الرئيسية / زاد الاخرة / الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – ج 1

الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – ج 1

الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – ج 1 / الصفحات: ٣٦١ – ٣٨٠

بالقرآن لما آمنوا، وهذه الآثار لا تفترض للكتاب الاعتباري لأن هذه ألفاظ والوجود اللفظي وجود تنزيلي للشيء.ج ـ قوله تعالى {لَوْ أَنزَلْنَا هذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَل لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}(١)، وواضح ان المقصود في هذه الآية ليس القرطاس والورق الذي كتب عليه القرآن له هذه الخصوصية، ولم ينزل القرطاس المكتوب على صدر النبي الخاتم، بل ان ما نزل هو المعاني وحقيقة القرآن التكوينية هو الذي يجعل الجبل خاشعا متصدعا، ولدينا شاهد على تصدع الجبل وهو في قوله تعالى {فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} فتدكدك الجبل هو من تجلي النور الالهي، والحقيقة القرآنية هي التي تجعل الجبل متصدعا وهي التي لها الآثار التكوينية.

د ـ قوله تعالى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْح مَحْفُوظ}(٢)، فهذا القرآن المتصف بالمجد وهو نوع من العلو والرفعة والعز العظمة في اللوح المحفوظ فهو متنزل من حقيقة أخرى.

هـ ـ قوله تعالى {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَاب مَكْنُون لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِن رَبِّ الْعَالَمِينَ}(٣) وهذه الآية صريحة في كون حقيقة القرآن التكوينية في كنّ محفوظ لا يناله إلا المعصومون.

المسألة الثانية: ما ورد من وصف الكتاب بالمبين وقد ورد ذلك في أماكن متعددة.

ويذكر العلامة الطباطبائي في ذيل قوله تعالى {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ… فِي

 

١- الحشر: ٢١.٢- البروج: ٢١.

٣- الواقعة: ٧٤ ـ ٧٦.

 

٣٦١
كِتَاب مُبِين}(١) أن الكتاب وارد في ثلاث معان:الاول: الكتب المنزلة على الانبياء وهي المشتملة على شرائع الدين مثل كتاب نوح {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}(٢){صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}(٣) وكتاب عيسى وهو الانجيل {وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ}(٤) وكتاب محمد (صلى الله عليه وآله) {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآن مُّبِين}(٥).

والثاني: الكتب التي تضبط أعمال العباد من حسنات أو سيئات، وهو كتاب الاعمال والآجال {وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً}(٦)وما ورد في سورة المطففين: ٢١.

والثالث: الكتب التي تضبط تفاصيل نظام الوجود و الحوادث الكائنة فيه ولعل هذا النوع من الكتب فيه ضبط عام حفيظ لجميع الموجودات وهو ام الكتاب يستطر فيه كل شيء وفيه ضبط خاص يتطرق إليه المحو والاثبات،وهذا هو الكتاب المبين واللوح التكويني {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَبِّكَ مِن مِثْقَالِ ذَرَّة فِي الأَرْضِ…إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين}(٧).

فالكتاب المبين بشهادة الآيات هو الذي يستطر فيه كل شيء وهو يحصي جميع ما وقع في عالم الصنع والايجاد مما كان وما يكون وما هو كائن من غير أن يشذ عنه شاذ وفيه نوع تعيين وتقدير للاشياء إلا أنه موجود قبل الأشياء ومعها

 

١- الانعام: ٥٩.٢- البقرة: ٢١٣.

٣- الاعلى: ١٩.

٤- المائدة: ٤٦.

٥- الحجر: ١.

٦- الاسراء: ١٣.

٧- يونس: ٦١.

 

٣٦٢
كتاب الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – (ج ١) للسّيّد مُحمّد علي بحر العلوم (ص ٣٦٣ – ص ٣٧٥) 

٣٦٣
٣ ـ قوله تعالى {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ…} وقد ورد توصيف الكتاب المبين بأنه ام الكتاب.٤ ـ أن في القرآن الاسم الاعظم وهو ليس من جنس الالفاظ المصوتة – وإن كان لإسمه لفظ – فلا يعقل وجوده في القرآن بوجوده الاعتباري بنقش رسم الخط بل في القرآن التكويني.

