الرئيسية / من / طرائف الحكم / أهمّية تهذيب النفس وضرورته – تأثير العلماء المهذّبين في إصلاح المجتمع

أهمّية تهذيب النفس وضرورته – تأثير العلماء المهذّبين في إصلاح المجتمع

تأثير العلماء المهذّبين في إصلاح المجتمع

 

 

تأثير العالِم المهذّب في إصلاح المجتمع

محلّات‏ هي منطقة كنت أذهب إليها في بعض فصول الصيف. في الصيف كنت هناك، وفي الوقت الذي حللت فيها شعرت بأنّ أهاليها يختلفون عن أهالي كثير من المناطق. كان اهتمامهم بالدين أكثر من بعض المناطق الأخرى، بل من معظم المناطق الأخرى، والذي أدركته هو أنّها كانت بفضل علمائها تتّسم بهذه الميزة. العلماء الذين كانوا في محلّات‏ كانوا علماء يتمتّعون بأخلاق فاضلة، ويقومون بمسؤولياتهم العلمائية كما ينبغي، ويحسنون أداء واجباتهم الدينية. والناس أيضاً بتبعيتهم لهم صاروا صالحين. كانوا من أهل المسجد، وأهل الدعاء، وأهل العبادة والعمل. أنا منذ حوالي ما يقارب الثلاثين عاماً لم أر كمحّلات مكاناً آخر. ولا أعرف إن كانت الآن لا تزال على تلك الحال، آمل أن تكون. إذا تحوّل الإنسان نفسه إلى إنسان يتربّى بتربية الأنبياء فلا بد أن يصير إنساناً، والمجتمع أيضاً يرتقي بتبعه. قد يؤدّي فرد واحد إلى فساد مجتمع، وفي بعض الأحيان قد يؤدّي فرد إلى إصلاح مجتمع. هذا الفرد قد يكون من أصحاب السلطة الذين يوليهم الناس اهتمامهم، وقد يكون من علماء الدين الذين يسترعون انتباه الناس أيضاً.

قليلاً ما يُلحظ في أهل السلطة أشخاص متربّون، لا أستحضر الآن. لكنّه يحصل قليلًا أن نجد أمثال هؤلاء في علماء الدين. فإذا كان عالم الدين في مكان ما ملتزماً، فإنّه يُزكّي ذلك المكان، ولو كان في كلّ بلد عدّة علماء دين مثلما يجب على العالِم أن يكون، ومثلما يريد الإسلام، فإنّ الناس ومن خلال تبعيتهم للعلماء سيصلحون، وبإصلاح الناس يتشكّل المجتمع السليم أيضاً[1].

التسبّب بالضرر والانحراف بالإسلام والمجتمع

إنّكم إذا ما رجعتم إلى كتاب أصول الكافي[2] وكتاب الوسائل[3]، وتصفّحنا الأبواب المتعلّقة بواجبات علماء الدين فسوف تواجهون بواجبات عظيمة ومسؤوليات خطيرة ذُكرت لأهل العلم. ففي الحديث: “عن جميل بن درّاج قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: “إذا بلغت النفس ههنا (وأشار بيده إلى حلقه) لم يكن للعالم توبة، ثم قرأ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ[4][5]. وجاء في حديث آخر: عن حفص بن قياس عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “يا حفص، يُغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يُغفر للعالِم ذنب واحد[6]، لأنّ معصية العالِم تُسيء كثيراً للإسلام والمجتمع الإسلامي. فإذا ارتكب العامّي والجاهل معصية، فإنّه يُسيء إلى نفسه فحسب ويضرّها. ولكن إذا ما انحرف العالِم وارتكب عملاً قبيحاً فإنّه سيحرف عالَماً، ويكون قد أساء إلى الإسلام وعلماء الدين[7]، وإنّ ما ورد في الحديث من أنّ أهل النار ليتأذّون من ريح العالِم التارك لعلمه[8]، راجع لأنّه يوجد فرق كبير في الدنيا بين العالِم والجاهل بالنسبة لنفع وضرر كلٍّ منهما للإسلام والمجتمع الإسلامي.

