المفهوم الواقعي لمعنى قتيل العبرة:
قال سيد الشهداء(ع): (أنا قتيل العبرة ماذكرت عند مؤمن إلا استعبر) لاشك أن ماجرى على الحسين(ع) واستشهاده بهذه الصورة الدامية الأليمة يوجب التفاعل العاطفي في الأمة بكونه إمام معصوم ومفترض الطاعة على العباد وحجة الله في أرضه وسماواته ومع العلم بعظمة هذه المكانة وهذه المنزلة الرفيعة إلا أنه يبات صريعا على ربى كربلاء ويقول: {هكذا ألقى الله وجدي رسول الله وأنا مخضب بدمي}0ولما رقى الشمر اللعين على صدره ليحتز رأسه الشريف قال(ع): {اسقني شربة من الماء وحق جدي أنا عطشان فقال له: لاتذق منه قطرة حتى ترد الحامية}
لولم يكن من مصيبة الإمام السبط الشهيد(ع) إلا هذا المشهد المروع لكفاه أن يشيرإلى نفسه بهده الإشارة ويقول: {أنا قتيل العبرة} يقول الشيخ حسن الدمستاني عليه الرحمة:
فمن الواجب عينا لبس سربال الأسى واشتعال القلب أحزانا تذيب الأنفسا واتخاذ النوح وردا كل صبح ومسا وقليل تتلف الأرواح في رزء الحسين
ويقول الشيخ عبد الحسين الأعسم رحمه الله :
تبكيك عيني لالأجل مثوبة تبتل منكـم كـربلا بـدم ولا لكنما عـيني لأجلك باكـيـة تبتل مني بالدموع الجارية
لما لاننوح على السبط المذبوح الذي بكته الملائكة والأنبياء والسماوات والأرضون وجميع الأفلاك وما فيها
إمام بكته الإنس والأرض والسما ووحش الفلا والطيروالبر والبحر
قال أحد خطباء المنبر الحسيني الكبار وهو يتعرض لشرح معنى كلام الحسين(ع) {أنا قتيل العبرة}: [جرب ولو لمرة واحدة وانت جالس في حجرتك تحت ضوء خافت أقول: جرب أن تذكرالحسين(ع) فتقول: ياحسين- ياحسين – ياحسين لتجد انك لاتستطيع ان تقول: أكثر من ثلاث او اربع مرات وفي المرة الرابعة ماتكاد تقول: ياحسين حتى تفيض عيونك بالدموع00 بل أكثر من ذلك في المرة الأولى حينما تنادي: ياحسين تأخذك موجة من الحزن لاتهدأ إلا بالبكاء عليه](1) أقول: مثل هذه الأحاسيس الجياشة التي تعرض لها فضيلة الشيخ حفظه الله تجدها تحتل قلوب الموالين المخلصين لقضية الحسين(ع) وبالخصوص في الشيوخ المسنين من جيل الأجداد والآباء حيث أنك تلاحظ بمجرد أن تذكر أمامه مصيبة سيد الشهداء(ع) ولوبالمقدار اليسيرحتى لو فقط إسم طفل الحسين(ع) وهوعبدالله الرضيع يتغيرلونه وتهتز عواطفه وتفيض عينيه بالدموع فلا يلامون شيعة أهل البيت(ع) على ذلك0 لأن كلام المعصومين في شهادة أبي عبدالله الحسين(ع) يعطي الحافز لتأجيج العواطف لديهم
ورد عن رسول الله(ص) انه قال:
(إن لقتل الحسين(ع) حرارة في قلوب المؤمنين لاتنطفئ إلى يوم القيامة)
ولذلك نقرأ في سيرة النبي(ع) أنه ما نظر إلى الحسين(ع) مرة إلا وفاضت عيناه بالدموع ويحدثنا ابن عباس في هذا المضمار فيقول:
(خرجنا مع النبي(ص) من المسجد وكان مستبشرا فرفع بصره على ثلة من الصبية كانوا قد مروا من أمام المسجد ، وكان بينهم الحسين(ع) هو في الخامسة من العمر فما كان النبي(ص) يقع بصره على الحسين(ع) حتى تغيرلونه ، واختفت البسمة من على شفتيه ثم فاضت عيناه بالدموع}0 ويقول الإمام الكاظم(ع):{إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء} ويقول الإمام الرضا(ع) لابن شبيب:{يابن شبيب إن كنت باكيا فابك الحسين فإنه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معة سبعة عشر نفر من أهل بيته مالهم على وجه الأرض شبيه}
