رغم مرور عشر سنوات على دخوله حيّز التنفيذ، لم تنجح كافّة السياسات الناعمة والخشنة في إسقاط إتفاق مارمخايل الموقّع في6 فبراير/شباط 2006 بين السيد نصرالله والجنرال عون. التحالف الأبرز في تاريخ الجمهورية اللبنانية صمد في أعتى الظروف بدءاً من العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 مروراً بكافّة الأزمات الحكومية وصولاً إلى معركةً الرئاسة اللبنانية حيث يرى حزب الله الجنرال عون ممراً إلزامياً إلى بعبدا، مردداً في كل الجلسات عبارةً يتيمة: مرشحنا الدائم للرئاسة هو العماد عون.
اليوم، تمرّ الذكرى العاشرة لتوقيع ورقة التفاهم، الورقة التي إستطاعت أن تصمد في لبنان رغم الاهتزازات الكبيرة التي مرت بهذا الوطن وحوله، بل قدّمت صورة راقية يتحذى بها في الداخل اللبناني لتلاقي المختلفين تحت سقف الوطن، فالجنرال عون الذي كان من أبرز المعارضين لحزب الله عندما كان في المنفى، غدا اليوم، ومنذ عودته إلى الوطن، من أبرز حلفائه.
لم تخل السنوات العشر الماضية من التصويب الممنهج على تحالف السيد – الجنرال، بل عمدت العديد من قوى الـ14 من آذار لرزع بذور الفتنة بين الفريقين، إلا أن حكمة السيد وفطنة الجنرال قطعت الطريق على كافّة هذه المؤمرات التي كان يطالعنا بها الإعلام اللبناني تحت ذريعة “الجميل ورد الجميل”، وكأن العلاقة بين الطرفين قوامها “المتاجرة السياسية”، لا الشراكة الوطنية.
الواقع أثبت أن ورقة التفاهم تعدّت التحالف السياسي، وغدت دستوراً وطنياً للعلاقة بين مكونين بارزين على الساحة اللبنانية، ولو كانت العلاقة غير ذلك، لـ”باع” الجنرال الحزب في العام 2006، أمام العروض الغربية، ولترك حزب الله التيار وحيداً في أغلب معاركه السياسية الداخلية، آخرها الرئاسة اللبنانية، وتحديداً لناحية الوقوف إلى جانب الزعيم المسيحي والحليف القديم للحزب النائب سليمان فرنجية.
لا تخفي الدائرة المقرّبة من السيد نصرالله والجنرال عون دور الإندماج الشخصي بين الرجلين في تمكين العلاقة التي إقتصرت قبل 6 شباط 2006 على إتصال هاتفي يتيم في العام 1997 من الجنرال عون بالسيد نصرالله معزياً بإستشهاد نجله الشهيد السيد هادي في الجبل الرفيع. وهذا ما أوضحه السيد نصرالله في مقابلة قناة الـ “أو تي في” عن أوّل لقاء جمعهما في ذلك التاريخ “لم أشعر في أي لحظة أننا لم نلتقِ من قبل، كانت هناك ثقة”.
الثقة المتبادلة، أفضت إيحابية نوعية على العلاقة بين الطرفين إنتقلت من “ورقة التفاهم” إلى مرحلة التحالف ولاحقاً إلى مرحلة “التكامل الوجودي”. التكامل الوجود بين الطرفين إنعكس في مقاومتين تحت سقف الوطن، الأولى في مواجهة الخطرين الإسرائيلي والتكفيري، والأخيرة لمواجهة الفساد المستشري في الدولة اللبنانية، وكلاهما على طريق “لبنان القوي”، لا الضعيف كما أراده، ويريده، البعض.
لقد رسّخ عقد كامل من التفاهم والوئام بين “سماحة السيد” و”سيادة العماد” رسالة يحتذى بها من كلّ الجوانب ولكل الأطراف في الداخل اللبنانيين، فنيران الطائفية المستعرة في المنطقة فشلت في إحراق ورقة إجتازت كافّة الإختبارات الصعبة في تاريخ لبنان، بدرجة إمتياز، لذلك، وفيما يخص حصاد السنوات العشر من “الإتفاق التاريخي” تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: إن ورقة تفاهم الحزب والتيار نموذج تحتذى به كافّة التحالفات السياسية اللبنانية، والتي تعودنا عليها في السابق أن تميل مع كل ريح، وبالتالي لقد قدّم “سماحة السيد”، كما يناديه الجنرال، “وسيادة العماد” كما يحب أن يناديه السيد صورة راقية لكافّة الحلفاء والمتخلفين.
ثانياً: إن “ورقة التفاهم” كانت بمثابة الضمانة الوطنية التي جنّبت لبنان ويلات الفتن في أصعب الظروف التي مرّت بها المؤسستين السياسية والعسكرية، خاصّة أن هذه التجربة أثبتت أن سقف الوطن يعلو على الطائفية والمذهبية التي ينفخ فيها البعض لتحقيق بعض المكاسب السياسية هنا والإقتصادية هناك، فتحالف التيار الوطني الحر وحزب الله كان عابراً للطوائف والإنقسامات المذهبية.
ثالثاً: لقد عزّز لقاء 6 شباط 2006، الذي أتبعه جمهور الحزب والتيار بسهرات التعارف والمحبة في ساحتي رياض الصلح والشهداء إبان الإعتصامات في وسط بيروت، عزّز المناعة الوطنية لدى شريحة كبيرة من أبناء الشعب اللبناني الذي عاش حوالي ربع قرن من الحرب الأهلية، مدعّماً أواصر اللحمة والتفاهم والحوار بين اللبنانيين.
رابعاً: لعل منطق الحوار الذي تكرّس قبل عقد من اليوم هو أبرز ما نحتاجه حالياً بين القوى السياسية من ناحية، وأطياف المجتمع اللبناني من ناحية آخرى، لأن قوّة لبنان اليوم تكمن في العيش المشترك وليس في الضعف وإيجاد المسافات بين أبناء الشعب اللبناني.
لن تنتهي التحديات السياسية للعلاقة بين الطرفين في يوم من الأيام، وحتى مع وصول الجنرال عون إلى كرسي بعبدا، لأن الحوار جاء للتفاهم وليس إلغاء أحد على حساب الآخر، كما أن الحكمة ومبدأ الثقة المتبادلة نقاط عدّة كفيلة بصيانة سنوات”العِشرة” العشر بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.