08 أخرجه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع :
9 / 191 رجاله ثقات .
هي التي جعلت رجل بني أسد يشم تربة الحسين ويبكي قال هشام ابن محمد :
لما أجرى الماء على قبره الحسين نضب
بعد أربعين يوما وامتحى أثر القبر ، فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة
قبضة من التراب ويشمه حتى وقع على الحسين فبكى وقال : بأبي وأمي ما كان
أطيبك حيا وأطيب تربتك ميتا ، ثم بكى وأنشأ يقول :
أرادوا ليخفوا قبره عن عداوة * وطيب تراب القبر دل على القبر
راجع تاريخ ابن عساكر : 4 / 342 ، كفاية الحافظ الكنجي : 293 .
فالفرد البشري كائنا من كان ، أينما كان وحيثما كان ، من أي عنصر وشاكلة
على تكثر شواكله ، واختلاف عناصره ، في جميع أدوار الحياة هو أسير تلك
الحكومة ، ورهين لفظة :
روحي ، بدني ، مالي ، أهلي ، ولدي ، أقاربي ، رحمي ، أسرتي ، تجارتي ، نحلتي ،
ملتي ، طائفتي ، مبدئي ، داري ، ملكي ، حكومتي ، قادتي ، سادتي ، إلى ما لا يحصى من
المضاف المنسوب إليه .
وهذه هي حرفيا بصورة الجمع الإضافي مأكلة بين شدقي الحكومات والدول ،
والجمعيات ، والهيئات ، والأحياء ، والشعوب ، والقبائل ، والأحزاب والملل ، والنحل ،
والملوك ، والطوائف ، والسلطات الحاكمة إلى كليات لا تتناهى .
وبمجرد تمامية النسبة وتحقق الإضافة في شئ جزئي أو كلي ، أو أمر فردي أو
اجتماعي . لدى أولئك المذكورين تترتب آثار ، وتتسجل أحكام لا منتدح لأي أحد
من الخضوع لها والإخبات إليها ، والقيام دونها ، والتقيد بها .
وهذا بحث جد ناجع تنحل به مشكلات المجتمع في المبادئ والآراء
والمعتقدات . وعقود الضغينة والمحبة ، وعويصات المذاهب . ومقررات الشرع
الأقدس . وفلسفة مقربات الدين الحنيف ، ومقدسات الإسلام وشعائره . والحرمات
والمقامات والكرامات .
فبعد هذا البيان الضافي يتضح لدى الباحث النابه الحر سر فضيلة تربة كربلاء
المقدسة ، ومبلغ انتسابها إلى الله سبحانه وتعالى ، ومدى حرمتها وحرمة صاحبها
دنوا
واقترابا من العلي الأعلى ، فما ظنك بحرمة تربة هي مثوى قتيل الله ، وقائد جنده
الأكبر المتفاني دونه ، هي مثوى حبيبه وابن حبيبه ، والداعي إليه ، والدال عليه ،
والناهض له ، والباذل دون سبيله أهله ونفسه ونفيسه ، والواضع دم مهجته في كفه
تجاه إعلاء كلمته ، ونشر توحيده ، وتحكيم معالمه ، وتوطيد طريقه وسبيله .
فأي من ملوك الدنيا ومن عواهل البلاد من لدن آدم وهلم جرا عنده قائد
ناهض طاهر كريم وفي صادق أبي شريف عزيز مثل قائد شهداء الإخلاص بالطف :
الحسين المفدى ؟
لماذا لا يباهي به الله ، وكيف لا يتحفظ على دمه لديه ، ولا يدع قطرة منه أن
تنزل إلى الأرض لما رفعه الحسين بيديه إلى السماء ( 1 ) .
كيف لا يديم ذكره في أرضه وسمائه ، وقد اتخذت محبة الله بمجاميع قلبه ؟
وكيف لا يسود وجه الدنيا في عاشورائه ؟ ولا يبدي بينات سخطه وغضبه يوم
قتله في صفحة الوجود ؟ ولماذا لم تبك عليه الأرض والسماء ؟ كما جاء عن ابن
سيرين فيما أخرجه جمع من الحفاظ . ولماذا لم تمطر السماء يوم قتله دما ؟ كما جاء
حديثه متواترا .
ولماذا لم يبعث الله رسله من الملائكة المقربين إلى نبيه صلى الله عليه وآله بتربة
كربلائه ؟ ولماذا لم يشمها رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يقبلها ولم يذكرها
طيلة حياته ؟ ولماذا لم يتخذها بلسما في بيته ؟
فهلم معي أيها المسلم الصحيح ، أفليست السجدة على تربة هذا شأنها لدى
التقرب إلى الله في أوقات الصلوات ، أطراف الليل والنهار ، أولى وأحرى من غيرها
من كل أرض وصعيد وقاعة وقرارة طاهرة ، أو من البسط والفرش والسجاد
المنسوجة على نول هويات مجهولة ؟ ولم يوجد في السنة أي مسوغ للسجود عليها .