قال دعبل الخزاعي: دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا(ع) في أيام عاشوراء فريته جالسا جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله كذلك فلما رآني مقبلا قال لي: مرحبا بك يادعبل مرحبا بناصرنا بيده ولسانه ، ثم انه وسع لي في مجلسه وأجلسني إلى جنبه ثم قال لي: يادعبل أحب أن تنشدني في الحسين(ع) شعرا فإن هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا
يادعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا {حشره الله تعالى في زمرتنا} يادعبل من بكى على مصاب جدي الحسين(ع) {غفر الله له ذنوبه البتة} ثم نهض وضرب سترا بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء السترفالتفت إلي وقال:
يادعبل إرث الحسين(ع) فانت ناصرنا ومادحنا فلا تقصر عن نصرنا ماستطعت مادمت حيا ، فاستعبرت وسالت عبرتي وأنشأت:
أفاطـم لـوخلت الحسين مـجـدلا إذا للطمت الخـد فاطــم عـنــده أفاطم قومي يابنة الخرواندبي قبـور بكــوفان وأخـرى بـطيبة قـبـور بجنب مـن أرض كـربلا وقـد مـات عـطشانا بشـط فـرات وأجريت دمع العين في الوجنات نـجــوم ســـمـاوات بأرض فـلاة وأخــرى بـفــخ نالهــا صـــوات معـرسهـــم فـيهـا بشـــط فـرات
توفو عطاشى بالعراء فليتني توفيت فيهم قبل حين وفاتي
هذا والرضا(ع) يبكي والنساء من خلف الستر يبكين معه ، قال دعبل: فلما وصلت إلى هذين البيتين:
بنات زياد في القصورمصونـة وآل رسول الله تسبى حريمهـم وآل رســـول الله فــي الفلوات وآل زيــــاد ربــــة الـحـجلات
يقول: سمعت قد علت أصوات النساء الهاشميات بالبكاء والنحيب من خلف الستروصحن وامحمداه واحسيناه وامصيبتاه
ويقول الإمام الصادق(ع):{بأبي قتيل العبرة فاحيوا أمرنا رحم الله امرأ أحيا أمرنا ، وذرفت عيناه لمصابنا} ويقول الإمام الكاظم(ع) {كان أبي إذا دخل شهر المحرم لايرى ضاحكا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه ‘ فإذا كان اليوم العاشركان ذلك اليوم يوم مصيبته وبكائه ويقول هو اليوم الذي قتل فيه جدي الحسين واستبيحت فيه حرمته}0
وفي ذات يوم من أيام شهر المحرم دخل السيد الحميري ذلك الشاعر المخضرم المعروف على الإمام الصادق(ع) فقال له : {أنشدني في الحسين شعرا، ثم قام الإمام وضرب سترا لنسائه وأطفاله ، وأجلسهم خلف الستر، وجلس هو وأصحابه حزينا باكيا على جده الحسين(ع)
يقول السيد الحميري فأنشأت :
أمررعلى جدث الحسين ياأعـظـمــا لازلـت مــن وإذا مــررت بــقــبـــره وابك المطهـر للمطهــر كبـــكـــاء معـــولــة أتت فـقـل لأعـظمـه الزكـيه وطـفاء ساكبــة رويــه فأطل بـه وقـف المطـيه والمطهـــرة الـتـقـيــــه يوما لواحدها المنيه
يقول الحميري: فرأيت دموع جعفر ابن محمد0 تتحادرعلى خديه ، وارتفع الصراخ من داره حتى أمرني بالإمساك (2) أجل: لابد أن تعرف أيها الموالي أن بكائك على ابن الزهراء الغريب المظلوم لايذهب سدى وأن كل دمعة تخرج من عينك لها وزن وثواب فابكي عليه في أيام الحزن والمصيبة لأن دموعك أيها المحب لاتقدر بثمن فهي غالية وثمينة وثمنها شفاعة أهل البيت(ع) وجنة النعيم وبذلك يبشرك مولاك الإمام الصادق(ع) ويقول:{من بكى اوتباكى على الحسين وجبت له على الله الجنة} (3)
(1) العباس بن علي للشخ عبد الحميد المهاجرص122
(2) الأغاني للأصفهاني 7/240
(3) الكشي في كتاب الرجال 289/508