بعد أن كان الكيان الإسرئيلي طفل أوروبا المدلّل في الفترة السابقة، وعينه طامحة لكسب رضا الدول العربية، إنقلبت المعادلة اليوم، حيث باتت القارة العجوز تؤرق هذا الكيان الذي يمعن في مجازره الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني، إلا أنه قد سجّل نجاحاً ملحوظاً في ترويض العديد من الدول العربية الظاهر العبرية المضمون.
آخر سيناريوهات المواجهة بين الإتحاد الأوروبي و الكيان الإسرائيلي تمثّلت بقرار قاضي المحكمة الوطنية الإسبانية خوسيه دى لا موتا، الذي أصدر مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو و٦ مسئولين حكوميين سابقين وحاليين، وذلك على خلفية قضية الهجوم على سفينة مرمرة في أسطول الحرية عام ٢٠١٠ حيث حاول كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
رغم أهمية الأشخاص الذي أمر القاضي الإسباني بإعتقالهم بمجرد وجودهم على الأراضي الأسبانية بسبب وجود ضحايا أسبان في الحادثة، فإضافةً إلى نتنياهو تضم اللائحة كل من وزير الدفاع السابق إيهود باراك، ووزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، ووزير الشؤون الاستراتيجية السابق والجيش حاليًّا موشيه يعالون، ووزير الداخلية السابق إيلي يشاي، ونائب الأميرال مارون إليعازر الذي كان مسؤولًا عن العملية، إلى أن مفاعيل القرار تتعدّى هذا الجانب، لتؤسس لواقع متأزم بين الكيان الإسرائيلي ومدريد، بعد فترة الفتور السابقة.
لم يكن القرار الأوروبي الجديد وليد الصدفة، بل جاء بعد سلسة من القرارات الأوروبية تجاه الكيان الإسائيلي بسبب قضيّة مرمرة والعدوان على عزة والإستيطان، حتى أن المواجهة الإسرائيلية لم تعد تقتصر اليوم على القارة الأوروبية، بل أن هذه العدوى سرت بإتجاه أفريقيا حيث أصدرت شرطة جنوب إفريقيا قبل أيام أوامر بإعتقال ضباط كبار سابقين في الجيش الإسرائيلي، على رأسهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، بسبب عملية اقتحام سفينة أسطول الحرية “مرمرة”.
المقاطعة الدولية
يبدو أن حركة المقاطعة الدولية ” BDS “باتت تشكّل تهديد حقيقي لشرعية هذا الكيان في المحافل الدولية، خاصة أن مذكرات الإعتقال هذه لم تكن الأولى، فقبل أيام فقط، أقرّ الإتحاد الأوروبي قانون جديد يقضي بوضع ملصقات على المنتجات المصنعة في المستوطنات التي بنيت في الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان على أنها سلع منتجة في مستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية، في إشارة واضحة لرفض أوروبا لهذا الإجراء وإعتبار الكيان الإسرائيلي محتلاً لهذه الأراضي، رغم أنه في الواقع يحتل كافّة الأراضي الفلسطينية.
لاشك في أن الكيان الإسرائيلي سيسعى لمعالجة هذه الإجراءات الذي وجدها المتحدث باسم خارجية الاحتلال، عمانوئيل نحشون، إستفزازية، حيث أوضح نحشون “أننا نعمل مع السلطات الإسبانية لإبطالها، ونأمل أن نستطيع حل القضية في أسرع وقت ممكن”، إلا أن مفاعيل القرار لا تنتهي مع رفع الدعوة عن نتنياهو، أو حتى زيارته لمدريد. فلعلّه من أهم مفاعيل هذه القرارات، وتلك العريضة التي وقّع عليها ١١٠ ألاف مواطن بريطاني لمنع زيارة نتنياهو إلى بلادهم والمطالبة بإعتقاله، وتظاهرهم أثناء الزيارة وترديد هتافات مثل “اوقفوا نتنياهو ” او “مجرم حرب “ ، هو بروز وعي جديد لدى النُخب المثقفين في أوروبا تعارض السياسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
سيزيد هذا القرار من الشرخ القائم بين العديد من الدول الأوروبية وتل أبيب، كما أنه سيجبر الكيان الإسرائيلي على إجراء “جردة حسابات” قبل تنفيذ أي إعتداء بحق الشعب الفلسطيني الذي نجح عبر بعض المؤسسات الأهلية والمبادرات الفردية، لا الحكومية أو الحزبية، في إيصال ألام الشعب الفلسطيني إلى ما وراء البحار، الأمر الذي دفع بحكومات هذه الدول لإتخاذ بعض من الإجراءات اللازمة بحق الكيان الإسرائيلي.
أيضاً، لا يمكن لمحكمة العدل الدولية بعد هذه القرارات أن تتجاهل جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الإحتلال الإسرائيلي، كما أنه من المرجّح أن تصل عدوى محاسبة الكيان لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في العديد من الدول التي تعد داعمة للكيان الإسرائيلي، لاسيّما أمريكا وكندا، ما قد يؤثر إما على قرارت هذه الدول أو على حريّة هذه المؤسسات، كما هو متوقّع.
في الخلاصة، إن رسائل القرارات الأوروبية والأفريقية تفوق بأهميتها الأشخاص المطلوبين للقضاء رغم أنهم قيادات الصف الأول في الكيان الإسرائيلي، بل تؤكد أن تل أبيب باتت معزولة في بيئتها الحاضنة سابقاً أي أوروبا، ما دفعهاً إلى البحث عن بيئة حاضنة جديدة في المنطقة، وهذا ما شاهدنا بوادره في لقاء اللواء عشقي مع دوري غولد في واشنطن.