الرئيسية / تقاريـــر / داعش يتمرد على الأم الحنونة فرنسا: حين تُحرق ورقة الإرهاب صانعيها..

داعش يتمرد على الأم الحنونة فرنسا: حين تُحرق ورقة الإرهاب صانعيها..

الوقت- فرنسا تلملم إرهابها. هكذا يمكن إختصار الحال الذي تعيشه الدولة الفرنسية، في ظل إرهابٍ قرر أن ينتقل الى مرحلةٍ متقدمةٍ من المواجهة. فتنظيم داعش الذي قرر أن يبدأ بتوسيع دائرة إستهدافه، ضرب باريس هذه المرة. لكن قراءة الحدث اليوم لن تكون كسابقاتها، من حيث مقاربة الأمور أو تحليلها. فبين الموقف الإنساني المتضامن مع الشعب الفرنسي، وبين الموقف الذي يجب نقله للقيادة الفرنسية التي تتحمل مسؤولية ما جرى، كلامٌ يجب قوله بموضوعية، من باب المسؤولية. فكيف يمكن قراءة الحدث الفرنسي؟ وما هي دلالاته الحقيقية؟

 

لا شك أن الموقف الإنساني يأخذ منحاه في تحليل الحدث. فالجميع مُتفقٌ على أن ما جرى جريمةٌ تستهدف الشعب الفرنسي ويجب استنكارها. لكن الأهم من الإستنكار، هو قول الحقيقة التي يجب أن يأخذها المسؤولون الفرنسيون بجدية. وهنا نُشير للتالي:

–         إن التعاطي الفرنسي مع ملف الإرهاب الدولي، والقيام بجعله ورقةً للرهان عليها، دون إدراك حقيقة أنها سترتد في يومٍ من الأيام لتهدد الواقع الفرنسي، هو من الأمور الأساسية التي أدت لما جرى. فلقد مارست فرنسا ومنذ بداية الأزمة السورية سياسةً لم ترتق لمستوى المسؤولية بحق شعبها أو بحق الدول الأخرى. وهو ما جعلها تساهم في تقوية السياسات التنفيذية البراغماتية لواشنطن، ولو أنها حاولت استغلال ذلك لبناء حيثيةٍ خاصةٍ بها.

–         لذلك فإن تعاظم قوة التكفيريين في منطقة الشرق الأوسط كان مقدمةً لتغلغله في أوروبا. ولأن فرنسا تتحمل المسؤولية الأولى، أي تعاظم قوة الإرهاب في غرب آسيا، فهي بالنتيجة تتحمل مسؤولية ما يجري اليوم عليها داخلياً، الى جانب ما تعيشه أوروبا من تهديداتٍ تطال أمنها. فالسياسة الفرنسية التي تُتقن فن الإستعمار، لم تتوان يوماً عن العبث بأمن الدول العربية والإسلامية. كما أنها ساهمت في تقوية الفتن وتأجيج الإنقسامات، إما من خلال لعبها دور الأم الحنونة مع ما يُسمى بالمعارضة السورية وأطراف أخرى في لبنان، أو من خلال إستضافتها ودعمها لمؤتمراتٍ طائفية التسميات والأهداف، كما فعلت مع السنة في العراق. لتشكِّل فرنسا بحد ذاتها، يداً تنفيذيةً للإرهاب بأهدافه الجوهرية.

–         ولعل الحديث الدائم عن الإسلاموفوبيا أو الخطر الإسلامي، انعكس سلباً عليها. فدولة التحرر والديمقراطية، لم تُشفَ بعد من حوادث شارل أبيدو، لكنها وللأسف لم تتعلم منها، بل إزدادت ممارسةً لأبشع سياسات التعاطي الفوقي الذي يحتقر المسلمين، لمجرد أنهم مسلمون، ليكون ذلك مدخلاً استخدمه الإرهاب في التغلل بداخلها والحشد ضدها. وهو ما قد لا تعترف به دولةٌ كفرنسا أو طرفٌ كأوروبا، لكن الحقيقة لا بد أن تُقال. فالسياسات الغربية التي حاولت صنع إسلامٍ تكفيريٍ لا يمت للإسلام بصلة، تتحمل مسؤولية كل ما يجري في المنطقة والعالم، نتيجة أفعال تنظيمٍ كداعش الإرهابي. وهو ما كان لفرنسا دورٌ كبيرٌ به، إما بالتمويل أو الدعم العسكري.

–         وهنا نقول إن التعاطي مع الحوادث الإرهابية التي تجري اليوم، هو أهم من الأحداث الإرهابية بحد ذاتها. فالتعاطي الفرنسي لم يرتق يوماً لمستوى المسؤولية، وهو ما أشرنا له فيما تقدم. بل كانت فرنسا شريكةً للدول الغربية لا سيما واشنطن، وللعديد من الدول الخليجية لا سيما السعودية، في تنفيذ مخطط نشر وتقوية وإستغلال الخطر الإرهابي في منطقتنا. لنقول إن السعي الفرنسي للعب دورٍ بارزٍ في الساحة الدولية، واستخدام فرنسا لسياسة المصلحة في نسج علاقاتها الدولية، الى جانب خلطها بين السياسات التجارية المُربحة فيما يخص انفتاحها على سوق السلاح وإدخالها منتجاتها العسكرية في الصراع الدائر في منطقتنا، وبين مصالحها السياسية الظرفية، جعلها تُخطئ في قراءة المستقبل، لتكون اليوم مسؤولةً عما يجري من تمددٍ للإرهاب في العالم أولاً ثم أمام شعبها ثانياً.

–         كما لا بد من الإشارة الى أن الحدث الفرنسي طغى على كافة الأحداث لا سيما الإرهاب الذي ضرب لبنان منذ أيام، ليلحقه التفجيرات في العراق، وما سبقه من أحداث لا سيما حادثة الطائرة الروسية. لكن الحقيقة أن ذلك يعود لسبب أن الحدث الفرنسي جديدٌ على الغرب من حيث النوعية والإستهداف. فيما لا شك أن الأحداث الأخرى التي سبقت الحدث الفرنسي، ترتبط بموضوع الإرهاب الدولي أيضاً. كما أن الدور الفرنسي لا سيما في لبنان ووقوف باريس الى جانب الأطراف التي تُعرف بالرابع عشر من آذار، والتي بات معروفاً دورها في الإرتهان للخارج ومن ضمنه فرنسا، الى جانب دور هذه الأطراف في الأحداث السورية، كلها عوامل أفضت لما يجري في لبنان، كما سوريا والعراق والمنطقة بأسرها.

 

لقد أصبح الإرهاب الدولي، خطراً على الجميع. فاليوم لم يعد أحدٌ يستطيع الإنفراد في فهمه أو توصيفه لمعنى الإرهاب. لكن إستغلال الغرب للإرهاب وجعل ذلك ورقةً للإبتزاز السياسي أو التهديد الأمني والعسكري، جعل الإرهاب بحد ذاته قوةً تتمرد على صانعها. لنصل الى واقعٍ لم يعد فيه الغرب أهلاً للرهان عليه في محاربة الإرهاب. بل أصبح شريكاً في المواساة على المصائب والحوادث الإرهابية التي تضربه. فيما ينتظر العقلاء في العالم، مستقبل السياسة الفرنسية. فالتنظيم الإرهابي داعش، تمرَّد على أمه الحنونة فرنسا، فهل سيكون ذلك بداية الإستهداف النوعي الجديد للغرب؟ وهل ستُغيِّر فرنسا من سياستها الإنتهازية؟