يعتبر القرآن الكريم المعجزة الكبرى التي تمثل عماد الإسلام ومنهجه الأساسي في الفكر والعمل والحركة، وتأتي تلاوة القرآن الكريم لتكون تعبيراً عن هذه الوضعية الرئيسة في البناء الإسلامي الاجتماعي، ترتبط بحياة المسلم اليومية في صحوه ونومه، في عمله وفراغه، في تفكيره وتطبيقه، وقد شبهها القرآن الكريم بالتجارة الرابحة، أو هي كذلك تجارة رابحة لن تبور. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر/ 29-30).
نص المقال :
إنّ تلاوة القرآن الكريم عبادة إسلامية حض عليها القرآن الكريم، وأغرى بها المسلمين في أكثر من مناسبة؛ ليكون المسلم موصولاً بربه ليل نهار، مرتبطاً بالمنهج الإلهي في الفكر والسلوك، والعمل والأخلاق، فيقترب دائماً من مناطق النور والأمل، والإبداع والتفوق، حتى يصل إلى المنزلة الكبيرة في الفردوس الأعلى، قال تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) (الإسراء/ 78-79).
قرآن الفجر هو صلاة الفجر لدى الجمهور، وفي هذا التوقيت تكون النفس صافية بعيدة عن الشوائب، أو إنّ الشوائب بعيدة عنها، فتكون القراءة في أثناء الصلاة، أو قبلها أو بعدها باعثاً على الفهم والتدبر والوعي بدلالة الآيات معطياتها، أو إدراك كثير من هذه المعطيات وتلك الدلالات.. وقد تتعدد دلالة الشهود، “كان مشهوداً” بحضور الملائكة أو حضور الناس، أو حضور كليهما، مما يعني أهمية القرآن في الفجر، وفضله على المسلم والأُمّة جميعاً، ولعل ذلك يتضح من سياق قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا) (الإسراء/ 82).
إنّ القرآن الكريم أساس العبادات الإسلامية، بل إنّ الركن الأهم بعد الشهادتين وهو الصلاة، يعتمد بالأساس على القرآن، حيث يقرأ المسلم في كل ركعة سورة الفاتحة مع سورة قصيرة أو بعض الآيات من سورة طويلة، وقراءة الفاتحة فرض أساسي من فروض الصلاة في كل ركعة، وقد رأى بعض الفقهاء أن مطلق القراءة للقرآن الكريم ركن من أركان الصلاة.
ولا شك أن فضل قراءة القرآن مع مدارسته يشير إلى فوائد دنيوية وأخروية أشار إليها الحديث الشريف إجمالاً، وهي فوائد ثمينة القيمة يصعب أن تتحقق خارج الإيمان وقراءة القرآن، تأمل معنى السكينة، ومعطياتها في عالم قلق أو مجتمع مضطرب، لا يقر أفراده على قرار، ولا يجدون سبيلاً إلى الطمأنينة، فيأتي القرآن الكريم ليمنحهم السكينة بما تحمله من معان شتى تفيد الصبر والجلد، والرضا والقناعة، والاستعداد للبذل والتضحيات في سبيل الله والمجتمع، ومواجهة الصعاب والعقبات بإرادة مطمئنة لا تجزع أمام الشدائد، ولا يصيبها الذعر عند المحن والمتاعب.. وتأمل دلالة “غشيتهم الرحمة”، وهذا من فضل الله على قارئي القرآن الكريم ودراسيه، وفي الرحمة من الدلائل والمعاني ما يشمل الرفق والحنو والمكافأة والحب والتوفيق من لدن الخالق سبحانه، وفيما بين الناس وبعضهم، وعلى مستوى المسلم الفرد ذاته، حيث يعيش نعمة منظورة وغير منظورة بفضل الله سبحانه في الدنيا وداخل المجتمع… ثمّ ينال قراء القرآن الكريم فضلاً آخر وهو مصاحبة الملائكة لهم حماية ونوراً وكرماً إلهياً “تحفهم الملائكة”، ويتوج هذا الفضل بذكرهم عند الله في ملأ من عنده، ولعل هذا يعني القبول عند الله، وأعظم به من نعمة.
المصدر موقع المجمع العالمي
المصدر:موقع مؤسسة السبطين العالمية