انتحاريو “داعش” يتمددون من معاقلهم لقتل المدنيين الآمنين داخل حدود الدول، لكن دعاة الحرب على الارهاب يأملون مواجهة “داعش” كل في بلده. وفي هذا السياق يأخذون على حزب الله استراتيجية ملاحقته الارهاب إلى عقر داره.
في بلدة القاع المصابة “بغزوتين” من طراز همجية “داعش”، انفجرت النقمة في كل الاتجاهات على صورة اتساع البلدة وتعدد حساسيات أهلها. لكن أحداً من المصابين والمهدّدين بحياتهم لم يخطر في باله اختلاق الأعذار للمجرمين، في أسباب قتلهم الأبرياء وموجباته. ولم يتساءل أحد عما وراء استهداف أهالي البلدة نحراً، أو لماذا هم وليس جيرانهم. فمثل هذه الأسئلة التي تشي بالبحث عن مسوّغات للقتل، تجاوزها الناس الأسوياء في لبنان وفي ليبيا وتونس وفي سوريا والعراق الذين سالت دماؤهم بسبب هوس “داعش” بالدم.
على النقيض من هذه السويّة الجماعية، يحاول بعض السياسيين لأسباب تنافسية ضيّقة، اختلاق التبريرات لدوافع الانتحاريين في هذه “الغزوة” أو تلك. بعضهم جرى دأبه اتهام حزب الله بأنه يستجلب الانتحاريين إلى لبنان في ذهابه لقتالهم في سوريا، ما يوحي بتخفيف وطأة الجرم عن “داعش” وتحميل حزب الله مسؤولية المسببات التي تدفع “داعش” للقتل – بمسؤولية حزب الله عن دماء ضحايا “داعش” – والمفارقة أن جريمة القاع في لبنان تتزامن مع جريمة “داعش” في المكلا اليمنية ضد جيش الرئيس منصور هادي الذي يرى بدوره أن إيران وأنصار الله يتسببون في غزوات “داعش” في اليمن.
وقد سبقت هذه الجرائم مقتلة الأبرياء في مطار “أتتاتورك” التي دلّت على انتقال “داعش” للتفجير في تركيا، بحسب رئيس الوزراء التركي.في هذا السياق رأى بعض ذوي الرأي أن جريمة “الركبان” ضد الجيش الأردني ليست من شيَم “داعش” الذي أعلن مسؤوليته عن تنفيذها. بل عزاها هؤلاء إلى “مبايعين جدد” كحركة المثنى ولواء جيش اليرموك، الذين لم يألفوا بعد أخلاقيات “داعش” في الأردن، كما يُفهم من أقوال المنافحين عن “داعش” أو جبهة النصرة في الأردن.
وفي هذا المضمار ينقل أحد الصحافيين اللبنانيين عما سماهم في مقالته “عروبيين في لبنان والخارج” انتقادهم ما يرونه “انزياح حزب الله عن المقاومة” نتيجة مساهمته في مواجهة “داعش” في سوريا والعراق واليمن. ولعلّ هذا النقد القلِق على “انزياح” الحزب عن المقاومة، يتناغم مع دعوة بعض السياسيين اللبنانيين إلى “لبننة” حزب الله بعد قول الأمين العام السيد حسن نصر الله إن الحزب يدافع عن لبنان في سوريا.والحال أن هذه المروحة تتفاوت من مقولات تسمى “الحرب الدولية على الارهاب”، لكنها تلتقي على عدم الأولوية في مواجهة “داعش” وبعضها يتقاطع معه على أولويات أخرى كالسعي لإسقاط سوريا أو مواجهة إيران. وفي هذا السبيل ترى السعودية حزب الله وأنصار الله و”أذرع إيران” إرهاباً لتفكيك المواجهة الموحّدة ضد “داعش”.
كما تحاول الإدارة الأميركية تحييد النصرة لاتخاذها سلاحاً إلى جانب “المعارضة المعتدلة”. وفي السياق نفسه تسعى تركيا لمحاربة حزب العمال الكردستاني في تقاطعها مع النصرة و”داعش”، على الرغم أن الرئيس التركي يدعو إلى “جبهة دولية موحّدة” ضد الإرهاب إثر تفجير المطار.هذه التقاطعات المتعدّدة في عدم الأولوية لمواجهة “داعش”، تفضي إلى مطالبة كل طرف مساعدته على مواجهة كل ما يراه إرهاباً، ومن ضمن ذلك ارهاب “داعش” حين يصل تهديده إلى داخل الحدود.
وفي المقابل تأخذ استراتيجية المقاومة بأولوية مواجهة إرهاب “داعش” والنصرة، على باقي الأولويات بصفتهما مخاطر تهديد الوجود المشترَك. وهي تعمل وتدعو إلى عمل إقليمي موحّد لدرء هذه المخاطر عن الجميع في سوريا والعراق وحيث تدعو الحاجة في طول البلاد وعرضها.بين استراتيجية مواجهة التهديدات في منابعها أو في مصباتها، ربما يتراءى للبعض الذي ينتقد استراتيجية ملاحقة “داعش”، أن الأفعى يمكن إمساكها من ذنبها.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
– الميادين