الرئيسية / من / في ظلال الأوامر الإلهية لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم

في ظلال الأوامر الإلهية لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم

سار النبي بالدعوة في طريق الزهد وترك الزينة وندب نساءه إلى ذلك. قال تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً. يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً. ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقاً كريماً. يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً.

وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى. وأقمن الصلاة وآتين

____________

(1) سورة الأحزاب آية 29.
——————————————————————————–
الصفحة 26
——————————————————————————–

الزكاة وأطعن الله ورسوله) (1).

قال صاحب تفسير الميزان: آيات راجعة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأمره أولاً: أن ينبئهن أن ليس لهن من الدنيا وزينتها إلا العفاف والكفاف إن اخترن زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تخاطبهن ثانياً: إنهن واقفات في موقف صعب على ما فيه من العلو والشرف، فإن اتقين الله يؤتين أجرهن مرتين. وإن أتين بفاحشة مبينة يضاعف لهن العذاب ضعفين، ويأمرهن بالعفة ولزوم بيوتهن من غير تبرج، والصلاة والزكاة وذكر ما يتلى في بيوتهن من الآيات والحكمة. ثم يعد مطلق الصالحين من الرجال والنساء وعدا بالمغفرة والأجر العظيم فقوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك) إلى تمام الآيتين. أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخيرهن بين أن يفارقنه ولهن ما يردن، وبين أن يبقين عنده ولهن ما هن عليه من الوضع الموجود. وقد ردد أمرهن بين أن يردن الحياة الدنيا وزينتها، وبين أن يردن الله ورسوله والدار الآخرة. وهذا الترديد يدل: أن الجمع بين سعة العيش وصفائها بالتمتع مع الحياة وزينتها وزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعيشة في بيته مما لا يجتمعان.

ونتبين من الآيات أن ليس لزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث هي زوجية كرامة عند الله تعالى، وإنما الكرامة المقارنة لزوجيته المقارنة للإحسان والتقوى. ولذلك لما ذكر سبحانه ثانياً علو منزلتهن، قيده أيضاً بالتقوى فقال تعالى (لستن كأحد من النساء إن اتقتين) وهذا كقوله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً). إلى أن قال عز وجل (وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أجراً عظيماً)

____________

(1) سورة الأحزاب آيات 28 – 33.

 

حيث مدحهم عامة بظاهر أعمالهم أولاً، ثم قيد وعدهم الأجر العظيم بالإيمان والعمل الصالح (1).

وقال ابن كثير لدى تفسيره الآية: هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال. ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل (2).

وقال في الميزان في قوله تعالى (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً) التمتيع إعطاؤهن عند التطليق ما لا يتمتعن به، والتسريح هو التطليق، والسراح الجميل: هو الطلاق من غير خصومة ومشاجرة بين الزوجين (3).

وقوله تعالى (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب شعفين) الآية، عدلي سبحانه عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهن، إلى مخاطبتهن أنفسهن لتسجيل ما لهن من التكليف وزيادة التوكيد. وقوله (من يأت منكن بفاحشة مبينة) الفاحشة: الفعلة المبالغة في الشناعة والقبح وهي الكبيرة. كإيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والافتراء والغيبة وغير ذلك، والمبينة: هي الظاهرة.

وقوله تعالى (ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين) الآية. القنوت: الخضوع، وقيل: الطاعة، وقيل: لزوم الطاعة مع الخضوع، والاعتداد. التهيئة، والرزق الكريم مصداقه الجنة.

والمعنى: ومن يخضع منكن لله ورسوله. أو لزم طاعة الله ورسوله مع الخضوع، ويعمل عملاً صالحاً نعطها أجرها مرتين. وهيأنا لها رزقاً كريماً

____________

(1) تفسير الميزان 306 / 16.

(2) تفسير ابن كثير 480 / 3.

(3) تفسير الميزان 306 / 16، ابن كثير 481 / 3.
——————————————————————————–
الصفحة 28
——————————————————————————–

وهي الجنة.

وقوله تعالى (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) الآية. فالآية تنفي مساواتهن لسائر النساء إن اتقين، وترفع منزلتهن على غيرهن. ثم تذكر أشياء من النهي والأمر، متفرعة على كونهن لسن كسائر النساء كما يدل عليه قوله تعالى (فلا تخضعن بالقول) وقوله (وقرن) وقوله (ولا تبرجن) الخ، وهي خصال مشتركة بين نساء النبي صلى الله عليه وآله. وسائر النساء، فتصدير الكلام بقوله (لستن كأحد من النساء إن اتقيتن) ثم تفريع هذه التكاليف المشتركة عليه، يفيد يأكد هذه التكاليف عليهن. كأنه قيل: لستن كغيركن. فيجب عليكن أن تبالغن في امتثال هذه التكاليف، وتحتطن في دين الله أكثر من سائر النساء، وتؤيد بل تدل على تأكد تكاليفهن. مضاعفة جزائهن. خيراً وشراً، كما دلت عليها الآية السابقة، فإن مضاعفة الجزاء لا تنفك عن تأكد التكليف.

وقوله تعالى (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) بعد ما بين علو منزلتهن ورفعة قدرهن لمكانهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشرط في ذلك التقوى فبين أن فضيلتهن بالتقوى لا بالاتصال بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، نهاهم عن الخضوع في القول، وهو ترقيق الكلام وتليينه مع الرجال، بحيث يدعو إلى الريبة وتثير الشهوة، فيطمع الذي في قلبه مرض. وهو فقدانه قوة الإيمان. التي تردعه عن الميل إلى الفحشاء.

وقوله تعالى (وقلن قولاً معروفاً) أي كلاماً معمولاً مستقيماً يعرفه الشرع والعرف الإسلامي. وهو القول الذي لا يشير بلحنه إلى أزيد من مدلوله.

وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)
——————————————————————————–
الصفحة 29
——————————————————————————–

إلى قوله (وأطعن الله ورسوله).

قال المفسرون: أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة. لأن المرأة أقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها (1) وقيل: (قرن) من قر يقر. إذا أثبت. وأصله: أقررن، حذفت إحدى الرائين، أو من قار.

يقار: فإذا اجتمع، كناية عن ثباتهن في بيوتهن ولزومهن لها، والتبرج:

الظهور للناس كظهور البروج لناظريها. وقوله (الجاهلية الأولى) قيل:

الجاهلية الأولى قبل البعثة، فالمراد الجاهلية القديمة. وقوله تعالى (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) أمر بامتثال الأوامر الدينية. وقد أفرد الصلاة والزكاة بالذكر من بينها، لكونهما ركنين في العبادات والمعاملات، ثم جمع الجميع في قوله تعالى (وأطعن الله ورسوله) وطاعة الله هي امتثال تكاليفه الشرعية، وطاعة رسوله فيما يأمر به وينهى بالولاية المجعولة له عند الله. كما قال تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (2).

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...