من بين بساتين النخيل ودفق مياه أنهرها الدافئة وطيبة أرضها، في ربوع جنوب وطننا الحبيب في منطقة الچباسي التابعة لقضاء شط العرب في البصرة الفيحاء، التي تتميز ببساطة أهلها وفطرتهم السليمة وطيبتهم، كانت ولادة الثائر الحسيني المقدام أبي آيات المازني عام1957م.
ينتمي إلى أسرة عُرفت بالإيمان والحب والولاء الصادق لأهل البيت عليهمالسلام تلك الأسرة التي تعلمت من هدي الحسين الشيء الكثير فكان عطاؤها للإسلام كثيرا، فقد قدّمت أسرة المازني أڪثر من ثلاثة عشر شهيدا على طريق ذات الشوكة، فوالد الشهيد الحاج عبدالله المازني مات كمدا على ابن عمه الشهيد صلاح الذي أعدمه النظام وأبلغوه بعدم إقامة الفاتحة عليه وكذلك استشهد أعمامه في سجون حزب البعث الكافر.
من تلك الأجواء تغذى الإيمان وحب الإسلام، فنشأ إنسانا متدينا ملتزما منذ نعومة أظفاره، فكان والده يتوسم به كل معاني الخير والعاقبة الحسنى، ولذا أوصى إليه بوصيته دون إخوانه الذين يكبرونه.
كان طالبا في السادس العلمي في مدرسة شط العرب، وكان شعلة وقّادة للإسلام في طريق التغيير، في مجتمع استشرت فيه أفكار البعث المسمومة، فأعلن رفضه لذلك الحزب المشؤوم، ولذا كان عرضة لمطاردة وملاحقة النظام، فاعتقل وأُودع السجن وعُذَّب في سجون الأمن العفلقي ثم أُفرج عنه.
عندما شن صدام المجرم حربه الظالمة على الجارة المسلمة إيران، أخذ يزج بالشباب العراقي من أبناء القوات المسلحة في تلك المحرقة التي لاناقة لهم فيها ولاجمل، فأبى أن يكون أداة طيّعة بيد النظام لتنفيذ مآربه، إلى أن أتيحت له فرصة الخلاص من هذا الموقف الذي كان يؤرقه ليلا ونهارا، فهاجر عن طريق قوات البيشمرگة الكردية وبمساعدة مقر حزب الدعوة الإسلامية في منطقة حياة، استطاع الوصول الى الجمهورية الإسلامية بتاريخ20/10/1983م، واستقر في نهاية المطاف في مخيّمٍ اللاجئين في مدينة كرج الواقعة غرب العاصمة طهران ثم التحق بإخوانه المجاهدين في قوات بدر بتاريخ11/3/1983م، وعمل في فوج أنصار الحسين بعدها اختير ليكون آمرا لإحدى سراياه.
اشترك في كل العمليات التي نفذها المجاهدون في هور الحويزة، منها معارك القدس وعاشوراء، ثم شارك في عمليات كربلاء الثانية في حاج عمران.
أُنتخب مساعدا لآمر فوج جديد سمي بكربلاء الثانية، ثم اشترك في عمليات تحرير حلبچة فكانت إدارته لعمليات الفوج إدارة جيدة.
عُرف بصفاء قلبه وسمو روحه ورفعة أخلاقه، كان الإخلاص سمة مميزة له، وكان يتحرق ألما على إخوانه المحتاجين، ويعمل بصمت لمساعدتهم. كان كثير العبادة، وصلاة الليل كانت جزءا من برنامجه الليلي، وكان أنسه القرآن، تجده في خطبة المتقين لأمير المؤمنينعليهالسلام فهو ولي من أولياء الله الصالحين بحق. كما عُرف بسخاء نفسه وطيبته وإيثاره، فهو يقوم بتوزيع راتبه الشهري على إخوانه المحتاجين من المجاهدين ولايبقي لديه إلا النزر القليل الذي لايكاد يسد حاجته. يقول عنه الشهيد أبوكرار (أسأت إليه يوما فقدّم لي النصيحة والإرشاد، فرأيت في المنام رجلا يقول لي (لا تؤذوا أباآيات فإنه ولي من الأولياء).
ختم حياته المليئة بالبذل والعطاء، والتضحية والفداء، على ربى شاخ شميران يوم15/4/1988م، عندما قاد فوجه في ملحمة من ملاحم البطولة والفداء، حيث سطّر صورا من الشجاعة والإيثار قل نظيرها، إلى أن جُرح جرحا بليغا بإحدى القذائف البعثية، فأُسر ولازال وهو في ذلك الحال في عزه وشموخه يؤنب جنود صدام على نصرتهم للطاغية، فاشتدَّ حنقهم فقاموا بصب النفط عليه وعلى إثنين أسرا معه فأحرقوا وهم أحياء، واستشهد صبرا مقتديا بالحسين عليهالسلام مجسدا قول الشاعر:
ففي الشواهين جبن وهي طائرة وفي الصقور شموخ وهي تحتضر
ومن وصيته رضواناللهتعالىعليه (اشهد ياإلهي وربي وسيدي ومولاي… مالي من حول ولاقوة إلا بك ولاأتوكل إلا عليك، اللهم اجعل توكلي عليك صادقا، ونيتي خالصة لك، ليس لي فضل في الجهاد وهو نعمتك… ولابنفسي فهي خلقك تعمل ما تشاء… إلهي نذرت نفسي للجهاد لعلي أحظى برضاك… اللهم احشرني في زمرة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم …
أوصي إخواني المجاهدين خير ما وصّى به أهل البيتعليهمالسلام بتقوى الله ونظم أمركم واتباع نهج وخط محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم … لمُّوا شملكم واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرّقوا، وكونوا يدا على مَنْ سواڪم…
إخواني المؤمنين: ارفعوا لواء التآخي والوحدة، فإنها قربانكم الذي ترفعونه وتقدمونه إلى الله وأهل البيتعليهمالسلام لتكسبوا محبتهم وذودوا عن حرمة الدين وحافظوا على بيضة الإسلام).