الوقت- أعاد الجيش السوري إبراز قدرته على خلط الأوراق في الملف السوري من خلال الإنجازات الميدانية العسكرية. فإنجاز إستعادته لمخيم حندرات، يعني الكثير من الدلالات والتي تتخطى الميدان السوري نحو السياسية. فماذا يمكن القول حول مخيم حندرات واستعادة الجيش له؟ وما هي أهمية ذلك والدلالات العديدة؟
مخيم حندرات: عنوانٌ لإرهاب الجماعات المسلحة
إرتكبت التنظيمات الإرهابية خلال الفترة الماضية وخصوصاً “حركة نور الدين الزنكي” في منطقة مخيم “حندرات” العديد من المجازر والجرائم بحق الأهالي. وكانت إحداها المجزرة المروعة التي تناقلها العالم بأسره، وشكَّلت محط حديث الإعلام الإقليمي والدولي، وهي قيام هذه الجماعات بذبح الطفل الفلسطيني البالغ من العمر 12 عاماً والتنكيل بجثته وتصوير الجريمة ونشرها على مواقع التواصل الإجتماعي. كما كان المخيم بموقعه منطلقاً لاستهداف أحياء حلب الأخرى بقذائف تحوي غازات سامة، بحسب المنظمات الدولية.
الجيش السوري يستعيد السيطرة على مخيم “حندرات”
إستعاد الجيش السوري وحلفاؤه السيطرة على مخيم “حندرات” شمال حلب، في إطار عملياتهم العسكرية المتواصلة للقضاء على الإرهابيين في معركة حلب وريفها. وأشارت وكالة “سانا” السورية نقلاً عن مصادر عسكرية خاصة، أن وحدات من الجيش السوري والقوات المُسلّحة بالتعاون مع القوات الرديفة، استعادت السيطرة بشكل كامل على مخيم حندرات بعد القضاء على العديد من الإرهابيين وتدمير أسلحتهم وعتادهم بحسب بيان الجيش السوري. وأكد البيان أن وحدات الهندسة العسكرية في الجيش السوري، تقوم بإزالة الألغام والعبوات الناسفة التي زرعها الإرهابيون والبدء بتثبيت نقاط فيها، بهدف جعلها منطلقاً لتوسيع العمليات ضد الإرهابيين في المنطقة. في حين تجري على صعيدٍ يتزامن مع هذه المعارك، عمليات عسكرية على جبهة حلب الجنوبية، حيث يتقدم الجيش في منطقة الشيخ سعيد والتي اقترب من إعلانه السيطرة عليها وفق ما تشير المعلومات العسكرية.
تفاصيل عملية الجيش السوري
يمكن إيجاز تفاصيل العملية بحسب مصادر عسكرية عبر التالي:
المرحلة الأولى: بدأت منذ يومين من خلال قيام سلاح الجو السوري بقصف مدخل المخيم، وتدمير دبابة وعربتين عسكريتين كانت تحمي تخوم ومدخل المخيم. ليلحقها حشد القوات البرية المسؤولة عن تنفيذ الهجوم وحصار المخيم.
المرحلة الثانية: جرت عبر السيطرة على التلال والنقاط المهمة المحيطة بالمخيم، وذلك لخلق جو عسكري ميداني يُساهم في التمهيد لدخول قوات المشاة البرية وقيامها باقتحام المخيم. جرى ذلك عبر قصف مناطق المسلحين بالأسلحة المدفعية وتدمير كافة حصونهم والكتل الإسمنتية وإمكانياتهم الدفاعية.
المرحلة الثالثة: أدت العملية الهجومية المباغتة في مرحلتها الثانية الى إرباك دفاعات المسلحين، وسقوط نقطتي “كتلة المعامل” و”مقطع الشاهر” العسكريتين، مما ساهم في دعم الهجوم العسكري للجيش السوري للدخول الى عمق المخيم بالكامل، وهو ما يعني سقوطه عسكرياً.
