قراءة سياسيّة جديدة في رسالة الإمام الخميني إلى غورباتشوف
4 يناير,2017
تقاريـــر
993 زيارة
الوقت – تمرّ اليوم الذكرى السنوية الثامنة والعشرون لرسالة مفجّر الثورة الإسلامية الإمام الخميني (ره) إلى رئيس المجلس الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية “ميخائيل غورباتشوف”. غورباتشوف الذي كان يقوم بمراجعة النظام السوفياتي، لم يعمل بتوصيات الإمام الراحل الذي دعاه إلى أن “تحققوا بدقة وجدية حول الإسلام” وقد إنهار الاتحاد السوفيتي حينها، لكن غورباتشوف نفسه أعلن ندمه لعدم تنفيذ وصية الإمام الخميني الذي حذره من تبعات وقوعه في الفخ الذي نصبه له الغرب، وقد قال لصحفي بعد حوالي 12 عاماً من رسالة الامام الراحل “إني أتأسف لعدم تفهمي لتلك الرسالة آنذاك كي لا يقع الاتحاد السوفيتي في هذا الوضع”.
لسنا في وارد القراءة الدينيّة للرسالة التاريخية، بل سنتناولها من منظار سياسي نركّز خلالها على محطتين رئيسيتين الأولى روسيّة والأخرى إيرانية مع الأخذ بعين الاعتبار آخر التطوّرات على الساحة الإقليميّة.
بين الشرق والغرب
جاءت رسالة الإمام الخميني في خضم الثنائية القطبية العالميّة، وقد خاطب الإمام رئيس الاتحاد السوفياتي قائلاً: عسى أن تكون جرأتكم وشجاعتكم في التعامل مع حقائق الواقع العالمي منبعا لإحداث تغييرات؛ وسببا لقلب المعادلات الحاكمة فعلا في العالم. وأضاف: سوف يسمع العالم في وقت قريب صوت تهشم عظام الشيوعية، وبالفعل هذا ما حصل.
الثنائية حينها، كانت منطلقاً لكافّة المواقف التي تصدر عن الدول، ويكفي أن تعرف الموقف الأمريكي أو الروسي حينها، لمعرفة موقف الطرف المقابل، وكذلك حلفائه، حيث لم تعر السياسة أي أهمية لمعيار الحق في هذه المواقف.
بعبارة أوضح، لم يكن هناك أي استعداد من أي دولة ما للوقوف أمام التحديات الأمريكية أو الروسية، بل عمدت أغلب دول العالم للانطواء تحت العباءة الشيوعيّة أو الرأسماليّة، عدا الجمهورية الإسلاميّة التي أعلنت شعارها “لا شرقيّة ولا غربيّة”.
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي سطع نجم الرأسماليّة الأمريكية على الساحة الدولية أكثر من السابق حيث باتت أمريكا تفرض سطوتها على كافّة دول العالم والقرارات السياسية العالميّة، إلا أن الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية أصرّت على شعارها في مواجهة “الشيطان الأكبر”.
لا شرقيّة ولا غربيّة
بخلاف الوضع الدولي القائم حينها، جاء شعار “لا شرقيّة ولا غربيّة” ليؤكد سطوع نجم جديد عرقل الكثير من المخططات الأمريكية، لاسيّما في منطقة الشرق الأوسط، وقد نجح هذا الشعار اليوم في تكريس محور إقليمي نجح في جذب اللاعب الدولي الروسي إلى ساحته من جديد.
لم يكن هذا السطوع بالمجان، فقد قدّمت الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة الكثير من التضحيات الضخمة، بدءاً من الحرب المفروضة من قبل صدّام ومن يقف خلفه (الملف الوحيد الذي حظِيَ بدعم روسي أمريكي مشترك)، انتهاءً بالعقوبات الاقتصادية لأكثر من ربع قرن، ومروراً بالدعم العسكري والسياسي لكافّة الحركات المقاومة في المنطقة.
إن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانيّة وبخلاف أغلب دول العالم تتّسم بالصدق في المواقف بعيداً عن بازار المواقف السياسي “المدفوعة سلفاً”، فقد كان بإمكان إيران أن تدعم التواجد الروسي في أفغانستان على قاعدة العدو الأمريكي المشترك، إلاّ أنها أكّدت دعمها لمواقف الشعب الأفغاني من “الاحتلال الروسي” حينها.
اليوم، وفي الملف السوري نجحت الجمهورية الإسلاميّة في جذب الرئيس الروسي نحو دور فاعل إثر زيارة قام بها قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني إلى موسكو، وبالفعل نجحت روسيا في تعزيز اقتدارها الدولي بعد تخلّيها عن الغرب، وهو السبب الوحيد الذي تسبّب في سقوطها عام 1989.
لا ندري مدى إدراك الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين لأبعاد هذا الواقع الجديد، إلاّ أن الدرس الروسي سواءً في حال السقوط أيّام غورباتشوف، أو الصعودي مجدّداً في عهد الرئيس بوتين، يعدّ نموذجاً لكافّة دول المنطقة والعالم. فلا الأمريكي ولا الروسي قادر على فرض معادلاته في حال اتخذت الأنظمة قراراً بالمواجهة. نعم جلّ ما يفعله هو استصدار قرار في مجلس الأمن يجعله التعاون الإقليمي حبراً على ورق، لا أكثر ولا أقلّ.
الغريب أن هناك بعض الدول الإقليمية لا زالت تعوّل على الجانب الأمريكي رغم اعتراف الأخيرة بعجزها في أكثر من ملف أمام إيران، وهو ما زاد من حدّة مواقف هؤلاء نحو إيران عبر جر الصراع إلى عناوين طائفيّة ومذهبية.
في الواقع، إن مضمون رسالة الإمام إلى غورباتشوف بضرورة التخلي عن الغرب، موجّه اليوم إلى كافّة الدول التي تسبح في الفلك الأمريكي، لاسيّما تلك التي ذاقت نكهة الازدواجيّة والمكر الأمريكي، وما أكثرها.
إن المكانة الرفيعة التي تحظى بها الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم على الصعيدين الإقليمي والدولي تعود لأسباب عدّة، أبرزها انطلاق مواقفها من معايير صادقة ومحقّة بعيدةً عن الازدواجيّة الشرقيّة والغربيّة، فضلاً عن الاقتدار السياسي والعسكري والاقتصادي.
2017-01-04