ومن هنا ننتقل إلى نقطة أخرى ان هذه الاقسام التي ذكرناه للكتاب هي في واقعها تنزلات ومراتب للكتاب المبين وأنها كلها تعود إليه، والكتاب المبين هو عين القرآن الكريم وهو له مدارج عالية ونازلة ومدارجه العالية ام الكتاب أي المصدر الذي يتنزل عنه كل شيء، والبقية تنزلات.

والدليل على ذلك:

أ ـ أنه قد ورد أن في القرآن أشياء يراد منها أمور تكوينية كالاسماء الحسنى،واللوح، والقلم والصحف والرق المنشور.

ب ـ أن الماهية المقررة للكتاب شيء يكتب فيه ويجمع فيه الكلمات والكلام، والكلمة والكلام هو ما يدل على أمر ما،وهذه الدلالة وإن كانت بالوضع الاعتباري كما في الالفاظ فهي كلمة وكلام اعتباري، ومصداق فرضي لماهية ومفهوم الكلمة والكلام، وأما إن كانت الدلالة تكوينية فالشىء الدال تكوينا كلمة وكلام حقيقيان ومصداق خارجي للماهية، قال تعالى {إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}(١)، وبالتالي فإن الكتاب الحقيقي هو الذي يجمع ويضم الكلمة والكلام الحقيقيين جمعا وضما تكوينا.

وكذلك الحال في الاسم إنما سمي اسما لأنه يكون علامة على ذي العلامة

 

١- آل عمران: ٤٥. 

٣٦٤
والمصداق الاعتباري له هو اللفظ المصوت لكون دلالته بالوضع الفرضي الاعتباري، بخلاف المصداق الحقيقي فهو الدال تكوينا والعلامة التكوينية على الشىء، فالكتاب مجموع الكلمات، و ماهية الكلمة هي الشىء المنطوق بها، والنطق هو الاظهار والاعراب وهو أيضا ينقسم إلى اظهار تكويني واعتباري، وهو اعراب عن مغيب ومستور فنطق الله تعالى خلقه وايجاده ومخلوقاته كلماته وبعضها تام.ج ـ ذكر في المعقول أن كل معنى ماهوي له وجود اعتباري، ولا يمكن ان يكون هناك شيء اعتباري ليس وراءه امر تكويني أي ان الماهية التي يفرض لها وجود اعتباري انما تُقتنص وتنتزع عن وجود تكويني لها، فالكلمة لها وجود تكويني، والاسم له وجود تكويني، فالمعنى الاعتباري لا يمكن ان يكون مستلا لا من شيء، بل لا بد ان يستل من وجود تكويني، وهذه مسألة استوفي البحث فيها في الاعتباريات في علم الاصول أيضا، ومن شواهدها القرآنية التعبير عن بعض الانبياء انه كلمة من الله، (النساء: ١٧١ ـ المؤمنون: ٥٠)، وهذا الاطلاق ليس مجازيا بل هو اطلاق حقيقي واطلاق الكلمة على اللفظ هو المجازي لأن حقيقة الكلمة هي المعبرة تكوينا عن معنى لدى المتكلم، والمتكلم هنا هو الله جل وعلى والنبي معبر حقيقي عن الله وعن عظمته وينبئ عما في الغيب، فهذا الاطلاق حقيقي.

وإذا كان القرآن الكريم هو الكتاب المبين وهو ام الكتاب وهذا يعني انه الكتاب التكويني فكل الكمالات المتنزلة تكون هناك موجودة بشكل بسيط شريف وعال ويكون معنى الكتاب هو وجود جمعي بسيط مجموع فيه كل الكلمات التي تعبر عن الغيب.

