الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / الامام علي بن الحسين السجاد (عليهما السلام)

الامام علي بن الحسين السجاد (عليهما السلام)

علي السجاد (عليه السلام) ولادته: 5 شهر شعبان المعظم سنة 38 هجرية.
وفاتـه: 25 محرم سنة 95 هجرية. قـبره: في البقيع بالمدينة المنورة.
وانتهى العاشر من المحرم ليروي للتاريخ مأساة الحق مع الباطل، وصراع النخبة المؤمنة مع الفئة الضالة الكافرة، وبزغ فجر الحادي عشر ليشهد موكب بنات وأطفال رسول الله (ص) أسرى،

وتتقدمهم رؤوس الشهداء على أسنة الحراب.

1- الإمام (عليه السلام) وأهل الكوفة:

ودخل موكب الأسرى الكوفة، وعلى رأسه بطلة كربلاء: السيدة زينب بنت علي (عليها السلام) يصحبها الإمام المريض علي بن الحسين (عليه السلام)،

unnamed

الشاب الوحيد الذي سلم من سيوف الجزارين القتلة، واحتشد الناس على الطرقات الشرفات لاستعراض سبايا الحسين (عليه السلام) وهم ما بين مبتهج وحزين ومتألم… وتأثر الإمام (عليه السلام) لمشهد هؤلاء الذين دعوا أباه (عليه السلام) ثم غدروا به وخذلوه، فخاطبهم وهو يشد على جراحه، مصورا لهم حجم المجزرة الأموية الرهيبة التي كانت من فعل أيديهم وتخاذلهم، قائلا لهم: “أيها الناس من عرفني فقد عرفني،

 

من لم يعرفني فأنا علي بن الحسين، أنا ابن من انتهكت حرمته، وسلبت نعمته، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير دخل ولا تِرات، أنا ابن من قتل صابرا، وكفى بذلك فخرا… بأية عين تنظرون إلى رسول الله (ص) إذ يقول لكم قتلتم عترتي انتهكتم حرمتي فلستم من أمتي…”.
وحين انتهى من خطبته تعالى البكاء والنحيب، فانبرت السيدة زينب (عليها السلام) تقرعهم وتوبخهم وتقول: “يا أهل الكوفة! أتبكون وتنتحبون؟.. إي والله، فأبكوا كثيرا وأضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها… قتل سليل خاتم النبوة وسيد شباب أهل الجنة.. فتعسا لكم وسحقا، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي وبؤتم بغضب من الله ورسوله.. ويلكم أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم..”.
وهكذا استطاع الإمام وعمته أن يهزا وجدان الأمة، ويثيرا موجة من السخط والغليان كادت أن تتفجر، لولا تدخل السلطة الذين عزلوهم عن الاحتكاك بالجماهير، وأدخلوهم إلى قصر الإمارة.
2- الإمام (عليه السلام) في الشام:
وتابع الأمويون قيادة الأسرى إلى الشام، لينظر يزيد في أمرهم وكانت وسائل الإعلام هناك قد سخرت لإقناع العامة بأن الحسين (عليه السلام) وأصحابه جماعة من المتمردين على سلطان الخلافة، وقد نجحت هذه الدعاية إلى حد كبير، لذا كان هم الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أن يكشف الحقيقة، فاتحه في مواقفه وخطبه إلى تبيان هوية الشهداء في أرض كربلاء، وماهية الأسرى الذين يحتفلون بإستعراضهم.

 

unnamed6

يروي التاريخ أن شيخاً دنى من الإمام (عليه السلام) فقال له: الحمد لله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم فأجابه الإمام: يا شيخ أقرأت القرآن؟

قال الشيخ: بلى.
قال (عليه السلام): أقرأت: “قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى”؟، قال: بلى.
قال (عليه السلام): أقرأت:”إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً”؟
قال الشيخ: بلى.
قال (عليه السلام): نحن أهل البيت، قال الشيخ: بالله عليك أنتم هم؟؟!
قال (عليه السلام): إنَّا لنحن هم.
فأسف الشيخ، واعتذر، وتبرأ إلى الله من آل أمية وحزبهم.
وفي هذا الإطار ألقى الإمام (عليه السلام) كلمات في مجلس يزيد، أبرز بها هوية الأسرى ومقامهم الرفيع في الإسلام، ومما قاله: “يا أيها الناس، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن من صلى بملائكة السما، أنا ابن ما أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المرمل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء…”.
وحين بلغ هذا الموضع، كانت الدهشة قد غمرت الوجوه، وبدأ الاستفسار يرتسم في الأذهان، مما اضطر يزيد إلى أن يقطع عليه كلامه، ويأمر المؤذن بالأذان. فسكت الإمام (عليه السلام) حتى قال المؤذن: “أشهد أن محمد رسول الله”، فالتفت الإمام (عليه السلام) إلى يزيد وقال: أهذا الرسول الكريم جدك أم جدي؟، فإن قلت جدك علم الحاضرون والناس جميعاً أنك كاذب، وإن كان جدي فلم قتلت أبي ظلماً وعدواناً؟…”.
3- الإمام (عليه السلام) في المدينة:
وخاف يزيد من إثارة الرأي العام بوجود السبايا في الشام، فسارع بترحيلهم إلى المدينة، وعلى مشارف المدينة هذه أرسل الإمام (عليه السلام) أحد الشعراء لينعى الحسين (عليه السلام) بشعر مؤثر، فهب الناس مذعورين، وتجمهروا حول آل الرسول (ص) في تظاهرة احتجاجية مؤثرة،