أليس أجدر بالتقرب إلى الله ، وأقرب بالزلفى لديه ، وأنسب بالخضوع
والخشوع والعبودية له تعالى أمام حضرته ، وضع صفح الوجه والجباه على تربة في
طيها دروس الدفاع عن الله ، ومظاهر قدسه ، ومجلى التحامي عن ناموسه ناموس
الإسلام المقدس ؟
أليس أليق بأسرار السجدة على الأرض السجود على تربة فيها سر المنعة
والعظمة والكبرياء والجلال لله جل وعلا ، ورموز العبودية والتصاغر دون الله
بأجلى مظاهرها وسماتها ؟
أليس أحق بالسجود تربة فيها بينات التوحيد والتفاني دونه ؟ تدعو إلى رقة
القلب ، ورحمة الضمير والشفقة والتعطف .
أليس الأمثل والأفضل اتخاذ المسجد من تربة تفجرت في صفيحها عيون دماء
اصطبغت بصبغة حب الله ، وصيغت على سنة الله وولائه المحض الخالص ؟
فعلى هذين الأصلين نتخذ نحن من تربة كربلاء قطعا لمعا وأقراصا نسجد عليها
كما كان فقيه السلف مسروق بن الأجدع يحمل معه لبنة من تربة المدينة المنورة
يسجد عليها
والرجل تلميذ الخلافة الراشدة ، فقيه المدينة ومعلم السنة بها ، وحاشاه من البدعة ،
ففي أي من الأصلين حزازة وتعسف ؟ وأي منهما يضاد نداء القرآن الكريم ؟ أو
يخالف سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله ؟ وأيهما يستنكر ويعد بدعة ؟
وأيهما خروج عن حكم العقل والمنطق والاعتبار ؟
وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجدا لدى الشيعة من الفرض المحتم ، ولا من واجب
الشرع والدين ، ولا مما ألزمه المذهب ، ولا يفرق أي أحد منهم منذ أول يومها بينها
وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها ، خلاف ما يزعمه
الجاهل بهم وبآرائهم . وإن هو عندهم إلا استحسان عقلي ليس إلا ، واختيار لما هو
الأولى بالسجود لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت . وكثير من
رجال المذهب يتخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه
كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم .
ونحن نرى أن الأخذ بهذين الأصلين القويمين ،والنظر
إلى رعاية أمري الحيطة والحرمة ومراقبتهما ، يحتم على أهالي الحرمين الشريفين :
مكة والمدينة ، واللائذين بجنابهما ، والقاطنين في ساحتهما أن يتخذوا من تربتهما
أقراصا وألواحا مسجدا لهم ، أخذا بالأصلين وتخلصا من حرارة حصاة المسجد
الشريف القارصة أيام الظهائر وشدة الرمضاء ، يسجدون عليها في حضرهم ،
ويحملونها معهم مسجدا طاهرا مباركا في أسفارهم سيرة السلف الصالح نظراء
الفقيه مسروق ابن الأجدع كما سمعت حديثه ، ويجعلونها في تناول يد الزائرين
والحجاج والوافدين إلى تلكم الديار المقدسة من الحواضر الإسلامية ، تقتنيها الأمة
المسلمة مسجدا لها ، في الحضر والسفر ، وتتخذها تذكرة وذكرى لله ولرسوله
ولمهابط وحيه ، تذكرها ربها ونبيها متى ما ينظر إليها ، وتشمها وتستشم منها عرف
التوحيد والنبوة ، وتكون نبراسا في بيوت المسلمين تتنور منها القلوب ، وتستضئ
بنورها أفئدة أولي الألباب ، ويتقرب المسلمون إلى الله تعالى في كل صقع وناحية في
أرجاء العالم بالسجود على تربة أفضل بقعة اختارها الله لنفسه بيت أمن ودار
حرمة وعظمة وكرامة ، ولنبيه حرما ومضجعا مباركا .
وفيها وراء هذه كلها دعاية كبيرة قوية عالمية إلى الإسلام ، وإلى كعبة عبادته
وعاصمة سنته ، وصاحب رسالته ، ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند
ربه .
عبد الحسين الأميني
شاهد أيضاً
السجود على التربة الحسينية – الشيخ عبد الحسين الأميني
06 القسم الثالث : فيما ورد من السجود على غير الأرض لعذر . 1 – ...