فإذا ما انحرف العالِم فمن الممكن أن يُضلّ أمّة بأسرها ويجرّها إلى الهاوية. وإذا كان مهذّباً يراعي الأخلاق والآداب الإسلامية، فإنّه يعمل على هداية المجتمع وتهذيبه.

ولقد كنت أرى في بعض المدن التي كنت أذهب إليها في فصل الصيف، أهالي تلك المدن ملتزمين بآداب الشرع إلى حدٍّ كبير. والسبب في ذلك كما اتضح لي، هو أنّه كان لديهم عالم صالح ومتّق. فإذا كان العالِم الورع والصالح يعيش في مجتمع أو مدينة أو محافظة ما، فإنّ

وجوده يبعث على تهذيب أهالي تلك المدينة وهدايتهم، وإن لم يكن يُمارس الوعظ والإرشاد لفظاً[9]. لقد رأينا أشخاصاً كان وجودهم يبعث على الموعظة والعبرة، مجرّد النظر إليهم كان يبعث على الاتعاظ والاعتبار[10].

 

تأذّي أهل جهنّم من العالِم الفاسد

الآن مناطق طهران – وأنا لديّ اطلاع إجمالي – تختلف عن بعضها. فالمنطقة التي يقطنها عالِم ورع ومتّق، يكون أهاليها مؤمنين صالحين. وفي محلّة أخرى حيث أصبح أحد المنحرفين الفاسدين معمّماً وأصبح إماماً للجماعة وفتح دكّاناً له، تراه يخدع الناس ويلوّثهم ويحرفهم.

إنّ هذا التلوّث هو الذي يتأذّى من رائحة تعفّنه أهل جهنّم.. إنّه تعفّن هذا الذي يجترحه عالِم السوء والعالِم غير العامل والعالِم المنحرف في هذه الدنيا، وتؤذي رائحته مشام أهل جهنّم في الآخرة، لا أنه يضاف له شيء في ذلك المكان. فالذي يحدث في عالَم الآخرة هو الشيء ذاته الذي تمّ إعداده في هذه الدنيا، فلا يُضاف شيء إلى أعمالنا من خارجها.

فإذا ما اتّصف العالِم بالإفساد والخبث فإنّه سيجرّ المجتمع إلى الانحطاط والتعفّن، غاية الأمر أنّ حاسّة الشمّ في هذه الدنيا لا تشمّ رائحة تعفّنه، ولكن في الآخرة تشمّ. بيد أنّ الشخص العامّي ليس باستطاعته أن يوجد مثل هذا الفساد والتلوّث في المجتمع الإسلامي. الشخص العامّي لا يسمح لنفسه أبداً أن يدّعي الإمامة والمهدوية والنبوّة والألوهية. العالِم الفاسد هو الذي قاد عالَماً إلى الفساد. “إذا فسد العالِم فسد العالَم”[11].

 

مبتدعو الأديان المنحرفة

إنّ غالبية الذين ابتدعوا الأديان وتسبّبوا في انحراف كثيرين وإضلالهم، كانوا من أهل العلم. فبعض هؤلاء درسوا في المراكز العلمية الدينية ومارسوا الرياضات النفسية[12]، حتى إنّ

مؤسّس إحدى الفرق الضالّة قد درس في حوزاتنا العلمية هذه، ولكن نظراً لأنّ دراسته لم تكن مقترنة بتهذيب النفس وتزكيتها، لم يخط على صراط الله، ولم يتمكّن من إبعاد نفسه عن الرذائل، فكانت عاقبته كلّ تلك الفضائح. فإذا لم يتخلّص الإنسان من الخبائث، فإنّ دراسته وتعلّمه مهما بلغ ليس فقط لن يجديه نفعاً بل سيلحق به الأضرار أيضاً.

فالعلم عندما يكون في أرضية غير صالحة، سوف ينبت نباتاً خبيثاً ويُصبح شجرة خبيثة. وكلّما تكدّست هذه المفاهيم في القلب المظلم غير المهذّب، ازداد الحجاب أكثر فأكثر، “العلم هو الحجاب الأكبر“. ومن هنا كان شرّ العالِم الفاسد بالنسبة للإسلام أخطر وأعظم من كلّ الشرور.

