ابصار العين في انصار الحسين عليه وعليهم السلام
24 نوفمبر,2017
شخصيات أسلامية
1,109 زيارة
الحسين في حر الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون أسيافهم ، فقال
الحسين لفتيانه : ” اسقوا القوم ورشفوا الخيل ” فلما سقوهم ورشفوا خيولهم ، حضرت
الصلاة ، فأمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي ، وكان معه ، أن يؤذن ، فأذن ،
وحضرت الإقامة فخرج الحسين في إزار ورداء ونعلين ، فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال : ” أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم ، إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ” إلى
آخر ما قال ، فسكتوا عنه ، فقال للمؤذن : ” أقم ” فأقام ، فقال الحسين للحر : ” أتريد أن
تصلي بأصحابك ” ؟ قال : لا بل بصلاتك ، فصلى بهم الحسين ، ثم دخل مضربه
واجتمع إليه أصحابه ودخل الحر خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه ، ثم عادوا
إلى مصافهم فأخذ كل بعنان دابته وجلس في ظلها ، فلما كان وقت العصر أمر
الحسين بالتهيؤ للرحيل ، ونادى بالعصر ، فصلى بالقوم ثم انفتل من صلاته وأقبل
بوجهه على القوم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : ” أيها الناس إنكم إن تتقوا ” إلى آخر
ما قال . فقال الحر : إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر ، فقال الحسين : ” يا
عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي ” ، فأخرج خرجين مملوين
صحفا فنشرها بين أيديهم ، فقال الحر : فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد
أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله ، فقال [ له ] الحسين :
” الموت أدنى إليك من ذلك ” ، ثم قال لأصحابه : ” اركبوا ” ، فركبوا وانتظروا حتى
ركبت النساء ، فقال : ” انصرفوا ” ، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين
الانصراف ، فقال الحسين للحر : ” ثكلتك أمك ! ما تريد ” ؟ قال : أما والله لو غيرك من
العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل
أن أقوله كائنا من كان ، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر
عليه ، فقال الحسين : ” فما تريد ” ؟ قال : أريد أن أنطلق بك إلى عبيد الله ، فقال : ” إذن لا
أتبعك ” ، قال الحر إذن لا أدعك ، فترادا القول ثلاث مرات ، ثم قال الحر : إني لم أؤمر
بقتالك ، وإنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإن أبيت فخذ طريقا لا
تدخلك الكوفة ، ولا تردك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن
زياد ، وتكتب إلى يزيد إن شئت أو إلى ابن زياد إن شئت ، فلعل الله أن يأتي بأمر
يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشئ من أمرك ، قال : فتياسر عن طريق العذيب
والقادسية ، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا ، وسار والحر يسايره ، حتى إذا
كان بالبيضة خطب أصحابه بما تقدم فأجابوه بما ذكر في تراجمهم ، ثم ركب فسايره
الحر وقال له : أذكرك الله يا أبا عبد الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ، ولئن
قوتلت لتهلكن فيما أرى ، فقال له الحسين : ” أفبالموت تخوفني ؟ ! وهل يعدو بكم
الخطب أن تقتلوني ! ؟ ما أدري ما أقول لك ! ولكني أقول كما قال أخو الأوس لابن
عمه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال له أين تذهب ؟ فإنك مقتول :
فقال :
سأمضي فما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وباعد مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم * كفى بك عارا أن تلام وتندما
فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه ، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ( 1 ) فإذا هم
بأربعة نفر يجنبون فرسا لنافع بن هلال ويدلهم الطرماح بن عدي ، فأتوا إلى الحسين
وسلموا عليه ، فأقبل الحر وقال : إن هؤلاء النفر الذين جاءوا من أهل الكوفة ليسوا
ممن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادهم . فقال الحسين : ” لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي ،
إنما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشئ حتى يأتيك
جواب عبيد الله ” ، فقال : أجل ، لكن لم يأتوا معك ، قال : ” هم أصحابي وهم بمنزلة من
جاء معي ، فإن تممت علي ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك ” ، قال : فكف عنهم
الحر ( 2 ) ، ثم ارتحل الحسين من قصر بني مقاتل فأخذ يتياسر والحر يرده فإذا راكب
على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة ، فوقفوا ينتظرونه
جميعا : فلما انتهى إليهم سلم على الحر وترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر ( 3 )
البدي من كندة ، فدفع إلى الحر كتابا من عبيد الله فإذا فيه : أما بعد فجعجع
بالحسين ( عليه السلام ) حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير
حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني
بإنفاذك أمري ، والسلام .
