تقدم عمليات “داعش” الإرهابية خدمات لا تقدر بثمن لـ”اسرائيل” بتدمير دول الجوار، وتشجع اليمين المتطرف على تمرير قوانين وإجراءات عنصرية، ووأد عملية التسوية مع الفلسطينيين.
“إسرائيل” تجير كل عمليات “داعش” وأخواتها لمصلحتها، ومنذ صعود الحركات الإسلاموية المتطرفة، تجني الدولة العبرية فوائد ومكاسب جمة. وتعمل على تلميع صورتها خارجيا، والتطرف في سياساتها الداخلية، وتدمير عملية التسوية السياسية بحجة غياب البديل.
وتطغى مقاطع الفيديو عن الذبح بالسكاكين والحرق على جرائم “إسرائيل”، لتظهر بمظهر الضحية في وسط عالم إسلامي متوحش. وفي وقت تتصدر جرائم “داعش” والجهود الدولية لمحاربتها العناوين، يتراجع الاهتمام الإعلامي بالقضية الفلسطينية، وتتوقف عمليا كل الجهود الدولية لدفع عملية التسوية السياسية بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”. وتستغل حكومة بنيامين نتنياهو انشغال العالم بجرائم “داعش” للتغطية على انتهاكاتها اليومية بحق الفلسطينيين في الضفة وغزة وداخل الخط الأخضر، وتعمل على تصعيد الانتهاكات وتشريعها عبر سن قوانين عنصرية ومتشددة، والقيام بإجراءات تقوض حل الدولتين نهائيا، وتفرض قيودا إضافية على المواطنين العرب في داخل الخط الأخضر.
نتنياهو كرر تلميحات سابقة، كان أطلقها في واشنطن، بشأن إجراءات أحادية الجانب في الأراضي الفلسطينية، ولم يستبعد رئيس الحكومة “الإسرائيلية” ضم أجزاء من الضفة الغربية، وقال في مؤتمر بالقدس إن “هناك عدة خطوات أحادية وعدة توجهات، انتظروا لتروا. وليس جميعها بالاتجاهات التي يتوقعها الناس”.
وأوضح نتنياهو أن “هناك 3 جوانب لصنع السلام: اتفاقات سياسية، الأمن، والازدهار… إسرائيل تقوم بخطوات أحادية حتى الآن في مجال الأمن والاقتصاد… ولكن في حال انعدام الأمن والاقتصاد، هناك مجال لها سياسيا…”.
وفي داخل الخط الأخضر داهم الأمن “الإسرائيلي” مكاتب الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي برئاسة الشيخ رائد صلاح، وأعلنت الحكومة الأمنية المصغرة “الكابينيت” أن الحركة خارجة عن القانون. ولا يمكن إدراج هذه الخطوة التصعيدية إلا في إطار استغلال “إسرائيل” للأجواء الدولية والإيحاء بأنها تحارب “الإرهاب الإسلامي”.. وفي الحقيقة، الهدف يكمن في الانتقام من دور الشيخ صلاح وحركته التي وقفت بحزم مع الجماهير العربية في داخل الخط الأخضر ضد كل محاولات “إسرائيل” لاقتحام المسجد الأقصى، وتمرير مشروعات التقسيم الزماني والمكاني في الحرم القدس. كما ترمي “إسرائيل” إلى تسجيل سابقة لاستهداف مواطنيها العرب عبر ضرب تنظيمات ذات طابع إسلامي قد يتبعها استهداف أي تنظيمات وأحزاب أو حتى شخصيات سياسية ذات توجهات قومية أو يسارية يجمع بينها النضال من أجل المساواة في “إسرائيل”، وإعطاء الشعب الفلسطيني الحرية في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال المتواصل منذ عدة عقود.
وتتنوع خدمات “داعش” وأخواتها لـ”إسرائيل”، فلحل الأزمة الديمغرافية في الدولة العبرية، أشاعت الحكومة “الإسرائيلية” جوا من الترهيب والتخويف في صفوف اليهود في فرنسا بعد عمليات باريس الإرهابية الأخيرة. وطلب نتنياهو من وزارة الخارجية في تل أبيب نقل رسالة إلى السلطات الفرنسية لتعزيز الإجراءات الأمنية حول المصالح والمنشآت اليهودية في فرنسا، خشية تعرضها لاعتداءات جديدة، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع منسوب الخوف والرعب لدى اليهود الفرنسيين. ويبدو أن نتنياهو يسعى إلى تجيير العمليات الإرهابية الأخيرة بطريقة جديدة بعدما وجهت له انتقادات واسعة إثر تكراره العلني دعوة اليهود إلى الهجرة إلى “إسرائيل” عقب أي عمل إرهابي يضرب أي بلد في العالم.
واستطاعت “داعش” إشغال جيوش المنطقة في حربها، وتخوض حرب استنزاف مع الجيش المصري في سيناء، وبالرغم من وجودها مع تنظيمات تشاركها نفس العقيدة على حدود “إسرائيل” فإنها لم تستهدف أي مصالح “إسرائيلية” حتى الآن.
وعلى العكس فقد جنت “إسرائيل” مليارات الدولارات كمساعدات لمواجهة المخاطر الأمنية بسبب توسع “داعش” والحركات الجهادية الأخرى. ومع المشاركة في تدمير البنية التحتية في مناطق واسعة من سوريا فإن أحلام المتطرفين اليهود مثل وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان بإعادة سوريا إلى القرون الوسطى تتحقق من دون دفع أي ثمن.
واقتصاديا فإن العملية الإرهابية في سيناء والتي استهدفت طائرة تقل سياحا روسا، جلبت خسائر بمليارات الدولارات في مصر، ووجهت ضربة موجعة لواحد من أهم قطاعات الاقتصاد المصري، ومصادر دخل العملة الأجنبية. وفي المقابل فإن “إسرائيل” سوف تكسب جزءا كبيرا من هذه المبالغ عبر توجه جزء من السياح الغربيين والروس إلى منتجعاتها على البحرين الأحمر والميت. وتسعى “إسرائيل” إلى تجيير كل التطورات لخدمة سياستها والتغطية على جرائمها اليومية وإرهاب احتلالها، وتشن حملة ضد العرب داخل الخط الأخضر وضد السلطة وحماس في الوقت ذاته. وتحاكي هذه الحملة ما قام به رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون بعد الهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة في 11 سبتمبر على الولايات المتحدة ، وحينها أطلق الجيش “الإسرائيلي” عملية السور الواقي وانتهى إلى حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات في المقاطعة لفترة طويلة قبل خروجه مصابا بمرض غريب.
ومؤكد أن التاريخ سيكشف عن حقيقة “داعش” و”القاعدة” ومؤسسيها، لكن الواضح أن مصلحة “إسرائيل” تكمن في إنشاء تنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة” لو لم تكن موجودة في الطبيعة، فلا يمكن تصور حجم الخدمات الجليلة التي قدمتها وتقدمها هذه التنظيمات لتلميع صورة “إسرائيل”، وتنفيذ أجندة أحزابها اليمينية.
– الاتجاه