الوقت- زيارة مرتقبة، من المزمع أن يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في أواخر أغسطس/آب الجاري إلى تركيا على رأس وفد من المسؤولين الأمريكيين، وذلك بهدف تصحيح العلاقة مع تركيا، ومحاولة إبعاد تركيا عن روسيا، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، والاتهامات التي تحدثت عن دور أمريكي في التدبير لها، ومن المتوقع أن تكون قضية تسليم الداعية “فتح الله غولن” المتهم الأول في التدبير للانقلاب والمقيم في ضيافة أمريكا، على رأس النقاشات التي ستدور بين الطرفين.
إلا أن الأزمة السورية مع كل ما أفرزته من مستجدات خلال شهر من الانقلاب التركي، ستكون لها حصة كبيرة من المباحثات بين الجانبين، خاصة مع الانكفاء النسبي للدور التركي في معركة حلب المصيرية بسبب الانشغال بالداخل، والتموضع التركي الجديد تجاه الأزمة السورية بعد التقارب التركي الروسي.
للحديث عن هذا الموضوع ينبغي بداية الإشارة إلى التموضع التركي الجديد من الأزمة السورية بشكل عام ومعركة حلب بشكل خاص، ثم نعرّج على الموقف الأمريكي من تحولات الموقف التركي.
التموضع التركي الجديد
لاشك بأن الانقلاب الفاشل في تركيا أحدث تحولاً نسبياً في الموقف التركي تجاه الأزمة السورية، حيث أن هناك عدة مؤشرات تُنبئ بأن الضباط في الجيش التركي الضالعين في الانقلاب والذين جرى اعتقالهم والتصدي لهم، ينتمون إلى الجناح الصقوري المطالب بالتصعيد مع سوريا، ما يعزز هذه المؤشرات هو ما كُشف عنه من أن الضابط المسؤول عن التعامل مع الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا كان أحد المشاركين في الانقلاب، كما كشفت تركيا أيضا أن الطيار الذي قام باسقاط الطائرة الروسية فوق الحدود السورية، كان أيضاً من بين الانقلابيين الذين قُتلوا أثناء الأحداث.
ما يؤكد وجهة النظر هذه، هو الموقف السعودي من الانقلاب التركي الفاشل، حيث أشارت مصادر أن السعودية التي أبدت تلكؤاً في إدانة الانقلاب، كانت على علم به وكانت متحمسة لاسقاط حكومة العدالة والتنمية لعلمها المسبق بأن البديل سيكون إلى جانبها في التصعيد ضد سوريا، خاصة بعد أن لمست تراجع في الموقف التركي من الرئيس بشار الأسد على خلفية التقارب الذي أبداه الرئيس التركي نحو روسيا، والمتمثل بالاعتذار الذي قدمه عن اسقاط الطائرة الروسية.
وجاء فشل المحاولة الانقلابية، ليخلط الأوراق تجاه الدور التركي في سوريا، حيث سارع الرئيس أردوغان من خطواته تجاه روسيا، وتوالت التصريحات المشيدة بالموقف الروسي من الانقلاب، والمؤكدة على أن الحل في سوريا لا يتم من دون روسيا. وبدأت تركيا تستعد لإعادة تموضع تجاه الأزمة السورية.
التموضع التركي الجديد من الأزمة السورية، لا يعني أن نتوقع استدارة 180 درجة في المواقف، كل ما هنالك هو أن تركيا ستتحول إلى لعب دور في صياغة الحل الروسي للأزمة السورية، بدل من أن تكون جزءً من الحل الأمريكي، كما أن دعمها للجماعات المسلحة قد يخف لكن لن ينتهي، ومن الصعب القول بأن تركيا ستفك أرتباطها بشكل كامل بالجماعات المسلحة وستغلق طرق الامداد أمامها بهذه السرعة، بل إن تركيا ستعمل على الإفادة من أي إنجاز تحققه الجماعات المسلحة لفرض نفسها بثقل أكبر في الحلول التي تصيغها روسيا للأزمة السورية.