 

حيث خطب بهم الإمام (عليه السلام) موضحا طبيعة المأساة التي ألمت بهم، وما لاقوه من قتل وظلم وتشريد. وبعدها دخل الإمام (عليه السلام) المدينة ليمارس دوره في إذكاء روح الثورة في نفوس الناس، فكان يعقد بين الحين والآخر مجالس تأبينية لشهداء كربلاء، وكان يغتنم الفرص لإثارة مأساة والده في النفوس كي تتفاعل أكثر وتتسع وتمتد مفاهيمها وأهدافها إلى كل الأوساط والعصور، وفي هذا المجال:
يروى أن الإمام (عليه السلام) وقف أمام جزار، فسأله: يا رجل هل تسقي حيواناتك قبل الذبح؟
فدهش الجزار من السؤال وقال:بلى يا ابن رسول الله، وقال (عليه السلام): إن أبي الحسين ذبح عطشانا في أرض كربلاء.
4- تفاعل مجزرة كربلاء:
بعد أن ساهم الإمام (عليه السلام) في إثارة الرأي العام في مسيرته من كربلاء إلى المدينة، وبتحريك عاطفة المسلمين بمواقفه وأقواله وتحركاته الهادئة… اعتزل الحكم والحاكمين ليفسح المجال أمام مأساة كربلاء كي تتفاعل وتمتد وتحقق أهدافها.
وبالفعل، وبعد فترة قصيرة، أفرزت واقعة كربلاء حركات ثورية معارضة، كانت جميعها

 

تلوح بحادثة الطف، لاكتساب عاطفة الجماهير واستقطابهم ومن أهم تلك الحركات:
1-ثورة المدينة المنورة: وكانت تعبيراً عن رفض الأمة لممارسات الحكم الأموي الظالم، إذ انطلقت بقيادة (عبد الله بن حنظلة الأنصاري). الذي عقد مؤتمراً لزعماء المدينة، أعلن من خلاله الثورة، فطرد آل أمية وعلى رأسهم مروان بن الحكم.
ولكن يزيد سارع بإرسال (مسلم بن عقبة) الذي حاصر المدينة، وخاض مع الثوار معركة قاسية، أزهق خلالها الأرواح، وأباح المدينة ثلاثة أيام للقتل والسلب والنهب.
2-ثورة التوابين: وكانت بقيادة (سليمان بن صرد الخزاعي)، وكان سجيناً أثناء مجزرة كربلاء. والتوابون جماعة من أهل الكوفة بلغ بهم الأسى والندم حداً حملهم على رفع شعار الانتقام والتكفير عن الذنب، وذلك إما بقتلهم المجرمين، أو بالموت في سبيل الله. فزحفوا نحو الشام، وخاضوا معركة حاسمة في (عين الوردة) قرب الشام، انتهت بمقتلهم وإجهاض حركتهم.
3-ثورة المختار الثقفي: بعد هزيمة التوابين، قاد المختار انتفاضة الكوفة، واستولى على الحكم، وفتك بزعماء المشركين في واقعة كربلاء الذين حماهم عبد الله بن الزبير. واستمرت الثورة فترة حتى انتهت على يد مصعب بن الزبير الذي قتل المختار ونكل بأتباعه.
إزاء هذه الثورات، التزم الإمام (عليه السلام) استراتيجية الابتعاد عن العنف، لإدراكه بأن المرحلة تقتضي بأن يتحرك بمرونة وهدوء لأن الحكم الأموي لا يزال في عنفوان مجده وشدته خاصة في عهد عبد الملك بن مروان، وواليه على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي وزعماء المعارضة وجماهير الأمة موزعون في انتماءاتهم واتجاهاتهم.
لذا رأى الإمام (عليه السلام) أن مقومات الثورة لم تكن متوافرة آنذاك، وأن أي تحرك سلبي يمكن أن يؤدي إلى كارثة تقضي على بقية البقية الباقية من الصفوة المؤمنة، ولكنه في الوقت ذاته كان يؤيد هذه الانتفاضات التي تبرز بين حين وآخر لتثأر وتنتقم، ولتقوض بعض كيان الدولة الظالمة.