د ـ وهناك الكثير من الآيات التي يذكر فيها الحق سبحانه تنزيل الكتاب والآيات

٣٦٥
مع ذكر خلق السموات والأرض مثل قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّماءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرَ مُتَشَابِهاتٌ}(١)، وقوله تعالى {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيم خَبِير….. وَمَا مِن دَابَّة فِي الأَرْضِ إِلاَ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَاب مُبِين وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام}(٢)، وقوله تعالى {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}(٣)، وقوله تعالى {طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَن يَخْشَى تَنزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّماوَاتِ الْعُلَى}(٤)، وغيرها من الآيات في السور الاخرى.٥ – الروايات الواردة ان في القرآن عمل كل عامل ومكانه في الجنة مآله وثوابه وعقابه…وهذه الكتب في الكتاب المبين باعتبار انه يستطر فيه كل شيء، وهذا يعني ان القرآن فيه كل شيء وهو عبارة ثانية عن العينية بين القرآن والكتاب المبين.

والخلاصة: ان المراد من حقيقة القرآن الكريم هو الكتاب بوجوده التكويني وهو حقيقة علوية تكوينية جامع لجميع الكلمات الالهية، والشهادة المعطوفة على شهادة الله تعالى هي شهادة من عنده علم مثل هذا الكتاب فمن ثَمّ ذكرت تلو الشهادة الاولى.

 

 

١- آل عمران: ٦.٢- هود: ١ ـ ٦.

٣- إبراهيم: ١ ـ ٢.

٤- طه: ١ ـ ٤.

 

٣٦٦
ثانياً: قوله تعالى {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}(١).[image] - مركز الأبحاث العقائدية  الآية الكريمة في مقام الموازنة بين كفتين بعد ان ذكر الاحتجاج مع الكفار على كون القرآن كتابا منزلا من عند الله سبحانه، ثم يطيب خاطر النبي بأن ليس من كان كذا وكذا كغيره ممن ليس كذلك، وأنت على هذه الصفات من كونك على بصيرة من ربك ويتلوه من يشهد بأحقية القرآن وكان على بصيرة من أمره فآمن به عن بصيرته وشهد بأنه حق منزل من عند الله تعالى.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  إنما اوردناها في هذه الطائفة من حيث ان هذا الشاهد من شأنه أن يشهد على اصل النبوة وأحقية القرآن فتكون قريبة المضمون من آية سورة الرعد،مع اتفاقهما في كونهما مكيتان.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  حاول البعض صرف ظهورها عن الامام علي (عليه السلام) وذلك بالتصرف في ارجاع الضمائر ونحوه أو القول ان المراد منه جبرائيل يتلو القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله)، لكن كلها مردودة وخصوصا على ما ورد في بعض القرآت عند أهل البيت (عليهم السلام) من ان الآية {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} فوصف الامامة والرحمة للشاهد لا لكتاب موسى إلا أنهم بدلوا موضعها عند جمع القرآن.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  وجود قيد (منه) للشاهد تدفع الاحتمالات التي ادعوها في المقصود من الشاهد، حيث لا معنى ان يرجع الضمير إلى غير الرسول،وان المراد من (يتلوه) التلو التابع لا التلاوة.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  ان المراد من حرف الجر في قوله تعالى {بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ} هي النشوية لا البيانية

 

١- هود: ١٧. 

٣٦٧
أي انها ناشئة من الله وآتية من جانبه.[image] - مركز الأبحاث العقائدية  لفظة (منه) الواردة في (شاهد منه) هل المراد منها الاتصال النسبي أم امر آخر؟ والاول بعيد وذلك لان القرآن لا يعتد بخصوص ظاهرة الولاء النسبي فقط في نسبة الاشخاص كما في قوله تعالى {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} مع انه ابنه، بل يعتبر ان من خرج عن الطريق الصحيح فهو خارج عن اتصاله بالنبي وهنا اطلاق (منه) على الامام علي (عليه السلام) من جهة نسبة الروح والولاء والايمان وكونه منه لها دخالة في شهادة الشاهد، ويؤكده ما ورد عن الامام من رؤيته لنور النبوة، وقوله (صلى الله عليه وآله): انت أخي، فالاخوة ليست نسبية والشقيق يعني الاشتقاق من أصل واحد فمرتبتهما الغيبية تؤول إلى أصل واحد،وقريب منه ما ورد كنا نورا واحدا، ومثله قوله تعالى {وأنْفُسَنا وأنْفُسكُم}.