فيما يخص المتغيرات الأخيرة في مدينة حلب، يبدو أن تركيا قد أبدت بعض التراخي في خطوطها الحمر في معركة حلب، وخففت من حضورها على هذه الجبهة وذلك بهدف ايصال رسالة إلى حلفائها السعوديين والأمريكيين، بعد الاستياء الكبير من التعاطف الذي أبدوه تجاه الانقلاب التركي الفاشل، وقد كان لافتاً أن تركيا -وفقاً لمعلومات- لم تشارك في غرفة العمليات الأمريكية السعودية القطرية التي كانت تقود عملية فك الطوق عن حلب الشرقية، كما تحدثت مصادر اعلامية عن سحب تركيا لضباط استخباراتها الكبار الذين كانوا يعملون وينسقون مع الجماعات المسلحة في منطقة حلب وريفها، إلا أنها في الوقت نفسه استمرت في توفير ممرات الامداد للجماعات المسلحة عبر حدودها مع إدلب.
ويبدو أن الجماعات المسلحة وبقية الدول الداعمة لها، تطمح بعد أن تمكنت من أحداث ثغرة في الطوق الذي فرضه الجيش السوري والقوات الحليفة حول حلب الشرقية، أن تبرهن للحليف التركي أنه يمكن التعويل عليها لحفظ مصالح تركيا في سوريا، ويرى مراقبون أن هذا الأمر كان أحد الأسباب وراء الاستماتة التي أبدتها الجماعات المسلحة لإحداث تغيير في معركة حلب قبل لقاء أردوغان بوتين.
موقف أمريكا
أكثر ما تخشاه أمريكا هو الاستدارة التركية نحو روسيا، كيري سيحاول خلال زيارته المرتقبة إلى أنقرة إقناع أردوغان العودة بقوة إلى ساحة المعركة في سوريا، وسيعمل على إقناع تركيا بأن الرهان على روسيا وإيران، هو رهان على الحصان الخاسر، خاصة بعد التقدم الذي أحرزته الجماعات الارهابية المسلحة على جبهة حلب بدعم أمريكي سعودي واضح خلال الأيام القليلة الماضية.
من غير المتوقع أن تستجيب تركيا بسهولة للمحاولة الأمريكية، خاصة وأنها قد لُدغت من الجحر الأمريكي مرتين، المرة الأولى من خلال تعزيز نفوذ الأكراد في سوريا والانحياز لهم على حساب تركيا ودعم حزب الاتحاد الديمقراطي في التمدد غرب نهر الفرات وعدم الاستجابة لمطالب المنطقة العازلة في الشمال السوري، والمرة الثانية من خلال المحاولة الانقلابية والموقف الأمريكي منها.
فالحديث عن نية تركيا إصلاح علاقتها مع الأسد، مايزال حاضراً بقوة، وهذا ما أكد عليه أمس رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، صالح مسلم، في حوار له مع وكالة اسبوتنيك الروسية، ويبدو أن تركيا تريد الاستفادة من هذه الورقة، وكذلك من ورقة التقارب مع روسيا للضغط على حلفائها القدامى، إلا أن تركيا ما تزال حتى الآن تمسك بالعصا من الوسط، ومن الغير المعلوم إن كان قرارها بالابتعاد عن أمريكا لصالح روسيا، قراراً حاسماً أم مجرد ورقة ضغط.
ما نعلمه هو أن هناك لقائين سيجريهما الرئيس أردوغان خلال الأيام القادمة، الأول سيكون اليوم الثلاثاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والثاني في نهاية الشهر الجاري مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وعلى ضوء هذين اللقائين قد يتحدد الموقف التركي من الأزمة السورية حيث سيكون الانحياز التركي إلى جانب من يثبت قدرته في الميدان أكثر.