العلم نور، إلا أنّه في القلب المظلم والقلب الفاسد، يجعل الظلمة أكثر عتمة. كما أنّ العلم يُقرّب الإنسان من الله تعالى، إلا أنّه في النفس الطالبة للدنيا يبعث على الابتعاد أكثر عن محضر ذي الجلال. وعلم التوحيد أيضاً إذا كان لغير الله فإنّه يكون من الحجب الظلمانية لأنّه انشغال بما سوى الله. ولو أنّ شخصاً حفظ القرآن بالقراءات الأربع عشرة لما سوى الله تعالى وتلاها، فإنّه لن يجني سوى الحجاب والابتعاد عن الحقّ تعالى.

إنّكم لو درستم وتحمّلتم الصعاب في هذا السبيل، فقد تصبحون علماء، ولكن ينبغي أن تعلموا أن ثمة فرقاً كبيراً بين “العالِم” و “المهذّب[13].

 

خطورة ورود العلم على النفس غير المهذّبة

إذا لم تُزكّ الأنفس واذا لم تُطهّر ولم تتحرّر من تلك الصفات الفاسدة فإنّ العلم سيترك آثاراً سيّئة فيها. فكلّ المذاهب الباطلة اختلقها العلماء، وذلك أنّ العلم كان قد حلّ في نفس لم تتربَّ ولم تتزكَّ. فعندما يحلّ العلم في وعاء لم يلقَ تزكية فإن العالِم الذي يحمل هذا العلم ويفتقر للتزكية يُصبح خطراً، وبالنسبة للمجتمع لا يوجد فرق بين علماء الدين وعلماء الجامعات وغيرهم. فاذا افتقرت الحوزات العلمية وكذلك الجامعات إلى التزكية فإنّ العلوم التي يجري تكديسها هناك وتُصبح بمثابة مخزن وصفها الباري‏ تعالى في القرآن بقوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا


التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا[14]. وحتى من تلقّى علم التوحيد وعلم الأديان وعلم الأخلاق وحمل كلّ هذه العلوم ولكنّه لم يعمل على تزكية نفسه فإنّه يتحوّل إلى موجود خطر على المجتمع. والجامعة التي يردها الشباب لينظروا في علمها، فلا تعليمها تعليم ولا تربيتها تربية. وحتى لو كان التعليم فيها تعليماً صحيحاً فهو لا ينفع في ظلّ غياب التزكية، لأنّ الإنسان يحتاج إلى التعليم بعد التزكية فإذا افتقر إلى التزكية ودخل العلم قلباً لم يُزكّ فإنّ ذلك يكون مدعاة للفساد. ولا قدّر الله أن يصدر الفساد من قِبَل عالِم لم يُزكّ نفسه[15].

 

ضرر العالم غير المهذّب على البلاد والشعب

من كان له علم غير مقرون بتهذيب الأخلاق وبالتربية الروحية كان ضرر علمه على الشعب والبلاد أكثر من ضرر أولئك الذين لا علم لهم، إذ يجعل هذا العلم سيفاً في يده، ويمكن أن يجتثّ به جذور بلادٍ، ويقطعها[16].

 

ضرر العالم الفاسد على العلم والدين

أجل، فالأخلاق السيئة والصفات الذميمة تذهب بالحق أيضاً، وإذا صار العالِمُ جبّاراً متكبّراً بطلت خاصية علمه، وهذه أعظم خيانة للعلم والمعارف، لأنّها تُبعِد الناس عن الحقّ والحقيقة. فإذا لم يتعامل العالِم مع الناس بمقتضى العلم أي بالأخلاق الحسنة، يسقط الدين والعلم من أعين الناس، وتضعف عقائدهم، وتنفر قلوبهم من علماء الحقّ، وهذه من أشدّ الضربات التي تُوَجَّه للدين والحقيقة بأيدي العلماء غير المسؤولين، وقلّما تجد ضربة تُماثلها في هذا التأثير.