ثالثاً: اما النقاط التي يمكن استفادتها من هذه الطائفة:

١ ـ ثبوت مقام الطهارة والعصمة لمن عنده علم الكتاب حيث ان الشهادة لا يمكن أن تقبل في هذه المواطن التي هي اللبنة الاولى للشريعة إلا لمن اتصف بذلك، وإن سر وحقيقة العصمة يعود للعلم، ولم يدع احد من الاولين والآخرين ان لديه علم الكتاب إلا هؤلاء الاطهار واستعدادهم للجواب على كل تساؤل، ومن دلائل العصمة اجوبتهم وكلماتهم التي صحت نسبتها إليهم فإنها تظل منارا هاديا ومشعلا مضيئا إلى أبد الدهر ودالا على امامتهم وعصمتهم ومعاجزهم العلمية.

٢ ـ أن الائمة (عليهم السلام) لديهم العلم اللدني المحيط بكل الاشياء وهو ليس غير علم الاسماء الجامع، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الطائفة الاولى.

٣ ـ ان من يكون لديه العلم اللدني يكون مؤهلا للهداية التكوينية الايصالية وهي الحد لماهية الامامة كما ذكرنا في الطائفة الاولى.

٤ ـ بما أن لديهم هذا العلم الحضوري فلديهم القدرة وهذا يعني ان لديهم

٣٦٨
الولاية التكوينية والقدرة التكوينية على من سواهم حتى الملائكة، وهذا العلم يكسب مثل هذه القدرة الغريبة كما رأينا في آصف بن برخيا إذ ان اتيانه بعرش بلقيس بهذه السرعة ليس إلا بسبب ما حصل عليه من علم من الكتاب فكيف بمن عنده علم الكتاب، وقد حرر في محله ان القدرة فرع العلم.٥ ـ لقد أشرنا إلى ان الكتاب هو الكتاب المبين وهو كتاب التكوين وهو الحاوي لكل شيء ومن وصل إلى هذا العلم يدل على علو منزلته ومقامه وعلى حسب ما أوتي نستطيع معرفة رقيه الروحي، ومن المسلم به في علوم المعارف الالهية أن فضيلة الانسان بمقدار ما أوتي من ربه.

٦ ـ ان مقتضى النقاط السابقة هو امامتهم لمن دونهم وان هذه الامامة هداية تكوينية وانها باقية على مر الزمان، إذ تنزل العلوم والكمالات من المراتب العليا على النفوس المستعدة لها، وقد مرّ عليك اطلاق الكلمة على بعض الانبياء، كما انه قد عرفت الفرق بين الكلمة والكتاب التكوينيين، فعلم الكتاب حاو لجميع الكلمات، وإياك أن تحمل هذه الاستعمالات القرآنية على المجاز والتفنن اللفظي، فإنه كتاب حقائق موزونة ألفاظه واستعمالاته ومعانيه ولطائفه وحقائقه من لدن حكيم عليم، فلاحظ ما ذكرناه في الفصل الاول.

٧ ـ ان القرآن معجزة خالدة باقية على حقانية الرسول وهكذا الامام الذي هو شاهد حي على مر الدهور على صدق الرسول، حيث ان شهادة من عنده علم الكتاب لكل افراد الانسانية كما ان القرآن لجميع الانسانية فكذلك الشاهد الآخر يكون شاهدا ابديا على صدق الرسالة وصدق الكتاب من الحق سبحانه وهو القرآن الناطق.

وهذا المفاد عين مفاد حديث الثقلين، وقد اشارت روايات أهل البيت (عليهم السلام) إلى العديد من الآيات التي يتطابق مفادها مع حديث الثقلين، وبالتالي فإن هذا

