 / 57 .
17 – صالح بن حيوان السبائي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى
رجلا يسجد بجنبه وقد اعتم على جبهته فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
جبهته .
السنن الكبرى : 2 / 105 ، نصب الراية للزيلعي : 1 / 386 .
شاهد أيضاً
السجود على التربة الحسينية – الشيخ عبد الحسين الأميني
08 أخرجه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع : 9 / 191 رجاله ثقات . هي ...