الحلقة21/الثاني : الدلالات .
وقد قام المحدث الجليل صاحب مستدرك الوسائل رضوان الله عليه بجهد كبير في المجال الأول في موسوعته القيمة بالفارسية عن الإمام المهدي عليه السلام التي سماها « النجم الثاقب » إلا أن كثرة القصص وانتشارها على المساحة الزمنية الممتدة من عصر الإمام العسكري
عليه السلام إلى يومنا هذا تفتح الباب على مصراعيه أمام مزيد من الجهد والتحقيق . . . وأسأل الله التوفيق لإنجاز محاولة في هذا المجال نفسه اعتمدت فيها بشكل رئيس على ما حققه المحدث صاحب المستدرك في النجم الثاقب . . . آمل – بحول الله – أن تكتمل قريباً وتجد طريقها إلى الطبع . . .
وأثناء محاولتي هذه تبلورت لدي فكرة كتاب عن « آداب الغيبة » وما أقدمه الآن هو مختصر في ذلك ، آثرت أن أقدمه – بمناسبة ولادة الإمام المهدي عليه السلام .
آداب الغيبة :
تحت هذا العنون يورد علماؤنا الأبرار عادة الأعمال المستحبة ( الصلوات ، الأدعية ، الزيارات الخ ) التي ينبغي الإتيان بها في زمن غيبة الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف . . .
ومن الواضح ما لهذه الأعمال من دلالات . . . فهي من الناحية العبادية ذات أثر عظيم لأنها تحقق الارتباط بولي الله تعالى الذي يجب الارتباط به كدليل إلى الله لمعرفته سبحانه وعبادته كما أراد وأمر . . . مما يعطي للعبادة روحها ويبتعد بها عن مهاوي الردى وشباك قطاع الطرق إلى الله . . . وهي من الناحية السياسية تؤمن علاقة ينبغي أن تكون قائمة بين الأمة وإمامها . . . بحيث يصبح المسلم يدرك بوضوح أنه مرتبط بقائد الأمة الذي نص عليه
المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الله سبحانه وتعالى أضف إلى ذلك ما يؤمنه أداء هذه الأعمال بشكل سليم من حل للمشاكل الفردية والاجتماعية عن طريق التوسل إلى الله تعالى بوليه الأعظم في زمن الغيبة الكبرى . . .
إن الإعتقاد الحار بوجود قائد إلهي هو أحد أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله ، ادخره الله تعالى ليظهر دينه على الدين كله ، من شأنه أن يبعث الحرارة في كل مفردات المعتقد ، ويبعث الدفء في جميع أوصال الأمة فيلم شملها ويجمع كلمتها على التقوى . . . ويرفد المسيرة المؤمنة بمخزون إيماني وحركي هائل ، فإذا بها تشعر تلقائياً بالتواصل مع المسيرة المؤمنة في عصر آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد المصطفى وجميع أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
إن من شأن هذا الإعتقاد الحار أن يجعلنا نفهم كتاب الله تعالى كما أنزل كتاباً للمستقبل كله غيبه وشهادته . . . فإذا بقصصه نابضة بالحياة يمكن أن تتكرر وإذا بأحكامه يجب أن تطبق . . . وستطبق ولو كره الكافرون . . .
وإذا بالإسلام نهج حياة . . . وليس تراثاً . . . كالتراث الإغريقي !
وإذا بالكعبة قبلة حقيقة . . . لكل العالمين . . .
وإذا بالقدس ملتقى المهدي والمسيح . . . وفلسطين
أرض النبوات لا أرض الميعاد لقتلة الأنبياء . . .
وبديهي أن « آداب الغيبة » تسهم جذرياً في حرارة الإعتقاد بالمهدي عليه السلام . . .
ولأهميتها الكبرى هذه . . . اهتم بها علماؤنا بل أفرد لها بعضهم كتاباً مستقلاً . . .
وبين يدي القارئ العزيز استعراض موجز لهذه الآداب . . .
وقد كان من الضروري بين يدي الحديث عنها تقديم نبذة عن الإمام المنتظر . . . أرواحنا له الفداء .
أسأل الله سبحانه أن يجعل هذا القليل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به . . . إنه ولي الإحسان .
بيروت – حسين كوراني
1 شعبان 1410 ه
المهدي المنتظر . . .
* ملامح عامة
يا يحيى . . . .
خذ الكتاب بقوة . .
وآتيناه الحكم صبياً
مريم – 12
قالوا :
كيف نكلم من كان في المهد صبيا
قال :
إني عبد الله . . .
آتاني الكتاب . . .
وجعلني نبياً . .
مريم – 30
* هو الإمام محمد المهدي بن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي السجاد زين العابدين بن سيد الشهداء الإمام الحسين بن الإمام المرتضى أمير المؤمنين عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه وتحياته ورضوانه .
وقد أورد نسبه الشريف بهذا التسلسل العديد من علماء السنة المشهورين منهم العارف الكبير محي الدين بم عربي والشعراني ، وابن الصباغ المالكي . . .