٣٦٩
الحديث وإن كان متواترا بين الفريقين إلا انه يزداد رصيد اعتباره مفادا وسندا.- وسوف يأتي مزيد بيان في فقه الروايات – والمحصل: ان وجود الائمة (عليهم السلام) وتصديقهم بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله) شهادة و معجزة على نبوته (صلى الله عليه وآله) على حذو شهادة ومعجزة القرآن الكريم على نبوته،وهذا مفاد يدق معناه ويلطف في معنى معية الثقلين، فوجود الائمة (عليهم السلام) وعلومهم وسيرتهم وطهارتهم وكمالاتهم المختلفة في الجوانب العديدة التي بهرت العقول دليل صدق على النبوة،ومن ثم ورد عنهم (عليه السلام) أن آية {وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً….} مورد نزولها في أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي جارية في الأئمة (عليهم السلام)، ولقد كان تحدي السلطات القائمة دولة بني امية و بني العباس لهم مستمرة على كافة الاصعدة في العلوم المختلفة والرياضات النفسانية والقدرات الكمالية، وكانوا يستعينون برواد العلوم والفنون والرياضات من الاقطار المختلفة في العالم ومن الممالك المختلفة بل كانوا يستعينون بالسباع فيرونها تخبت لهم خاضعة.٨ ـ يثبت من خلال الآية ان ولايتهم وامامتهم امر اعتقادي وليس من الفرعيات وذلك باعتبار ان المعجزة يجب الايمان بها كالقرآن وهذه الشهادة أمر اعتقادي وهي دليل النبوة، مما يدلل على أن النبوة والامامة توأمان وقرينان لا ينفك احدهما عن الآخر.

 

الطائفة الثالثة: آيات الهداية

وهي على ثلاثة ألسنة:

 

٣٧٠
أ – {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد}(١).{أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدِّي}(٢).

ب ـ {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}(٣).

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(٤).

ج ـ {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً}(٥).

{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً}(٦).

{وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لاَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً}(٧).

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(٨).

إن الهداية الواردة في القرآن الكريم على انحاء مختلفة:

١ ـ الهداية التكوينية الخلقية {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} أي الذي خلق كل شيء، وجعله في صراطه التكويني الذي يؤدي إلى كماله وهدفه، وجعل ذلك في فطرته حتى الكائنات غير الشاعرة غير الارادية.

٢ ـ الهداية التشريعية الارائية العامة، وهي التي تصدر عن النبوات وشرائع الانبياء وهي معلقة على العلم والادراك الذي يستطيع ان يصيبه كل احد.

 

 

١- الرعد: ٧.٢- يونس: ٣٥.

٣- طه: ٨٢.

٤- المائدة: ٨٢.

٥- مريم: ٧٦.

٦- محمد: ١٧.

٧- الكهف: ٢٤.

٨- العنكبوت: ٦٩.

 

٣٧١
٣ ـ الهداية الايصالية للفاعل المختار، وهي التي نبحث عنها بالآيات من القسم الاول ويقابلها الاضلال التكويني، وفي القسم الثالث يتضح أن هذه الهداية معلقة على العمل والطاعة {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاً}، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ}.فهذه الالسنة الثلاثة تعالج ماهية الامامة، وهي المستبطنة للهداية الايصالية وأما الارائية فتكون تابعة لصاحب الشريعة، ونلاحظ ان القران في مواطن كثيرة يشير إلى أن العمل الصالح له آثار وضعية منها انه يؤدي إلى عمل صالح آخر أكثر من الاول.

و ـ يظهر من آية سورة الكهف: ٢٤ أن الهداية على مراتب ودرجات وهي لا تقف عند حد فكلما زاد العمل والسعي زادت الهداية، وما ذلك إلا لأن الكمال لا حد له والقرب الالهي لا يقف عند نقطة معينة، وفي هذا جواب قاطع على العامة الذين يقولون ان الهداية حاصلة بمجرد التلفظ بالشهادتين بل أن قوله تعالى {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً}(١)، وقوله تعالى {وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لاَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً}(٢) دليل على خطئهم.

وتشير آية سورة المائدة إلى تعين الولاية وتشخيص صاحب الهداية الايصالية، مما يعني ان هذا السعي يجب ان يسري عن هذا الطريق ومن هذا الباب.

أن آية سورة طه التي اشرنا إليها في البداية تدل على ان الغفران منوط بالولاية لأنها تشترط الايمان والعمل الصالح والهداية وهو اتباع الهادي.

