الرئيسية / تقاريـــر / لك الله أيها الجنوب: آثار الحرب علي الجنوب السعودي- د . حسن العمري

لك الله أيها الجنوب: آثار الحرب علي الجنوب السعودي- د . حسن العمري

مخاوف العرقنة و التهجير القسري لساكنيه .

هاهي طبول الحرب تدق في منطقتنا وهانحن أبناء منطقة الجنوب مع أبناء بقية المناطق نساق الي حرب لم نعلم عنها شيئاً إلا بعد إنطلاقها ، وهكذا يأخذنا الإعلام الرسمي والتابع  لما يسمى بعاصفة الحزم  في إنتصارات كبيرة وسيطرة كاملة على الأجواء اليمنية خلال 15 عشر دقيقة ، كل ذلك قبل أن نستيقظ.

 وما أن تمضي عدة أيام وتتضح فداحة الخطأ والعدوان على أشقاءنا في اليمن و ما ان تبدأ جنازات أبناءنا في العودة من الجبهات المفروضة عليهم ظلماً وعدواناً وعلى إخوتنا في اليمن إلا ويقوم أحد الباحثين في الشئون الأمنية !!!  ويصدح قائلاً إن السعودية في حالة حرب فما هو دورالمواطن؟

لك الله  أيها الجنوب….سنين من الإقصاء

لم يكن الجنوب في عيون مسئولي النظام إلا مخزناً بشرياً يجب توظيفة وإستيعابه في ثكنات الجيش ، فقامت المدن العسكرية في مدينتي خميس مشيط وجيزان ، وإزدهرت بسببها وحولها تلك المدن وأتسعت ، إلا أن ابناء المنطقة لم تكن لديهم خيارات كثيرة غير الإنخراط في تلك الوظائف العسكرية ، ومن كانت لديه قدرة أو طموح فلديه الفرصة أن يذهب ويتغرب في احدى المدن الرئيسية البعيدة  التي فيها الجامعات والوزارات والكليات العسكرية التي تخرج ضباطاً لاجنوداً.

هكذا جيلاً بعد جيل حتى تكدست المدن الكبرى وخلت قرى الجنوب الا من كبار السن والعجزة وبعض أبناءها ممن توظفوا في التعليم وغيرها من الوظائف الهامشية.

لم يحض الجنوب بحصته من الثروة التي انعم الله بها على البلاد فلم تأت اليه الجامعات والمشاريع الا في آخرعشر سنوات وبدون تخطيط جيد بل على شكل عشوائي ، بعيداً عن متطلبات  وإحتياجات المنطقة ومايناسب بيئتها وحضارتها وطبيعة سكانها وفق رؤية إستراتيجية للتنمية في المنطقة .

لم تحض أمارات تلك المنطقة على مدى سنين  الا بمسئولين ضعفاء بلا صلاحيات سواءاً كانوا أمراء  من الأسرة الحاكمة يمارسون الأمارة والأستفادة من ميزانيات هذه الأمارات، ليقوموا بعد ذلك بإيكال مهام وشئون مواطني تلك المناطق لوكلاء الأمارات ، والذين هم غالباً من ذوي الخلفية الأمنية ليقوموا بأعمال إستتاب الأمن لصالح وزارة الداخلية ، لم يكونوا خبراء في التنمية ولا في التعليم ولا في مجال الصحة ،…أمن الدولة أولاً وأخيراً وإدارة شئون القبائل في تلك المناطق.

لك الله أيها الجنوب…من يعيد للجنوب شافعيته

إنتقل كثير من شباب المنطقة إن بأنفسهم أو مع عائلاتهم لتلك المدن التي فيها تلك الفرص التعليمية من جامعات ومعاهد ، ليجد بعضهم في مناهج معاهدهم وجامعاتهم أن بلادهم كانت بلاد شرك وعبادة قبور إلي أن قيض الله لهم العلامة الفذ عبدالله القرعاوى لكي ينشر تعاليم الدين (دعوة أهل الجنوب) وينقذهم من ضلالات الشرك وعبادة القبور، لقد صدم كثير- من الأذكياء والمتسائلين-  من أبناء المنطقة في أباءهم وأجدادهم هل يعقل أنهم كانوا هكذا مشركين وعباد قبور إلا من رحم الله منهم !!!!

ثم وجدوا أنفسهم بعد ذلك أمام إمتهان لهويتهم وعاداتهم فعرضتهم الرسمية يجب أن تكون  (العرضة النجدية) ، وأن ما تقومون به هو لون من ألوان الفلكلور الشعبي ، كما أن رقصتكم فيها نوع من الجهالة ليتم تسليط بعض صحويوا المنطقة ليصموها بالحرمة ،  ليبدأ سجال أبناء القبائل الجنوبية في كل صيف عندما يعودون الي قراهم ، هل العرضة حلال أم حرام ، الي عشرات المسائل الجزئية من مثل هل يجوز للمرأة  كشف وجهها ، الي غير تلك من الجزئيات الغريبة.