فلما قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين ومعه الرسول ، فقال : هذا كتاب الأمير
يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله قد أمره أن
لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره . وأخذهم بالنزول في ذلك المكان ، فقال له : ” دعنا
ننزل في هذه القرية أو هذه أو هذه ” يعني نينوى والغاضرية وشفية . فقال : لا والله لا
أستطيع ذلك ، هذا الرجل بعث إلي عينا ، فنزلوا هناك ( 1 ) .
قال أبو مخنف : لما اجتمعت الجيوش بكربلا لقتال الحسين جعل عمر بن سعد
على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي ، وعلى ربع مذحج وأسد
عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث ، وعلى
ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد ، وعلى الميمنة عمرو بن الحجاج ، وعلى الميسرة
شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عزرة بن قيس ، وعلى الرجالة شبث بن ربعي ،
وأعطى الراية مولاه دريدا ( 2 ) . فشهد هؤلاء كلهم قتال الحسين إلا الحر فإنه عدل
إليه وقتل معه .
قال أبو مخنف : ثم إن الحر – لما زحف عمر بن سعد بالجيوش – قال له : أصلحك
الله ! أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ فقال : إي والله قتالا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح
الأيدي . قال : أفمالك ( 3 ) في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا ؟ فقال : أما
والله لو كان الأمر إلي لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ، فأقبل الحر حتى وقف من الناس
موقفا ، ومعه قرة بن قيس الرياحي ، فقال : يا قرة هل سقيت فرسك اليوم ؟ قال : لا ،
قال : أما تريد أن تسقيه ؟ قال : فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال ، وكره
أن أراه حين يصنع ذلك فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت : أنا منطلق فساقيه . قال
فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله لو أطلعني على الذي يريد لخرجت معه ،
قال فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن أوس الرياحي : ما تريد
يا بن يزيد ؟ أتريد أن تحمل ؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له : يا بن يزيد ، إن
أمرك لمريب ، وما رأيت منك في موقف قط مثل شئ آراه الآن ، ولو قيل لي من
أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك ! قال : إني والله أخير
نفسي بين الجنة والنار ، ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت ، ثم
ضرب فرسه ولحق بالحسين ، فلما دنا منهم قلب ترسه ، فقالوا مستأمن ، حتى إذا
عرفوه سلم على الحسين وقال : جعلني الله فداك يا بن رسول الله ! أنا صاحبك الذي
حبستك عن الرجوع ، وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله
الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون
منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا أبالي أن أصانع ( 1 ) القوم في بعض أمرهم ، ولا
يظنون ( 2 ) أني خرجت من طاعتهم . وأما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي
يعرض عليهم ، ووالله إني لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإني قد جئتك
تائبا مما كان مني إلى ربي ، ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك ، أفترى لي
توبة ؟ قال : ” نعم ، يتوب الله عليك ، ويغفر لك ، فانزل ” قال : أنا لك فارسا خير مني
راجلا ، أقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري . قال : ” فاصنع
ما بدا لك ” ، فاستقدم أمام أصحابه ثم قال : أيها القوم ألا تقبلون من حسين هذه
الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه ؟ قالوا : فكلم الأمير عمر ، فكلمه
بما قال له قبل ، وقال لأصحابه ، فقال عمر : قد حرصت ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلا
فعلت ، فالتفت الحر إلى القوم وقال : يا أهل الكوفة ، لأمكم الهبل والعبر دعوتم ابن
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثم
عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كل جانب ،
لتمنعوه ( 1 ) التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته ، فأصبح في
أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع ضرا ، حلأتموه ونساءه وصبيته
وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني ، وتمرغ فيه
خنازير السواد وكلابه ، فهاهم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمدا في ذريته ! لا
سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم
هذه . فحملت عليه رجال ترميه بالنبل ، فأقبل حتى وقف أمام الحسين ( 2 ) .
وروى أبو مخنف أن يزيد بن أبي سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم قال :
أما والله لو رأيت الحر حين خرج لأتبعته السنان ، قال : فبينا الناس يتجاولون
ويقتتلون والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ويتمثل قول عنترة :
ما زلت أرميهم بثغرة نحره * ولبانه حتى تسربل بالدم
وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه ، وإن دمائه لتسيل ، فقال الحصين بن
تميم التميمي ليزيد بن سفيان : هذا الحر الذي كنت تتمنى . قال : نعم . وخرج إليه فقال
له : هل لك يا حر في المبارزة ؟ قال : نعم ، قد شئت ، فبرز له ، قال الحصين : وكنت
أنظر إليه ، فوالله لكأن نفسه كانت في يد الحر ، خرج إليه . فما لبث أن قتله ( 1 ) .
انصار الحسين 2017-11-24