المفاد التفصيلي للآيات:

١ ـ إنما أنت منذر ولكل قوم هاد

 

١- الكهف: ١٣.٢- الكهف: ٢٤.

 

٣٧٢
في هذه الآية الشريفة موارد للبحث:أولا: من المقصود بالهاد، فقد ذكر البعض ان المقصود هو الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) أي انك هاد لكل قوم، وهذا الاحتمال ضعيف لامور منها: ان الحصر بـ (انما) في قبال توهم أن وظيفته (صلى الله عليه وآله) هي اهتداؤهم بالفعل بتلبية طلبهم بإتيان المعجزة والآية التي يقترحونها.

ومنها: من الجهة الاعرابية حيث سوف يتنازع منذر وهاد الجار والمجرور ولذا لا يجوز توسطها، كما لا يجوز الفصل بين العامل والمعمول بالواو.

ومنها: ان الانذار هداية ارائية فتكون هاد عطف تفسير، وهو خلاف الاصل الاولي في ظهور الكلام في التأسيس.

ومنها: انه لا يكون هناك وجه لتأخير هاد عن الجار والمجرور ثانيا: أن الهداية ليست الهداية الارائية بل الايصالية وذلك لعدة وجوه:

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  المقابلة بين الانذار والهداية.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  إن الكفار طلبوا من الرسول آية وهي مظهر للقدرة والقدرة مظهر الولاية، وهذا ما يحتاج إلى بيان:

وذلك لان المدعى أن المعجزة التي تظهر على يد الرسول هو من حيثية ولايته لا رسالته، ويكون جواب طلبهم أنك من حيث الرسالة لا تجري بيدك الآية وإنما ظهور الآية، والمعجزة بيد الهادي ومَن له الهداية الايصالية، والنبي الاكرم حيثياته متعددة ومن هذه الحيثية يكون المعجز على يديه.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  إن هذه الهداية جعلت عدلا للنبوة باعتبار أنها تحقق الايمان في الخارج وهو غاية الهداية الارائية فإن الايمان في الخارج متوقف على الهادي.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  إن مجيئ أداة العموم (كل)والتنوين في (قوم، هاد) يدل على الاستغراق وأن لكل قوم هاد وحيث أن النبي (صلى الله عليه وآله) محدود العمر و ليس باق في هذه النشأة لجميع

٣٧٣
الأقوام، فبتكثر الاقوام يتكثر الهادي.[image] - مركز الأبحاث العقائدية  إن سياق الآيات التالية لهذه الآية يدل على العلم اللدني، وأن علم الحق يسع ويحيط بكل شيء وموارد قدرته التكوينية وهو مناسب للهداية التكوينية.

٢ ـ الآية الثانية {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى}.

والآية مكية واردة في مقام الاحتجاج مع الكفار، وأن الالهة التي يعبدونها لا تستطيع شيئا وان الهادي هو الله واسناد الهداية إليه لا يختص بالهداية الارائية بل يعم حتى الايصالية، ويكاد يجمع المفسرين ان (يهدي) في الاصل يهتدي ثم قلبت التاء دالا لاجل التخفيف، والمقابلة هنا بين من يهدي إلى الحق وهو عام ولم يخصص كما في قوله تعالى {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} أي من هو الاحق بالاتباع هل هو الذي يهدي إلى الحق ام من لا يهتدي إلى الحق إلا أن يهدى.

فالذي تكون هدايته من ذاته ومن نفسه هو الذي يكون هاديا، أما من لا تكون هدايته ذاتية وليست من نفسه فإنه لا يكون هاديا للحق فتوجد ملازمة بين الهداية الحقة والهداية اللدنية، فيجب ان يكون الهادي مهتدياً لا بغيره وفي المقابل الذي يهتدي بغيره لا يكون هاديا للحق فتوجد ملازمة بين الاثنين أي ان المهتدي بنفسه هدايته ملكوتية باقدار الله عز وجل. والمهتدي بالله لا يقال انه مهتدي بغيره من المخلوقين، إذ الاهتداء بهداية الله كما ورد في قل الله يهدي للحق هو عبر اتباع رسوله والله هو الحق وهداية الرسول إلى الحق هي هداية إلى الله، ونتيجة لهذه الخصوصية في الهداية نقول ان المراد هو الهداية الايصالية وذلك لان المهتدي بسبب غيره قادر على الهداية الارائية اما الايصالية فلا يستطيعها.