إرتفعت عالياً أصوات من يسمون بجيل الصحوة هذه ،  ليقوموا بالتأليب على ابناء المنطقة من بني جلدتهم ، يريدون أن يفهموهم أنهم على جهل وغواية وأنهم هم من عرف الحق والهداية وهكذا… لتبدأ  محاضرات بن مسفر والقرني والحوالى وغيره تصم الآذان لتقول لأبناء المنطقة  انكم جهلة وفسقة ولدينا طريق الهداية.

لقد جرت أكبر عملية تجريف للهوية والإستلاب العقدي لأبناء هذه المنطقة ، هذه المنطقة التي كان علماؤها وأبناؤها في أغلبهم على المذهب الشافعي ذي الإنتشار العريض في الحجاز وعسير واليمن تم إيهام أبناءه – تصريحا أو تلميحاً-  بأنهم مشركون وأن عليهم العودة للدين الصحيح وتم تجفيف كافة المدارس ومنع مدرسي المذهب من علمائنا الشوافع والأشاعرة اللذين يمثلون أهل السنة والجماعة في تلك المنطقة من البروز أو التحدث، وبعد مرورعدة سنين قام بعض أبناء المنطقة بعمل مراجعات فكرية لما آلت اليه المنطقة من تضليل فما كانت من الجهات الأمنية والجهات المشرفة على الشئون الإسلامية الا بمنع ومضايقة أولئك الدعاة والعلماء وكان من آخرهم الإخفاء القسري لإثنين من مشايخ المنطقة لأكثر من عام ونصف في سجون المباحث العامة وهما الشيخ عبدالله الشهراني والشيخ صالح الأسمري.

ولا أريد الحديث عن ما حدث في عاصمة  الحجاز وأقصد بها مكة المكرمة وماعاناه مشايخها من إتهام في العقائد وتضييق ومنع فهذا شأن آخر أيضاً.

لك الله ايها الجنوب…عزل الجنوب عن مكوناته

تم فصل الجنوب السعودي عن كافة مكوناته عن طريق التجاهل والحرمان من التنمية والتواصل فقد بقيت مدن ومناطق تهامة مناطق معزولة لعشرات السنين ولم تكن تتمتع بمشاريع طرق توصل ابناء السراة بإخوانهم أبناء تهامة الا عبر طرق محدودة بعضها في الباحة والأخرى في أبها وذلك لمنطقة يقارب إمتدادها من الثمانمائة كيلو متر ناهيك عن الطرق(العقاب) التي يعملها الأهالي ذات الخطورة العالية .

بالإضافة الي عزل ابناء المنطقة عن بعضهم البعض كان هناك عزل لأولئك الذين خارج الحدود من أبناء المناطق والقبائل اليمنية ، وهنا حدث ولاحرج عن حجم معاناة اليمنيين وأخوانهم في الجانب السعودي ممن تربطهم  علاقات نسب أو قرابة أو حتى ابناء القبيلة الواحدة ممن لم يتم تصحيح أوضاعهم ، لقد كانت الحياة ومازالت جحيماً على أخواننا اليمنيين فهم لايستطيعون الدخول الي الأراضي السعودية الا بتأشيرة و كان من الصعب توفيرها في ظل أنظمة كفالة وشروط مجحفة بحقهم، فضلاً عن أكبر عملية طرد تمت في المنطقة إبان التسعينات عندما تم طرد عشرات الآلاف من المقيمين اليمنيين من المملكة،  لقد تم عزل المكون اليمني بالكلية لعقود، لايستطيع اليمني حتى أن يسافر براً الي الاردن او لبنان أو اي دول عربية اخري الا عبر المرور بالحدود السعودية والتي غالباً ما تمنعه مما يجعل الحياة هناك أشبه بسجن كبير، فضلاً عن ممارسة التجويع والإقصاء للشعب اليمني وحرمانه من حقة في حرية التنقل ، كما تم دعم شيوخ قبائل وعسكريين فاسدين لإستتباع اليمن وجعله يدور في فلك النظام السعودي، وهذا شأن آخر .

لك الله أيها الجنوب

أكبر عملية تهجير قسري في تاريخ الجزيرة العربية

تعرض أبناء الحد الجنوبي (منطقة جازان) في عام 2009م لأكبرعملية  إخلاء  وتهجير قسري لمناطق واسعة من المنطقة المحاذية للحدود اليمنية في محافظة جازان ذات الكثافة السكانية العالية والمستوي المعيشي المنخفض. وقد طالت أعمال التهجير قرابة (450) قرية، وتضرر منها أكثر من (12) ألفاً من المواطنين.

وقد شابت عمليات الإخلاء الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان. كما أن عمليات التعويض والإسكان والإغاثة تمت بطريقة غير منظمة، وشابها الكثير من أعمال الاستغلال والفساد، ومازال الكثير من سكان المنطقة غير راضين عن الإجراءات الحكومية التعسفية.

