بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الطاهرين.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
“ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله” .
تواجه الروح الإنسانية في حركتها التكاملية للوصول إلى الكمال عدة مستويات يمكن أن نلخّصها بثلاثة هي:
الأوّل: النشاط والحيوية الروحية.
الثاني: الخمول والكسل الروحي.
الثالث: الشلل والتعطيل الروحي الكامل.
وما نودّ الحديث عنه في هذه المقدّمة هو المستوى الثاني، وهي حالة الفتور والركود الروحي التي قد تصيب الإنسان لأسباب إما طبيعية أو غير طبيعية هي الأكثر، لأنّ تعب النفوس من فترة إلى أخرى أمر طبيعي وسليم. وهي في الحقيقة فترة راحة تحتاج إليها النفس لكي تعاود نشاطها المعنوي والروحي من جديد، لأنّ الإنسان لا يمكنه أن يسير بوتيرة معنوية واحدة وعلى منوال واحد في كلّ محطّات سيره. بل سينال منه التعب من وقت لآخر، وسوف يضطر للجلوس لكي يرتاح قليلاً. روي عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: “رَوِّحُوا أَنْفُسَكُمْ بِبَدِيعِ الْحِكْمَةِ فَإِنَّهَا تَكِلُّ كَمَا تَكِلُّ الْأَبْدَانُ” . وفي رواية أخرى يقول عليه السلام: “رَوِّحُوا قُلُوبَكُمْ فَإِنَّهَا إِذَا أُكْرِهَتْ عَمِيَتْ” .
إذن التعب الذي يمكن أن ينال من النفس أثناء أداء الإنسان لواجباته الدينية خصوصاً العبادية منها أمر طبيعي ولا ينبغي أن يعتبر علامة على حدوث انتكاسة روحيّة أو معنوية أو بداية الخمول وربّما الشلل الروحي. بل النظرة الصحيحة لكيفيّة التعاطي مع العبادات التي تقرِّبنا نجوى إلى الله، ينبغي أن تحكمها الأطر الصحيحة التي سنّها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وينبغي أن تكون هي الحاكمة منذ البداية. فعندما يوصي الرسولُ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الإمامَ علي عليه السلام بالقول: “يَا عَلِيُّ إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ (يَعْنِي الْمُفْرِطَ) لَا ظَهْراً أَبْقَى وَلَا أَرْضاً قَطَعَ فَاعْمَلْ عَمَلَ مَنْ يَرْجُو أَنْ يَمُوتَ هَرِماً وَاحْذَرْ حَذَرَ مَنْ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَمُوتَ غَد” .
هذه الروايات وغيرها تكشف عن أصل حاكم مهمّ جدّاً ينبغي أن يكون حاضراً في عبادتنا منذ اللحظات الأولى، وينبغي أن تكون الرؤية الإسلامية الصحيحة حول العبادة ولكيفيّة التعامل معها منطلقة منه حتى لا نقع في الشبهات التي قد تبعدنا عن الحق من حيث لا نحتسب. فإنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً كما قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَإِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَتَنَفَّلُوا وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَعَلَيْكُمْ بِالْفَرِيضَةِ” . وعلى الربّان الحاذق والفطن أن يحسن قيادة دفّته المعنويّة حتى لا يبتلى بعد فترة بأيّ انتكاسة روحيّة تحرمه من هذا المعين الذي ترنو إليه النفوس التائقة نحو السعادة الخالدة. وهذا الكتاب ـ بغير حساب ـ هو محاولة تهدف إلى تحقيق أمرين:
الأوّل: إعادة التذكير بالعبادة، أهمّيتها، أنواعها، ودورها لكي تبقى حاضرة في النفس وتشكّل حافزاً ودافعاً للانطلاق والاستمرار في العبادة بزخم ونشاط.
الثاني: البقاء في محضر العبادة أثناء فترة الراحة والاستراحة أثناء عملية التحضير للانطلاقة المعنوية الجديدة على قاعدة ﴿وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ .
والحمد لله رب العالمين
مركز نون للتأليف والترجمة