إن خُلُقاً واحداً فاسداً من عالِم أو عملاً واحداً مخالفاً للأخلاق من طالبٍ للعلوم الدينية يُؤثّرُ في إفساد أخلاق الناس وأعمالهم بمقدارٍ قَلّما نجد مثيلاً له (في آثار الأعمال الإفسادية الأُخَر الصادرة من غيرهم). لذا يجب على علماء الدين وطلبة علومه أن يتشدّدوا للغاية في

مراقبة أنفسهم وتصرّفاتهم، لكي يضمنوا سعادة الناس إضافة إلى سعادتهم هم، فالفساد والقبح منهم أشدّ إفساداً وقبحاً بكثير ممّا يصدر من غيرهم، والحجّة عليهم أتمّ[17].

 

خسارة الدين من العلماء غير المهذّبين

إنّني أظنّ أنّ ما وجّه أكبر ضربة للإسلام هو عدم التربية الصحيحة وعدم تحقّق التهذيب والأخلاق الإسلامية. وإنّكم إذا ما نظرتم إلى تاريخ الإسلام بل إلى جميع الأنبياء، وبالطبع أنتم تفعلون، لوجّدتم أن الضربة التي تلقّاها الإسلام من المنحرفين وغير المهذّبين وكذلك جميع الأديان لم تتلقها من أيّ شي‏ءٍ آخر. والأصل الأساس الذي ألحق الأضرار بالمدارس التوحيدية ومنعها من النمو هو عدم التهذيب، حيناً من العلماء غير المهذّبين وأحياناً من الجاهلين غير المهذّبين. ولا يعرف هل أنّ مقدار الضربات التي تلقّاها الإسلام من العلماء غير المهذّبين قد تلقّاه من الجهّال غير المهذّبين رغم كثرة عددهم أم لا. إنّ الذين أنشؤوا جميع المدارس المنحرفة هم رجال علم ورجال دين، وسواء في ذلك صناعة المذاهب المنحرفة أو المدارس السياسية فقد وضعت جميعها على أيدي العلماء[18].

 

الأخلاق الاستكبارية تُهلك بلداً

في التعليم والتربية لو تشكّلت شخصية طفل فاسد وتمّت تربية طفل بأخلاق شيطانية، أخلاق استكبارية، فإنّ هذا الطفل ذا الأخلاق الشيطانية والأخلاق الاستكبارية من الممكن أن يُفسد كثيراً من الناس وأن يُفسد بلداً بكامله[19].

 

تأثير فساد العالِم والجاهل على المجتمع

عندما يكون العلم في نفس غير سليمة سيكون شأنه شأن المطر الذي يهطل على مكان متعفّن، سيؤدّي إلى زيادة العفونة. نفس مطر الرحمة الذي ينشر العطر الفوّاح في مكان ينشر رائحة القذارة في مكان آخر. والعالِم الذي لم يُهذّب نفسه هو أشدّ خطراً من الجاهل

بكثير. فالجاهل حتى لو كان فاسداً لا يؤدّي إلّا إلى إفساد نفسه. بينما العالِم إذا فسد فإنّه سيُفسد العالَم، ويجرّ البلاد إلى الفساد. فالتزكية تسبق التعليم والتعلم، ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾. النبي جاء ليُزكّيهم، ليُربّيهم، ليعدّ النفوس، وبعد ذلك ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[20]. فاذا لم يكن الكتاب والحكمة مقروناً بالتربية ولم يكن مشفوعاً بالتزكية، فسيكون الموجود الذي يخرج هو نفس الموجودات التي كانت في مجلس الشيوخ وفي مجلس الشورى قبل انتصار الثورة[21].

 

العلم من دون التهذيب منشأ جميع المصائب

إنّ جميع أعمال التخريب التي تتعرّض لها البلدان منشؤه العلماء، علماء الجامعات. هؤلاء الذين يصنعون الصواريخ والطائرات، هؤلاء الذين مهما صنعوا هم مصدر كلّ هذه الخرائب. وكلّ مصائب البشر سببها العلم غير المقرون بالتهذيب[22].