يعيش على طرفي الحدود قبائل عربية عريقة متداخلة في الأراضي والأنساب والمصالح، وتحمل نفس العادات، إلا أن خط الحدود المرسوم كان أكثر حدّة، وتم عزل جميع القبائل المتداخلة عن بعضها، كما قامت وزارة الداخلية السعودية ممثلة في (حرس الحدود) بعمل منطقة عازلة بين الحدود السعودية والحدود اليمنية، امتدت في بعض المناطق من (500) متر مربع إلى أكثر من عشرة كيلو مترات، حسب طبيعة وأهمية هذه المناطق الحدودية، وبناءاً  على تقديرات اللجنة العليا لحرم الحدود التابعة لحرس الحدود.

بعد انتهاء أعمال الحرب ضد الحوثيين في ذلك العام قامت السلطات السعودية بمنع الآلاف من سكان المنطقة من العودة إلى منازلهم وأراضيهم، وقامت بعمل سياج حديدي “شبوك ” ووضعت عدة بوابات. وقد قام العديد من أهالي المنطقة بالاعتصام السلمي أمام هذه البوابات، وتداعت كافة القبائل (قبائل الحرث) للاعتصام مطالبين بإعادتهم إلى مساكنهم وتمكينهم من أراضيهم، لكن دون جدوى.

بعد ذلك قامت وزارة الداخلية بمنع الاعتصام، والالتفاف على مطالب المواطنين ، كما قامت باعتقال بعض الناشطين الذين يدعون للاعتصام السلمي، أو يقومون بترتيب مثل هذه المظاهرات السلمية للمطالبة بحقوقهم، وكان منهم الناشط / عيسى النخيفي من أبناء المنطقة والذي ما زال سجيناً حتى الآن ، كما تم محاكمة أحدعرفاء تلك القبيلة محاكمة سرية بعد سجنه عدة سنين في سجون المباحث العامة السرية وذلك على خلفية إعترضه على تجريف أرضه وللأسف قتله أحد الضباط والجنود أثناء منعهم من هدم منزله وتجريف أرضه .

لك الله أيها الجنوب ….عرقنة جنوب المملكة

للأسف الشديد إن ما تجرنا اليه الحكومة بتوجهاتها وقراراتها العدوانية تجاه اليمن سيتضرر منها الجميع من مواطني المملكة ولكن أبناء المنطقة الجنوبية هم المتضررين بالدرجة الأولى وما الحروب السابقة التي ذهب ضحيتها المئات  والتهجير القسري للسكان الذي طال الآلاف الا نماذج وعينات لما يمكن أن تصل اليه المنطقة ، كما أن أدبيات التطرف والتكفير والإقصاء والإتهام  للآخر أصبحت أرضية جاهزة وملغومة لتكون أرض الجنوب مرتعاً لعصابات مسلحة في حال توسعت الحرب مع اليمن وخرجت عن السيطرة ، ونرجو الايأتي ذلك اليوم الذي نرى فيه جماعات مسلحة متطرفة تجوب جبال السراه، لاسمح الله .

إن قرار الحرب المتهور والعدواني والذي لاتسنده شرعية قانونية أو أخلاقية هي من ستتسبب في فتح المستقبل على المجهول والمقامرة بأمن وسلامة ووحدة بلادنا ، مثل هذه الحرب تزيد الشق وتضرب اللحمة بين الشعبين والذين هما اشقاء ومن أمة واحدة  والمتضرر في هذه الاعمال الحمقاء المتعالية هم ابناء الجنوب ، قلناها مراراً وتكراراً  إن أي حرب دون موافقة نواب الأمة عبر مجلس شورى يمثل إرادة الشعب بصدق وآلية إنتخابية شفافة يعتبر مغامرة غير محسوبة ، وإستبداداً بالقرار وبمصير الشعب وغالباً ما يؤدي الى كارثة.

كما أن أي عمليات إخلاء لأجل عمليات عسكرية يجب أن تحضى بموافقة السكان الأصليين عبر مشاوارات جادة وصريحة من مندوبيهم وممثليهم، كما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية.

أخيراً …..هانحن نشاهد الحرب لم تحقق أهدافها ونري ملامح عسكرة وتعبئة في مناطق الجنوب غير مسبوقة ، وما إعلان الداخلية – إن صح – عن تشكيل مايسمى بوكالة الأفواج لتجنيد أبناء القبائل المتاخمة للحدود إلا نوعاً من التصعييد الخطير ، والإستمرار في السياسات الخاطئة نحو تفريق قبائل الجنوب وإستحداث عداوات بين القبائل الأخرى على الجانب الآخر من الحدود .

نذر التداعيات الإقليمية الخطيرة بسبب هذا العدوان وهذه القرارات الخاطئة والكارثية ستدخل الجنوب في دوامة لايعلم مداها إلا الله ، وأخشي ما نخشاه أن يتم عرقنة الجنوب السعودي ليكون مثل حال العراق أو سوريا مما لاتستطيع السيطرة عليه الحكومة المركزية في الرياض ، بسبب هذه السياسات الرعناء .

 

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...