ثم أن للهداية درجات كما تشير إليه العديد من الآيات كقوله تعالى {وَالَّذِينَ

٣٧٤
اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}(١)، وقوله تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}(٢)، وقوله تعالى {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً}(٣) مما يدلل على كون الهداية على درجات، وفي الاستعمال القرآني أيضا استعملت الهداية في مقابل الضلالة، والهداية بمعنى الصراط المستقيم في مقابل بقية السبل المتفرقة.كما ان في قوله تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}(٤)دال على وجود درجة من الهداية دخيلة في أصل النجاة الاخروية وهذه الدرجة وراء مبدأ الايمان والعمل الصالح، وهذا المفاد كما يلاحظ مقارب لمفاد الطائفة الاولى في واقعة آدم (عليه السلام)، حيث تبين ان ابليس لم ينفعه إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر، ولا عبادته بعد عدم توليه آدم (عليه السلام) وعدم خضوعه وانقياده إليه كخليفة لله تعالى، وهذا المفاد في آية سورة طه لمفاد آية الاكمال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} فالاسلام بما فيه من التوحيد والنبوة والمعاد والفروع من الصلاة وغيرها كملت بالذي نزل ذلك اليوم وتم به، ورضا الرب مشروط بما نزل في حجة الوداع عند رجوعه (صلى الله عليه وآله) في غدير خم في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(٥)، فوعده بالعصمة مما يحذره (صلى الله عليه وآله) من الناس وأن من يكفر بذلك الذي انزل فإن الله لا يهديه، فهذه الهداية

 

١- محمد ١٧.٢- الكهف: ٢٤.

٣- مريم: ٧٦.

٤- طه: ٨٣.

٥- المائدة: ٧٦.

 

٣٧٥
كتاب الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – (ج ١) للسّيّد مُحمّد علي بحر العلوم (ص ٣٧٦ – ص ٣٨٨) 

٣٧٦
تعالى آل ابراهيم، فإذا كانت لديكم النبوة وما هو من قبيلها من المنح الإلهية فلا تؤتونها أحداً من الناس وتمانعون من وصول هذا الفضل الالهي لأحد، فلا بد من مجموع هذه القرائن أن يكون هذا الملك ولاية تكوينية.وهذا يعني ان الملك هو الذي تنبثق عنه النبوة وهو أعظم مقام من النبوة بمعنى أن ولاية كل نبي أرفع شأنا من نبوته – لا أن ولاية أي ولي أرفع من مطلق النبوة – وذلك لأن الولاية تعبر عن أرقى مراحل الروح التي ترتقي فيها فترتبط بالفيض عن الذات الازلية، او ترتبط بالذات ويعبر عنه بباطن النفس وهي تنقاد للرب وتعبد الرب منتهى الانقياد والعبادة بحيث تكون مشيئته مشيئة الله وارادته ارادة الله.

فالولاية هي الجانب الملكوتي اما الانباء والنبوة دون ذلك المقام وذلك لانه بتوسط رقي روحه يفاض عليه المطالب العالية حيث أن علومها أوسع من التشريعية وتكون مصدرا لها، ويشير إلى ذلك قوله تعالى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(١)، حيث أن الابتلاء كان في كبر سنه بعد ما رزق الذرية، والابتلاء بتوسط ما أوحي إليه كما تشرحه بقية السور،فهو بعد النبوة والرسالة:كان التأهل لمقام الامامة.

ثم بالنظر إلى الآيات الاخرى نرى ان آل ابراهيم قد أوتوا الامامة وحبوا بها {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا..}{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ}، فالحبوة التي حبى بها الله آل ابراهيم هي الامامة، وهل يوجد ملك اعظم من هذا! وهذا الملك العظيم هو الذي حباه الله لرسوله الاكرم وعترته الطاهرة.

 

 

١- البقرة: ١٢٤. 