 

الضربات المعنوية أشدّ على الشعب

اعلموا أنّ العالِم أيّ عالِم كان، إذا لم يتحلَّ بتهذيب إسلامي وأخلاق إسلامية فهو ضارّ للإسلام وليس نافعاً. ولقد أصاب بلدنا من الضرر جرّاء ألسنة وأقلام الأشخاص الذين ليس لديهم التزام بالإسلام وكانوا منحرفين ما لم يصبه من ضرر المدافع والدبّابات ومن محمد رضا وأبيه. ضرر أولئك ضرر روحي. والضرر الروحي أشدّ من الأضرار الجسدية. فإذا لم يكن العالِم مهذّباً، حتى ولو كان عالِماً بأحكام الإسلام، ولو كان عالِماً بالتوحيد، فإنّه إذا لم يكن مهذّباً فإنّه مضرّ لنفسه ولبلده ولشعبه وللإسلام ضرراً لا نفع معه. إذا أردتم أن تكونوا خدّاماً للإسلام، وخدّاماً للمجتمع الإسلامي، وأن لا تكونوا أسرى القوى الكبرى وعملائهم، يجب أن يكون في رأس اهتمامات وبرامج الدراسة في الجامعة والفيضية (الحوزة) وجميع أولئك المرتبطين بالجامعة وجميع المرتبطين بالفيضية برنامج أخلاقي وبرامج تهذيبية حتى يقدّموا للمجتمع أمثال المرحوم مطهّري رحمه الله. ولا قدّر الله لو كان الأمر بالعكس لخرّجوا للمجتمع أفراداً على عكس أولئك فيقومون بجرّ المجتمع إلى الفساد والناس إلى الأسر[23].

صلاح وفساد المجتمع رهين بخطاب العلماء

إذا لم يهتد الإنسان إلى الطريق المستقيم الذي وضعه الله تبارك وتعالى أمامه، واذا لم يسلك هذا الطريق فإنّ بقية الطرق جميعها انحراف واعوجاج. وإذا ما استولى المنحرفون والمعوجون في بلد ما على مقدّراته فإنّ ذلك البلد سيؤول إلى الانحطاط والانحراف. واذا ما وصل الأفاضل والعلماء ذوو الفضائل الإنسانية إلى السلطة فإنّ الفضيلة في ذلك البلد ستزداد لأنّه وبمقتضى مقامهم فإنّ الشعب يهتمّ بهم، وكلامهم يؤثّر في أفكار عامّة الناس. وكم من الممكن أن تؤدّي كلمة من شخص له مكانته ونفوذه في المجتمع إلى جرّ مجتمع نحو الفساد. وبالمقابل فإنّ كلمة تخرج من فم شخص له مكانته في المجتمع، قد تأخذ بمجتمع نحو الصلاح[24].

 

تأثير فساد العالِم على المجتمع

يعلم الله أنّ هذه المصطلحات كلّما كثرت دون أن يُرافقها تهذيب للنفس، فإنّها ستؤدّي إلى ضياع دنيا وآخرة مجتمع المسلمين بأسره. الاصطلاحات ليس لها أثر يُذكر. علم التوحيد بحدّ ذاته إذ لم يقترن بصفاء النفس فإنّه سيُصبح وبالًا على الإنسان، وما أكثر أولئك الذين كانوا علماء بعلم التوحيد، ثم أضلّوا خلائق! وحرّفوا أناساً، في حين إنّهم كانوا علماء بعلم التوحيد! ما أكثر أولئك الذين فاقوكم علماً، لكنّهم بمجرّد انخراطهم في مجتمع ما، تسبّبوا في انحرافه لما كانوا يحملونه من الانحراف في داخلهم.

من الأمور التي ينبغي عدم الغفلة عنها، حساسية وضع العالِم بالنسبة لغيره، والسرّ في ذلك هو أنّ الناس يحكمون هكذا، فهم يقولون عن البقّال لو ارتكب معصية ما أو مخالفة ما إنّه شخص سيّئ، وهكذا بالنسبة للعطّار والموظّف وغيرهم، لكنّهم إذا رأوا مخالفة من معمّم فإنّهم يقولون: المعمّمون هكذا! لا يقولون: بأنّ هذا المعمّم هو كذا، فهم في هذه الحالة لا يُميّزون ولا يُفرّقون بين المعمّمين. لا يقولون مثلًا إنّ هؤلاء المعمّمين هم بشر أيضاً، وفيهم فئتان، فيهم الصالح وفيهم الطالح- والعياذ بالله. إنّهم لا يُميّزون في النظر إلى المعمّمين.

