لم تثنِ الإعتراضات العراقية التي وصلت إلى مجلس الأمن الدولي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قراره ببقاء القوات التركية على أراضي الموصل. أردوغان حسم بالأمس موقفه بعد ٤٨ ساعة على مهلة الـ٤٨ ساعة التي أمهلته إياها الحكومة العراقية، وأكّد أن “أنقرة ليست في وارد سحب قواتها من العراق والتي تتواجد هناك لمهمات تدريبية.”
دخول قوات أردوغان إلى الأراضي العراقية جاء بتنسيق تام مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، الذي لم يدن، وحده على الساحة العراقية، هذا الإعتداء التركي، بل سجّلت الأيام القليلة الماضية أكثر من لقاء بين إقليم كردستان وحكومة أنقرة. ولكن عند مطالعة الجهة العراقية، وتحديداً رئيس الوزراء حيدر العبادي نرى أن تصريحات أردوغان عن موافقة الحكومة العراقية على دخول قوات تركية “إدعاء مضلّل”، وفق العبادي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا هذا الإصرار على البقاء في معسكر بعشيقة؟ ولماذا هذا التوقيت بالضبط؟
عند مطالعة المشهد الإقليمي، والتحرك التركي الأخير، لا يمكن فصل المشهد العراقي عن نظيره السوري، خاصّة أن “الواقع الداعشي” كما طموحات أردوغان تنتشر على الساحتين، ففي حين يسعى الرئيس التركي لإسقاط الرئيس الأسد وضرب أي مشروع كردي على الحدود السورية التركية المشتركة، يسعى جاهداً لتعزيز علاقته مع إقليم كردستان العراق طمعاً في النفط والنفوذ خارج الحدود التركية، في سياسة تعيد إلى الأذهان الدولة العثمانية، ولكن بحلّة جديدة. وأما بالنسبة لإصرار أردوغان على البقاء في الداخل العراقي فتجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: جاء التدخّل التركي بعد أيام على توتّر العلاقة مع روسيا، ونشر الأخيرة لمنظومة الـ اس٤٠٠ في سوريا مما يقطع الطريق على الكثير من مشاريع أردوغان هناك. ولكن بعد أن لمس أردوغان تقارباً روسياً عراقياً برعاية إيرانية حيث من الممكن أن يتكرّر السيناريو نفسه في بغداد، سارع إلى رفع عديد القوات التركية المتواجدة في معسكر بعشيقة.
ثانياً: الرئيس التركي قال إن اجتماعا ثلاثيا، بين مسؤولين من تركيا وأمريكا وحكومة إقليم كردستان العراق، سيعقد في ٢١ ديسمبر/ كانون الأول، فهل يريد أردوغان من خلال إستبعاده للعراق أن يتعاطى مع المسألة وكأنها شأن كردي، وهل يريد أخذ الضوء الأخضر الأمريكي علنيةً بعد الاجتماع بمسعود البرزاني والطرف الأمريكي؟
ثالثاً: لا ندري أهداف أردوغان الأخرى من الإعتداء على العراق فهل يريد إيجاد “حشد سني” جديد لمواجهة “الحشد الشعبي”، أم أنه يريد تقويض أي دور لحزب العمال الكردستاني، أم أن هذه الخطوة تهدف لشدّ عضد تنظيم داعش الإرهابي بعد الضربات الموجعة التي تلقّاها مؤخراً عبر إدخال العراق وقوات الحشد الشعبي والقوات الأمنية في “معمعة” هي بالغنى عنها حالياً.
رابعاً: هل يريد الرئيس التركي المضي بمشروع التقسيم الأمريكي في العراق الذي قصم ظهره الحضور الشعبي في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي بعد فتوى المرجعية الدينية، إن لم يكن كذلك، فلماذا يتهم أردوغان ما أسماها السياسات العراقية والإيرانية السبب الأساسي لصعود الطائفية في المنطقة لاسيما في سوريا، حسب زعمه.
رابعاً: هل هناك صلة لما حدث مؤخراً بين القوات الكردية والحشد التركماني مع ما يحصل اليوم في معسكر بعشيقة؟ ألا يدل هذا على وجود تنسيق تركي كردي لتقسيم العراق، مرحلياً، إلى شطرين عربي وكردي، ريثما تتشكّل البنية للشطر الثالث، السني؟
خامساً: هل يريد أردوغان من خلال إصراره على البقاء في الموصل، جرّ روسيا، عبر طلب من الحكومة العراقية، للتدخل في العراق، وبذلك يعطي الرئيس التركي المجال لنفسه للدخول إلى الأراضي السورية، وبذلك يكون الأمر “ضربة بضربة”.
يدرك الرئيس التركي جيّداً أنه من الصعب حالياً على الحكومة العراقية الدخول في مواجهة مباشرة مع القوات التركية هناك، نظراً لإنشغالها بالإرهاب الداعشي الذي يشكّل خطراً أكبر على بغداد من ناحية، وبسبب البعد والواقع الجغرافي غير المساعد للطرف العراقي من ناحية أخرى، لذلك يمكننا حصر الأهداف الأردوغانية التكتيكية والتي تخدم الإستراتيجية، بعنوانين رئيسيين؛ الأول يتمثّل ببدء التفاصيل التنفيذية لمشروع التقسيم، الكردي حالياً، ولعل للإجتماع الثلاثي المرتقب في ٢١ ديسمبر/ كانون الأول بين مسؤولين من تركيا وأمريكا وحكومة إقليم كردستان الكلمة الفصل. والثاني، قطع الطريق على أي مشروع روسي يمنع الحضور التركي في العراق كما حصل في سوريا، وربّما مقدّمة لتدخل تركي مرتقب على الساحة السورية.
شاهد أيضاً
سكان إسطنبول يقرعون الأواني في وجه أردوغان
اعترض عدد من سكان أحياء مدينة إسطنبول التركية على نتيجة الاستفتاء الدستورية الذي تقدم به ...