أهمية مخيم حندرات شمال حلب
عدة نقاط يمكن اعتبارها دلالة على أهمية الإنجاز السوري ويمكن الإشارة لها بالتالي:
أولاً: إن الدلالة الأولى على أهمية إنجاز الجيش السوري هي بسبب طبيعة المعارك التي جرت في منطقة المخيم، واعتباره رقعة إشتباكات مهمة استمرت لما يزيد عن الخمسة أشهر بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، والجماعات المسلحة وتحديداً: “حركة نور الدين الزنكي”، “جبهة النصرة”، “فيلق الشام”، “الجبهة الشامية” و”فرقة السلطان مراد” وغيرها من المجموعات المسلحة الأخرى. فيما كانت النقطة العسكرية والتي يشكلها المخيم، أحد أكبر معاقل تجمُّع الجماعات المسلحة والتي كانت تراهن على الحفاظ عليها وجعلها منطلق دائم للهجمات ضد الجيش السوري في المنطقة.
ثانياً: تأتي أهمية الإنجاز من أهمية مخيم حندرات لموقعه الجغرافي المرتفع وامتداده على مساحة 6 كلم مربع، مما جعل منه نقطة حساسة شمال حلب، كونه يُطل على العديد من النقاط والمناطق العسكرية. كما ويعتبر المخيم نقطة قريبة من طريق الكاستيلو وتحديداً “دوار الجندول” الذي يشكل عقدة وطريق الوصول لأحياء حلب الشرقية.
ثالثاً: إن نتائج الإنجاز تدلِّل على أهميته. فمن خلال السيطرة على المخيم، يكون الجيش السوري والحلفاء في موقع الإشراف العسكري على نقاط مهمة لصالحه في شرق حلب على امتداد 15 كلم. خصوصاً نقاط “معامل الشقيف” و”المشفى الكندي” و”دوار الجندول” الى جانب تحييد نقطة “حي المسعود” عن كونها ضمن مناطق قصف المسلحين. وهو ما يعني توسيع طوق الأمان لطريق الكاستيلو مع إمكانية تشديد الحصار على المسلحين في أحياء حلب الشرقية.
رابعاً: من الناحية المعنوية وعبر هذا الإنجاز، أفشل الجيش السوري رهانات حلفاء أمريكا على التنظيمات المسلحة في شمال حلب. وأسقط بالتالي الرهانات الأمريكية على خدعة الهدنة، مما أفرغ المساعي الأمريكية من أهميتها ونتائجها. وبالتالي فإن الإنجاز العسكري حمل في نتائجة إنجازات سياسية تخدم المفاوض السياسي في الملف السوري. وأسقطت من جديد مساعي واشنطن لترسيخ دعمها للإرهاب كواقع مفروض.
خامساً: أثبت الجيش السوري من جديد، قدرته على خلط الأوراق، كطرفٍ أساسيٍ معنيٍ بأزمة بلاد على الصعيدين السياسي والعسكري. بل استطاع الجيش السوري، إعادة تذكير كافة الأطراف، بقدرته على التأثير في معادلات الميدان، وهو ما لن تمنعه الإعتداءات الإسرائيلية أو الأمريكية، ولا سلوك الجماعات الإرهابية في الداخل والمدعومة من حلفاء واشنطن في المنطقة. كل ذلك لا يبتعد عن سلوك الدولة السورية السياسي في المحافل الإقليمية والدولية.
إذن استطاع الجيش السوري من جديد إعادة الإعتبار للقوة السورية في الميدان. قوة باتت تُشكِّل نقطة الدفع نحو أي حلٍ على الصعيدين العسكري والسياسي. وهو الأمر الذي بات حديث المحللين والخبراء، والذين باتوا يجدون في عودة النظام السوري لتأثيره في الميدان، دليلاً إضافياً على عودته للتأثير على الصعد كافة وتحديداً السياسية منها. لنقول أن إستعادة النظام السوري لمخيم حندرات، جاءت لتمثِّل إنجازاً عسكرياً يحمل دلالاتٍ عديدة!