بينما لازالت تستمر ماكنة الإعلام العربي الممولة بملايين الدولارات من السعودية، ضد إيران لتشويه مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني، تطرح الرياض وعواصم عربية اخری تابعة لها، مشاريع مؤلمة لتدمير ما تبقی من سوريا من خلال إرسال عشرات الآلاف من المرتزقة لهناك. نحن لا نعاتب الزعماء العرب ولا نتوقع منهم أن يدعموا الشعب الفلسطيني أو أن يقفوا بوجه الکيان الإسرائيلي علی الإطلاق، بل علی العكس من ذلك، نتوقع منهم دائما أن يدعموا هذا الکيان عبر التآمر معه وخلق الأزمات للدول التي تقف بكل قدراتها ضده وتأتي سوريا وإيران في مقدمة هذه الدول. لكن عتابنا موجّه للشعوب العربية التي لا تحرك ساكناً فيما يخص الأحداث الجارية في العالم الإسلامي، خاصة في سوريا وفلسطين. ونسأل لماذا لا تصرخ ولا تحتج هذه الشعوب علی السعودية التي تريد أن ترسل عشرات الآلاف من القوات البرية الی سوريا بدل أن ترسل مثل هذه القوات لدعم الإنتفاضة الفلسطينية؟. بالطبع أن موقف الشعوب العربية الضعيف وصمتها إزاء سياسات السعودية تجاه الیمن وسوريا وخاصة فلسطين، لا يمكن تبريره علی الإطلاق وهو صمت في غير محله.
الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة (إنتفاضة القدس) دخلت شهرها الخامس، واستشهد خلال هذه الإنتفاضة حتی الآن أكثر من 170 فلسطيني، جامعة الدول العربية، الزعماء العرب، رؤساء الوزراء والبرلمانات العربية، جميعهم في غفلة من أمرهم، وكأن لا شيء يحدث في فلسطين. الإهتمام منصب من قبل هذه الجهات فقط علی تخويف المنطقة من دور إيران وحزب الله وبقاء الأسد في السلطة!. واما الکيان الإسرائيلي فهو لا يرتكب جرائم ولا يمثل خطرا علی العرب، وفق قاموس سياسة الدول العربية!.
نعرف جيدا أن مفهوم الحمية الإسلامية بات منعدما لدی الكثير من الزعماء العرب ولهذا لا نتوقع من هؤلاء أن يقدموا طلقة واحدة للشبان الفلسطينيين في الضفة الذين يواجهون الكيان الإسرائيلي بأيدٍ خالیة من السلاح. لكن علی الأقل كنا نتوقع من العرب أن يخصصوا قليلا من برامج فضائياتهم لدعم إنتفاضة الفلسطينيين إعلاميا، إن كانوا في قمة العجز عن إيصال السلاح والمال الی الفلسطينيين. لكن الزعماء العرب علی ما يبدو حتی في مجال الاعلام لا يجدون الجرأة الكافية علی دعم الفلسطينيين وفضائياتهم تبث كل شيء سوی برامج لدعم إنتفاضة القدس. ماذا يمكن أن نسمي هذا، هل هو تآمر علی الفلسطينيين أم عجز من قبل العرب لنصرة هؤلاء المنتفضين علی الکيان الإسرائيلي؟.
إيران، سوريا وحزب الله، لم يغيروا سياساتهم تجاه القضية الفلسطينية رغم إنزعاجهم من تصرفات بعض قادة فصائل المقاومة دون أن نتطرق لأسمائهم، بسبب خذلانهم لسوريا باعتبارها الدولة العربية الوحيدة التي آوت المقاومة الفلسطينية ودعمتها بالمال والسلاح، وتركوها لوحدها. ولو سألت من اطلق آلاف القذائف والصواريخ من المقاومين الفلسطينيين علی الکيان الإسرائيلي خلال العقود الثلاثة الاخيرة، من أين حصل علی هذه القذائف والصواريخ، لقال لك بالحرف الواحد: جميعها من إيران وسوريا وحزب الله، ولم تكن قذيفة واحدة منها أتت من السعودية أو أي دولة عربية اخری. هذه هي حقيقة دعم المقاومة والإنتفاضة من قبل محور المقاومة بكل إختصار.
الیوم أيضا لو كان سبيل لإيصال السلاح الخفيف والثقيل لشبان الضفة الغربية لمواصلة إنتفاضتهم المباركة ضد الإسرائيليين، لكانت إيران وسوريا وحزب الله، هم السبّاقين الی ذلك، لكن للأسف ثمة عراقيل ومنها إغلاق الحدود مع الضفة من قبل الکيان الإسرائيلي، يحول دون إنجاز هذه المهمة. السلطة الفلسطينية والسعودية صاحبة “مبادرة السلام العربية” مع الکيان الإسرائيلي، وجميع الدول العربية الاخری (ماعدا سوريا)، وتاتي في مقدمتها مصر والأردن والإمارات والبحرين، لا تعترف بمقاومة الإحتلال علی الإطلاق، بل تعتقد أن حقوق الفلسطينيين المسلوبة يمكن الحصول علیها عبر استجداءها من قادة الکيان الإسرائيلي، وهذا ما يتعارض تماما مع معتقدات سكان غزة والضفة الغربية.
كنا ولانزال نسمع حتی الیوم، كلاما جزافا من الانظمة العربية أن إيران هي من تدفع بسكان غزة لمواجهة الإحتلال لمصالحها الخاصة (للتقدم في البرنامج النووي)، وكان البعض يصدق مثل هذا الكلام بسبب علاقات الفصائل الفلسطينية مع إيران، لكن الیوم وقعت ثمة أحداث جديدة مثل توقيع الإتفاق النووي، وثبت للقاصي والداني أن الشعب الفلسطيني هو شعب مقاوم لا يؤمن بالخنوع أمام الإحتلال ولهذا فهو ینتفض في الضفة وغزة دون أن تحركه إيران أو أي جهة اخری (إيران تدعم الإنتفاضة لكن الفلسطيني هو من صنعها). الشعب الفلسطيني هو شعب مقاوم في حد ذاته، يعتقد أن مقاومة الإحتلال يجب أن تستمر وعلی أصحاب مشاريع التفاوض أن لا يشوهوا كرامة وسمعة الفلسطينيين. حيث أن الفلسطينيين أشعلوا نيران إنتفاضة القدس قبل خمسة أشهر دون أن يكون لإيران في الضفة الغربية موطئ قدم ودون أن تتمكن إيران من إيصال السلاح لهم في تلك المنطقة لمواجهة الكيان الإسرائيلي.
لذا اسمحو لنا أن نعوّل علی إستمرار إنتفاضة الشبان الفلسطينيين في الضفة الغربية، بالسكاكين والأيدي الخالیة، دون أن نعلق آمالا علی دعم العرب لهم وبأمل أن يفتح الله سبيلا لإيصال السلاح الی هؤلاء الشباب المنتفضين في الضفة، من قبل محور المقاومة