٣٧٧
يذكر العلامة الطباطبائي “ان المراد من الملك هو السلطنة على الامور المادية والمعنوية فيشمل ملك النبوة والولاية والهداية وملك الرقاب والثروة وذلك انه هو الظاهر من سياق الجمل السابقة واللاحقة فإن الآية السابقة تومئ إلى دعواهم انهم يملكون القضاء والحكم على المؤمنين وهو مسانخ للملك على الفضائل المعنوية…. ثم عندما يصل إلى الملك العظيم يقول “تقدم ان مقتضى السياق ان يكون المراد بالملك ما يعم الملك المعنوي الذي منه النبوة والولاية الحقيقية على هداية الناس وارشادهم ويؤيده ان الله سبحانه لا يستعظم الملك الدنيوي لو لم ينته إلى فضيلة معنوية ومنقبة دينية”(١)، ونحن وإن نقلنا كلام العلامة بطوله إلا أنا لا نتفق معه على أن كلا من النبوة والامامة داخلتان في الملك العظيم لما ذكرناه من القرائن، ونضيف أن قوله تعالى {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ..} يدل على أن القدرة هو علم الكتاب وهو الامامة كما توصلنا إليه.ثم ان المراد بآل ابراهيم هم النبي وآله وذلك لجملة من القرائن:

– منها ان المقام هو المحاجة والحاسدين هم بنو اسرائيل وحسدهم للنبي (صلى الله عليه وآله)، ولو كان المراد انبياء بني اسرائيل لكان تقريرا لحجتهم لا دحضا لها فلا بد ان آل ابراهيم لا يشمل بني اسحق.

– ان الناظر في الآيات الاخرى:

كقوله تعالى {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَات مَن نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَـانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُـحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ

 

١- الميزان: ٣٧٧. 

٣٧٨
فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَاكانُوا يَعْمَلُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}(١).وقوله تعالى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّـمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(٢).

وقوله تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(٣).

فإن ما في سورة الانعام دل على ان ابقاء هذا الاجتباء والحبوة الالهية في ذرية ابراهيم متصلة حتى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) فإن يكفر بها أي بهذه النعم اللدنية الالهية (الكتاب والحكم والنبوة) فقد وكلنا…

 

 

١- الانعام: ٨٣ ـ ٩٠.٢- البقرة: ١٢٤ ـ ١٢٥.

٣- الزخرف: ٢٨.

 

٣٧٩
وهكذا في سورة البقرة أن الامامة متصلة في ذريته وهي ذرية اسماعيل وكذا ما في سورة الزخرف فإن كلمة التوحيد ونفي الشرك جعلها الله باقية في عقب ابراهيم متصلة، ومن الواضح أن الباقي على التوحيد ونفي الشرك إنما هو في عقب اسماعيل، وتدل كل هذه الآيات في السور على بقاء هذا الأمر والأمور بعد النبي الخاتم في ذريته التي هي ذرية اسماعيل وابراهيم (عليه السلام) أيضا.فيستنتج ان الامامة في عقب ابراهيم و اسماعيل إلى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) ثم في ذريته.

– قوله تعالى {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا}(١)، فهذا التشقيق الثلاثي الذين اتبعوه والنبي والذين آمنوا فهو اولى الناس بابراهيم…

– إن ما ورد في دعاء اسماعيل عند بناء البيت العتيق واستجابة الدعاء وأن الامامة في ذريته.وهي الآية المتقدمة في سورة البقرة.

وعلى كل حال فإن المتتبع لآي القرآن الكريم يقف على ان المراد من آل ابراهيم في اصطلاحه هم محمد وآله عليهم الصلاة و السلام.

 

الطائفة الخامسة: آيات الاصطفاء والطهارة

{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض}(٢)، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(٣).

 

 

١- آل عمران: ٦٨.٢- آل عمران: ٣٣.

٣- الاحزاب: ٣٣.

 

شاهد أيضاً

منهج في الإنتماء المذهبي – صائب عبد الحميد

ما الذي يحملني على الإعتقاد – إلى حد التسليم – بأن مذهبي الذي ورثته عن ...