jpg.74
5- إطار عمل الإمام (عليه السلام):
انصرف الإمام (عليه السلام) لممارسة دوره في إطار التوعية الدينية، والتوجيه الروحي والعمل الاجتماعي حتى أصبح القدوة للمؤمنين ومحجة للعلماء والمفكرين، ويبرز ذلك العصر فقد عبر “الزهري” عنه قائلا: “لم أدرك أحدا من أهل هذا البيت أفضل من علي بن الحسين (عليه السلام)”.
وقال “سفيان بن عيينة”: “ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه”. وهذا السلوك الرسالي الهادئ سمح للإمام (عليه السلام) بأن يتحرك بحرية، إذ كانت السلطة تتجنبه في كل ممارساتها القمعية، وقد أوصى عبد الملك بن مروان واليه الحجاج خيرا بالإمام (عليه السلام) فكتب إليه: “أما بعد فجنبني دماء بني عبد المطلب، فأني رأيت آل بني سفيان لما ولغوا فيها لم يلبثوا إلا قليلا”.
وأستفاد الإمام (عليه السلام) من هدنة الأمويين، ليعمل على بناء الإنسان الرسالي المخلص الذي كانت تفتقر لأمثاله الأمة الإسلامية، فوجه اهتمامه إلى مجالات ثلاثة:
1- المجال الروحي والخلقي: كانت سياسة الأمويون بإشاعة أجواء الغناء واللهو والترف في أوساط الناس، كي ينصرفوا عن التفيكر في قضاياهم المصيرية، وممارسات الخلفاء العابثة، فتحولت بسبب ذلك المدينتان المقدستان: مكة والمدينة إلى مواطن للمغنين والمغنيات.
وحاول الإمام (عليه السلام) أن يخفف من طغيان هذا الجو المادي بتوجيه المسلمين، وتعميق ارتباطهم بالله والقيم والأحكام الإسلامية، فاستخدم الدعاء كوسيلة تربوية وإصلاحية، تبدأ بتطهير الذات من الداخل لتتجسد في الخارج واقعاً وسلوكاً نظيفاً ونافعاً، فأثار في أدعيته المباركة كل القضايا التي تهم الإنسان والمجتمع، إذ علم المسلمين كيف يمجدون الله ويحمدونه، وكيف يتطهرون بالتوبة من ذنوبهم، وكيف يتعاملون مع الآخرين، وكيف يتمسكون بفاضل الأعمال والواجبات.
وهكذا استطاع الإمام (عليه السلام) بإسلوب مرن وجذاب أن يوصل الفكر الإسلامي الأصيل إلى القلوب الظمأى في ذلك الجو المادي المتفجر بالمآسي والمحن.
2-المجال العلمي والفقهي: وكرس اهتمامه أيضاً على الجانب العلمي والفقهي، من أجل بناء قيادات تحمل العلم والمعرفة الصحيحة، لترشد وتهدي وتثقف، فكان يعقد الحلقات الدينية والفكرية في مسجد الرسول (ص)، فيعلم، ويحاور، ويربي، ويستمع… حتى أصبح مجلسه محجة للعلماء والفقهاء من جميع الأقطار.
3-المجال الاجتماعي والإنساني: اشتهر الإمام (عليه السلام) بعطفه على الطبقات الفقيرة، وقد روي عنه: أنه كان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره حتى يأتي باباً فيقرعه، ثم يناول من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه.
وكان يشتري في كل عام مئات من العبيد ليحررهم في العيدين (الفطر والأضحى)، حتى لقد سماه بعضهم بمحرر العبيد.
6- نتائج سياسة الإمام (عليه السلام):
ولعل سياسة الإمام (عليه السلام) العلمية والاجتماعية أثمرت في توسيع القاعدة الشعبية والفكرية المتعاطفة معه، مما أوغر صدور الحكام الأمويين، الذين خافوا من التفاف الناس حوله،لهذا أصدر عبد الملك بن مروان أمرا باعتقاله وأرسله مقيدا إليه، ولكن قوة شخصية الإمام (عليه السلام)، أثارت الاحترام في نفس الخليفة، فلم يمسه بسوء، فأرجعه سالماً إلى المدينة .
غير أن الموقف تأزم بعد وفاة عبد الملك، وذلك بتسليم ابنه الوليد زمام الحكم، في وقت كانت صفيت فيه كل قوى المعارضة، حتى لم يبق في الساحة سوى الإمام (عليه السلام) الذي كان لا يزال يتابع مسيرته الإصلاحية الهادفة، فقرر الوليد تصفيته، فأوعز إلى أخيه سليمان بدس السم له.

 

 

https://t.me/wilayahinfo

 

5

 

شاهد أيضاً

ثواب البكاء على الامام الحسين عليه السلام

قال الصادق (ع) : لكل سّر ثواب، إلا الدمعة فينا. المصدر: كامل الزيارات ص106 بيــان: لعل المعنى ...