* كان لأمه رضي الله عنها عدة أسماء لأسباب أمنية كما يظهر مما ذكره الشيخ الطوسي في كتابه « الغيبة » وأشهر أسمائها نرجس وهي حفيدة قيصر ملك الروم وينتهي نسب أمها إلى شمعون وصي نبي الله عيسى عليه السلام .
* ولادته :
كانت ولادته عليه السلام عام 256 للهجرة ( أو حواليها ) . . .
ولد في سامراء بالعراق وكانت عاصمة العباسيين آنذاك . . . وكان أبوه الإمام العسكري مقيماً فيها بطلب من الخليفة خوفاَ من نفوذ الإمام في قلوب الناس كما كان الأمر كذلك مع أبيه الإمام الهادي جد المهدي المنتظر عليهم جميعاً سلام الله .
وتشبه ظروف ولادة المهدي ظروف ولادة نبي الله موسى كما تشبه نشأته نشأة النبي عيسى . . . وكذلك غيبته كما ستأتي الإشارة إلى ذلك . . . إن شاء الله . . . فقد كان منتشراً بين المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بظهور المهدي المنتظر ، وكان معروفاً أنه من ولد فاطمة الزهراء عليها السلام وأنه الثاني عشر من أئمة أهل البيت . . . ولم يكن ذلك يخفى على العباسيين . . .
ولهذا السبب – وغيره – كان بيت الإمام العسكري يخضع لرقابة عيون السلطان الظالم . وقد قامت السلطة العباسية بعد وفاة الإمام العسكري بمداهمات عديدة لبيته بحثاً عن المهدي المنتظر الأمر الذي يؤكد مدى الخوف الذي كان يسيطر عليهم من جراء ما انتشر من الروايات المنقولة عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حول المهدي . . .
ويؤكد هذه الحقيقة أن العباسيين سموا أنفسهم بالمهدي والمنصور وغير ذلك من الأسماء التي وردت في الروايات عن المهدي .
* مع أبيه :
عاش الإمام المنتظر مع أبيه خمس سنوات كان الإمام العسكري شديد الحرص خلالها على أمرين :
الأول : أن يبقى خبر ولادته بعيداً عن مسامع الظلمة . . . الذين كانوا قد أحكموا طوق الرقابة على منزله . . . بحيث أن بعض أنصاره كان إذا أراد الذهاب إليه اضطر إلى اعتماد ساتر أمني فيتظاهر بأنه يبيع السمن . . . ليتمكن من دخول بيت الإمام . . .
الثاني : والأمر الثاني الذي كان الإمام العسكري حريصاً عليه هو إخبار خواص شيعته وأقربهم إليه بولادة الإمام المنتظر ، والنص على إمامته بمسمع منهم لكي يصل ذلك عبرهم إلى غيرهم من معاصريهم . . . ومن الأجيال اللاحقة . . . وهذا ما نجده بوضوح في نصوص كثيرة تجدها – على سبيل المثال في « كمال الدين وتمام النعمة » للصدوق ، والغيبة للشيخ الطوسي أو الغيبة للنعماني .
بعد أبيه :
قام عليه السلام بأعباء الإمامة وهو ابن خمس سنوات « آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها من قبل يحيى صبياً وجعله الله سبحانه إماماً في هذا العمر كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبياً » كما ذكر الشيخ المفيد رضوان الله عليه .
ولاشك في أن تحمل رضيع لأعباء النبوة « قال إني
عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً » أكثر غرابة من تحمل ابن خمس سنوات لأعباء الإمامة . . .
وتحدثنا الروايات بجوانب من علمه عليه السلام وهو في هذا السن بل قبله . . . تكشف عن سر من أسرار الله تعالى أراده فتحقق في هذا الوجود المبارك . . . فقد حمل بعض المؤمنين من قم أموالاً شرعية بعث بها بعض أهالي قم إلى الإمام العسكري عليه السلام ، وكان المهدي حاضراً في المجلس فطلب منه أبوه أن يخبر بتفاصيل هذه الأموال فأخبرهم بما معهم من الصرر . . . وصاحب كل صرة أو صاحبتها . . . وميَّز حلالها عن حرامها فقبل بعضها ورد البعض الآخر ليسلم إلى أصحابه .
وطلب منه والده الإمام أن يخبر عن أسباب حرمة هذه الأموال فحدثهم بذلك بالتفصيل . . .
* وبديهي أن هذه الحقيقة كبيرة إلا على الخاشعين من المسلمين تلامذة مدرسة القرآن الكريم الذين يؤمنون بالغيب . . . ولذلك فهم ينظرون إلى الأمور بواقعية . . .
فإن الواقع غيب أكثر منه شهادة . . .
والحديث هنا معهم . . . لا مع غيرهم الذين يريدون للإسلام أن ينسجم مع روح العصر بدل أن يريدوا لروح العصر أن تنسجم مع الإسلام . . .
فإن للحديث معهم منهجاً مختلفاً . . .