شكَّل اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الفرنسي، بوفد حزب الله في لبنان، حدثاً أثار الكثير من التساؤلات. خصوصاً أنه جاء في ذكرى حرب تموز 2016. فيما اعتبر الكثيرون أن الأمر هو نتيجة تغيُّر الموازين في المنطقة والعالم، لصالح محور المقاومة. وهو الإنفتاح الذي جاء ليلحق الإنعطافة التركية تجاه الرئيس الأسد. فماذا في اللقاء بين الطرفين؟ وما هي دلالات ذلك الموضوعية؟
اللقاء الفرنسي بحزب الله
عقد عصر الثلاثاء الماضي لقاء جمع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت ووفد من حزب الله ضم عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب السيد عمار الموسوي. المصادر المطلعة على اللقاء، أفادت بأن ملف الإنتخابات الرئاسية، أخذ الحيّز الأكبر من البحث، فضلاً عن موضوع النزوح السوري. وذكرت المصادر بأن الطرفين عرضا وجهات النظر، بشأن الإستحقاق الرئاسي. وأشارت الى أن الوزير الفرنسي أبدى خلال اللقاء حرص بلاده على إنجاز الإستحقاق بالتشاور والتعاون بين اللبنانيين. كما لفت الى أن اللقاءات الفرنسية مع المسؤولين الإيرانيين، تهدف الى خلق أجواء تُسهِّل إنجاز الإنتخابات الرئاسية، ومن أجل حضّ اللبنانيين على أخذ المبادرة ولبننة الإستحقاق الرئاسي. كما أوضحت المصادر أن وفد حزب الله جدد خلال اللقاء التأكيد أمام الوزير الفرنسي، بأن الحزب يدعم وصول رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون الى الرئاسة، وأنه المرشح الذي يمكن أن يحقق انتخابه فائدة للبنان ويشكل خطوة على طريق تحقيق الإستقرار في البلد.
في المقابل انتقد الكيان الإسرائيلي، وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت بسبب اجتماعه بنواب من حزب الله خلال زيارته إلى لبنان. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، عمانوئيل نحشون، أن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية لا تُفرِّق بين ذراع عسكرية وذراع سياسية لحزب الله الذي تعتبره منظمة إرهابية، مُشيراً الى أنه ليس هناك أي سبب يدعو فرنسا لأن تتصرف بشكل مغاير، بحسب تعبيره.
دلالاتٌ وتحليل
عددٌ من النقاط يمكن أن تشرح دلالات اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الفرنسي، مع ممثلي حزب الله. وهنا نُشير للتالي:
– يؤكد اللقاء أهمية دور حزب الله على الصعيد الداخلي اللبناني. كما يدل على أن الطرف الفرنسي، يسعى من جهته لإعادة إحياء دوره التاريخي، الراعي للبنان. وهو ما يمكن أن يُبادر له الطرف الفرنسي في الوقت الحالي، خصوصاً لجهة حل مشلكة الملف الرئاسي وتسهيل وصول رئيس للجمهورية. فيما يرى المعنيون أن للموقف الفرنسي من الملف الرئاسي، آثار حتمية على فريق الرابع عشر من آذار.
– وهنا لا بد من الإشارة الى أن اللقاء جاء في الذكرى السنوية لحرب تموز 2016. فيما أثبت اللقاء، أهمية حزب الله ليس فقط على الصعيد المحلي، بل الإقليمي أيضاً. مما يعني فشل المساعي التي قادتها واشنطن وبعض الدول الغربية والعربية، في إزالة حزب الله من المعادلة الداخلية اللبنانية والإقليمية في المنطقة. كما يُثبت اللقاء، أن النظرة الغربية أو العربية لحزب الله على أنه طرف إرهابي، لم تؤثر على أهمية دوره المحلي والإقليمي.
– ولعل الأوضاع السياسية في المنطقة والعالم، لا سيما التحولات في الملف السوري، وخطر الإرهابيين، كان أحد أهم أسباب الإنفتاح الفرنسي على حزب الله، كطرف أساسي من أطراف محور المقاومة. حيث أن هناك قلق أوروبي من نقل الإرهاب الى أوروبا، وصعوبة التعامل معه. مما أجبر الفرنسيين على إظهار الحاجة لطرف كحزب الله خصوصاً ومحور المقاومة عموماً، للإستفادة من تجربته والمساعدة في حل قضايا محاربة الإرهاب.
– وهو ما يعني أن الطرف المقابل لمحور المقاومة في المنطقة والعالم، وصل الى قناعة بضرورة الإنفتاح السياسي على أطراف محور المقاومة، الأمر الذي يمكن الدلالة عليه من خلال التحول التركي تجاه الملف السوري ومسألة بقاء الرئيس الأسد مؤخراً، واللقاء الفرنسي بحزب الله منذ أيام. مما يعني وجود نية دولية وأمل في جعل التعاون المشترك بين الأطراف كافة سياسة وآلية القضاء على الإرهاب.
– فيما بدا في المقابل، حجم الغضب الإسرائيلي، لا سيما بسبب إيلاء الفرنسيين أهمية لدور حزب الله في لبنان والإقليم وهو ما يختلف مع رأيهم ومصالحهم، ويتعارض مع مساعيهم الدؤوبة لجعل الحزب، بعيداً عن خيارات شعوب المنطقة، لا سيما من خلال الإنفتاح الإسرائيلي السعودي العربي.
إذن، مرةً أخرى يعود العالم الغربي للدخول من بوابة محور المقاومة. فصحيحٌ أن اللقاء كان حول لبنان والشأن الداخلي، لكن مُجرد الإنفتاح الفرنسي على طرفٍ أساسيٍ في محور المقاومة كحزب الله، يعني بداية الإنعطافة نحو خيارٍ أرساه واقع الأمور. خيارٌ أفضته معادلات الميدان السوري. فيما شكَّل الشعور بالخطر على الذات الأوروبية، أساساً في الإندفاع، لتخطي المصلحة الأمريكية. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، أن لقاء ايرولت بحزب الله، هو بداية تعاونٌ مشترك يحمل رسالة إنعطافٍ فرنسي.