فالتطهير عن حب النفس والدنيا هو أول مرتبة تطهير السلوك إلى الله في الحقيقة لانه قبل هذا التطهير ليس السلوك سلوكا وانما يطلق السلوك والسالك على سبيل المسامحة
( وقال بعض علماء الاخرة في المقام بعد ذكر بعض الآيات والروايات فتفطّن ذوو البصائر بهذه الظواهر ، إن أهم الامور تطهير السرائر اذ يبعد ان يكون المراد بقوله صلى الله عليه وآله : ” الطهور نصف الايمان ” عمارة الظاهر بالتنظيف بإفاضة الماء وإنقائه وتخريب الباطن وإبقائه مشحونا بالاخباث والقذارات هيهات هيهات .. ثم قال : والطهارة لها أربع مراتب .
المرتبة الاولى : تطهير الظاهر عن الاحداث وعن الاخباث والفضلات . المرتبة الثانية : تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام .
المرتبة الثالثة : تطهير القلب عن الاخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة .
المرتبة الرابعة : تطهير السرّ عما سوى الله تعالى وهي طهارة الانبياء صلوات الله عليهم والصدّيقين .
والطهارة في كل مرتبة نصف العمل الذي هو فيها فان الغاية القصوى من عمل السرّ أن ينكشف له جلال الله تعالى وعظمته ولن تحلّ معرفة الله تعالى بالحقيقة في السرّ ما لم يرتحل ما سوى الله تعالى عنه .
ولذلك قال الله تعالى : ” قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ” ( الانعام 91 ) .. لانهما لا يجتمعان في قلب واحد .
” وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ” ( الاحزاب 4 ) وأما عمل القلب والغاية القصوى فيه عمارته بالاخلاق المحمودة والعقائد المشروعة ، ولن يتّصف بها ما لم ينظّف من نقائضها من العقائد الفاسدة والرذائل الممقوتة ، فتطهيره أحد الشطرين ، وهو الشطر الاول الذي هو شرط في الثاني فكان الطهور شطر الايمان بهذا المعنى ، وكذلك تطهير الجوارح عن المناهي أحد الشطرين وهو الشطر الاول الذي هو شرط في الثاني ، فتطهيره أحد الشطرين وهو الشطر الاول وعمارتها بالطاعات الشطر الثاني .
فهذه مقامات الايمان ولكل مقام طبقة ولن ينال العبد الطبقة العالية الا أن يجاوز الطبقة السافلة فلا يصل إلى طهارة السر من الصفات المذمومة وعمارته بالخلق المحمود ، ولن يصل إلى ذلك من لم يفرغ من طهارة الجوارح عن المناهي وعمارتها بالطاعات وكلما عزّ المطلوب وشرف ، صعب مسلكه وطال طريقه وكثرت عقباته . فلا تظن ان هذا الامر يدرك وينال بالهوينى .
انتهى موضع الحاجة من كلامه أقول :
ومن طلب العلى سهر الليالى ) ومن وراء هذا المنزل منازل البلاد السبعة لعشق العطار يظهر النموذج منها للسالك وذاك القائل رأى نفسه في أول منعطف من زقاقها ( اشارة إلى الشعر المعروف للعارفي الرومي يقول فيه :
هفت شعر عشق را عطّار كَشت ماهنوزاندرخم يك كوجه ايم
يعنى أن عطّار النيشابوري ( العارف المعروف ) سار ودار في المدن السبعة التي هي مدن العشق وبلاده ولكنّا مع الاسف إلى الان لم نتجاوز من منعطف زقاق واحد لتلك المدن .)
ونحن وراء الاسوار والحجب الضخمة ونحسب تلك البلاد وحكامها من الاساطير .
أنا لست أركز على الشيخ العطار (هو فريد الدين محمد بن ابراهيم النيسابوري المعروف بالشيخ العطّار صاحب الاشعار والمصنّفات في التوحيد والحقايق والمعارف وله اشعار في مدح مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وفي ذمّ الدذيا .
توفي سنة 427 ( خكز ) بعد عمر طويل وقيل أنّه قُتل في فتنة التتر وقبره خارج نيسابور معروف . وميثم التمّار الصحابي المعروف .)
أو على ميثم التمّار ولكن لا أنكر المقامات من أصلها وأتطلب صاحبها بالقلب والروح وأرجو الفرج لهذه المحبة وأنت كن كما شئت واتصل مع من شئت :
مدّعي خواست كه آيد بتماشاكه راز
دست غيب آمد وبرسينه نا محرم زد ( البيت للعارف الحافظ الشيرازي يقول :
أراد المدّعي أن يدخل منتزه السرّ فظهرت اليد الغيبية وضربت في صدر المدعي وردّه عن الورود لأنه ما كان محرماً للسرّ . فبيّن أن من شروط الدخول في حرم سرّ الله رفض الدعوى وترك الأنانية .)
ولكن لم أكن خائنا للاحباء العرفانيين في الاخوة الايمانية ولا أضيق بالنصيحة لهم التي هي من حقوق المؤمنين .
فإن أعظم القذارات المعنوية التي لا يمكن تطهيرها بسبعة أبحر وأعجزت الانبياء العظام هي قذارة الجهل المركب الذي هو منشأ الداء العضال الا وهو انكار مقامات أهل الله وأرباب المعرفة ومبدأ سوء الظنّ لاصحاب القلوب ، وما دام الانسان ملوّثا بهذه القذارة لا يتقدّم خطوة إلى المعارف بل ربما تطفىء هذه الكدورة نور الفطرة الذي هو مصباح طريق الهداية وينطفئ بها نار العشق التي هي براق العروج إلى المقامات ويخلّد الانسان في أرض الطبيعة ، فاللازم على الانسان أن يغسل هذه القذارات عن باطن القلب بالتفكر في حال الانبياء والاولياء الكمل صلوات الله عليهم .