دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة
3 نوفمبر,2017
بحوث اسلامية
1,338 زيارة
3 ـ الايمان والعمل:
إعطاء الايمان بالله تعالى ـ الذي يمثل أهم وأفضل صفة اخلاقية تكامليّة في الانسان ـ بُعداً عملياً، وإخراجه من الحالة العقائدية المجرّدة والالتزامات النفسية المحضة إلى الممارسة السلوكية والعملية والتطبيقية، وذلك بتفسير الايمان على أساس أنه حقيقة وماهيّة تكاملية وذات مراتب ودرجات تتكامل وتتصاعد عن طريق العمل والتطبيق. ويبدو أنّ هذا الموضوع كان من الموضوعات المثيرة للجدل والخلاف في زمن الائمة، بحيث أنّ بعض العلماء ـ كما أشرنا ـ كان يذهب إلى أنه لا يتفاوت إيمان الانبياء مع إيمان إبليس; لان الايمان حقيقة مطلقة وهو مجرد الالتزام بوجود الله تعالى. وهذه الحقيقة، إمّا أن تكون موجودة أو لا تكون، وإنّما يختلف الانبياء عن إبليس في السلوك والعمل لا في وجود اصل هذا الالتزام.
وكان مذهب أهل البيت(عليهم السلام) الذي تربّى عليه أتباعهم، هو اختلاف درجات الايمان بالله في المؤمنين، حيث يتأثّر الايمان إلى حد كبير ـ صعوداً ونزولاً ـ بالممارسات العمليّة. فكلما مارس العبد هذا الالتزام القلبي عملياً وجسده في سلوكه خارجياً، تصاعدت درجة هذا الايمان والالتزام من ناحية وثبت في قلبه ووجدانه من ناحية اخرى فقد روى الكليني في الكافي بطريق معتبر عن جميل بن دراج قال: «سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن الايمان فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله. قال: قلت: اليس هذا عملاً قال: بلى. قلت: فالعمل من الايمان؟ قال: لا يثبت له الايمان إلاّ بالعمل والعمل منه»([1][70]).
وتشرح بعض النصوص هذا المفهوم بأساليب مختلفة، ومنها هذا النص الذي رواه الكليني في الكافي عن حماد بن عمرو النصيبي قال: «سأل رجل العالم(عليه السلام) فقال: أيها العالم، أخبرني أي الاعمال أفضل عند الله؟ قال: ما لا يقبل عمل إلاّ به، فقال: وما ذلك؟ قال: الايمان بالله، الذي هو أعلى الاعمال درجة وأسناها حظاً وأشرفها منزلة. قلت: أخبرني عن الايمان أقوْلٌ وعملٌ أم قولٌ بلا عمل؟ قال: الايمان عمل كله، والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بيّنه في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد به الكتاب ويدعو اليه. قلت: صف لي ذلك حتى أفهمه، فقال: إن الايمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص المنتهي نقصانه ومنه الزائد الراجح زيادته. قلت: وإن الايمان ليتم ويزيد وينقص؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح بني آدم وقسّمه عليها وفرَّقه عليها فليس من جوارحهم جارحة إلاّ وهي موكّلة من الايمان بغير ما وكّلت به أختها، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا تورد الجوارح ولا تصدر إلاّ عن رأيه وأمره; ومنها يداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما، وفرجه الذي الباه من قبله، ولسانه الذي ينطق به الكتاب ويشهد به عليها; وعيناه اللتان يبصر بهما; وأذناه اللتان يسمع بهما. وفرض على القلب غير ما فرض على اللسان وفرض على اللسان غير ما فرض على العينين وفرض على العينين غير ما فرض على السمع وفرض على السمع غير ما فرض على اليدين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه; فأما ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والتصديق والتسليم والعقد والرضا بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحداً، صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) عبده ورسوله»([2][71]).
ومن هذا المنطلق نجد أئمة أهل البيت(عليهم السلام) يقسمون الايمان على الصفات التي يتصف بها المؤمن أيضاً، ويرون أن التكليف يجب ان يكون على قدر وسع الانسان وطاقته.
عن عمار بن الاحوص، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: «إن الله عزّوجلّ وضع الايمان على سبعة أسهم، على البّر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم، ثم قسّم ذلك بين الناس، فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كامل محتمل، وقسم لبعض الناس السهم، ولبعض السهمين، ولبعض الثلاثة، حتى انتهوا إلى السبعة. ثم قال: لا تحملوا على صاحب السهم سهمين، ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهضوهم، ثم قال: كذلك حتى تنتهي إلى السبعة»([3][72]).
وعن سدير في حديث معتبر قال: «قال لي أبو جعفر الباقر(عليه السلام): إن المؤمنين على منازل، منهم على واحدة، ومنهم على اثنين، ومنهم على ثلاث، ومنهم على أربع، ومنهم على خمس، ومنهم على ستّ، ومنهم على سبع، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقوَ، وعلى صاحب الثنتين ثلاثاً لم يقوَ، وعلى صاحب الثلاثة أربعاً لم يقوَ، وعلى صاحب الاربعة خمساً لم يقوَ، وعلى صاحب الخمسة ستّاً لم يقوَ، وعلى صاحب الستّة سبعاً لم يقوَ، وعلى هذه الدرجات([4][73])»([5][74]).
وبذلك يصبح إيمان الانسان مهدّداً عندما ينحرف في سلوكه العملي، ويتخلّى عن السلوك الاخلاقي، وكذلك يتصاعد ويتكامل إيمانه من خلال الالتزامات السلوكية الاخلاقية.
كما أن هذا يفتح امامنا منهجاً في التربية والادارة، فكلما كان ايمان الانسان اكمل كان مؤهلاً لدرجات عالية من التكاليف والمسؤوليات، وكلما كان ايمانه أقل كان لابد من رعايته وتحديد تكاليفه كما نصت على ذلك الروايات السابقة.
ولا شكّ أن هذا الفهم للايمان ولدور الاخلاق فيه، له تأثير كبير وانعكاسات إيجابيّة على الالتزامات السلوكية والاخلاقية، وعلى تحمل المسؤوليات والمهام.
([1][70]) الكافي 2 : 38 ، ح6.
([2][71]) الكافي 2: 38، ح7.
([3][72]) الكافي 2: 42، ح1.
([4][73]) أي درجات الايمان، أو هي الدرجات التي ذكرها الله تعالى في قوله: (هم درجات عند الله).
([5][74]) الكافي 2: 45، ح3.
2017-11-03