إذا اقترفت أنا عملًا سيّئاً قالوا: إنّ المعمّمين هكذا! والضرر في هذا يعود على الإسلام، وعلى الحوزات العلمية الدينية، وعلى أحكام الإسلام. إذا قمتم بتسقيط بعضكم البعض هكذا، وإذا اشتبكت المجامع العلمية فيما بينها، وحاولت إحداها تسقيط الأخرى، وقام البعض بقذف البعض الآخر بشائن الألفاظ وفسّقه وكفّره، ثار الهرج، وعمّت الفوضى. إذا حطّمنا أنفسنا بأنفسنا، وقضينا على أنفسنا، فلا يبقى لكلامنا الفاعلية في ترسيخ الإسلام في المجتمع، ولن نتمكّن من نشر الإسلام[25].

 

العمالة والنهب جرّاء غياب التهذيب

لو أنّ الجامعات ومراكز التربية والتعليم الأخرى كانت تسير وفق برامج إسلامية ووطنية تصبّ في مصلحة البلاد، في تعليمها للأطفال والناشئة والشبّان وتهذيبهم وتربيتهم، لما أصبح وطننا أبداً لقمة سائغة للإنكليز ثم للأمريكان والروس، ولما أمكن مطلقاً فرض الاتفاقيات الجائرة على شعبنا المحروم المنكوب، ولما فُتحت أبداً الطريق أمام المستشارين الأجانب إلى إيران، ولما أُفرغت ثروات إيران والذهب الأسود للشعب الإيراني المضطّهد في جيوب القوى الشيطانية، ولما أمكن للأسرة البهلوية وعملائها نهب أموال الشعب وتحويلها إلى منتزّهاتٍ وقصور مشادةٍ على أجساد المظلومين في الداخل والخارج، أو ملء المصارف الخارجية بحاصل كدّ المظلومين لتُصرف بعد ذلك على المجون والفساد الذي يُمارسونه مع من لفّ لفّهم[26].

 

الأساتذة غير المهذّبين سبب المصائب

إنّ المقدار الذي حثّ عليه الإسلام‏ لأجل تهذيب أطفالنا وشبابنا لم يحثّ عليه في أيّ شي‏ء آخر. الإسلام جاء في الأساس لبناء البشر. وهذه المدارس المنحرفة هي التي تُخرِج الإنسان عن إنسانيته، وتوصل بلدنا إلى حيث يلجأ إلى الشرق والشيوعية أو إلى الغرب وأمريكا. إنّ منشأ جميع هذه الشقاوات هو هؤلاء الأساتذة غير الملتزمين. ومن تحت أيديهم تخرّج أفراد

أوصلوا مجتمعنا إلى الهلاك وألحقوا بلدنا ورؤساء بلدنا بالشرق أو الغرب.

إنّ الأهمّ لبلدنا هو الالتزام الإسلامي والتهذيب الإسلامي. فإذا صلح هذا الخندق وكان خندق الجامعة والفيضية (الحوزة) خندقاً إسلامياً فإنّ سائر الشعب لن يميل إلى هذا الجانب أو ذاك. وسوف يسير على الصراط المستقيم، طريق الإنسانية وطريق الإسلامية وطريق الاستقلال وطريق الحرية[27].

 

الفساد والعمالة من العلماء غير المهذّبين

إذا لم يكن العلم مقروناً بالتربية المعنوية ولم يكن هناك تربية روحية، فما أكثر ما سيكون هذا العلم نفسه- وقد كان- سبباً للفساد. وهذا العالِم وهؤلاء الأساتذة الجامعيون الذين لا يتحلّون بتهذيب النفس لا يمنحون البلد سوى الفساد. أنتم تعلمون إن شاء الله وينبغي أن تعلموا أن شعبنا قد تعرّض على مدى التاريخ للمصائب وفي الحقبات الأخيرة بشكل أكثر، ووصلت تبعيته حدّها الأعلى فقط لأنّ العلم لم يقترن بالتربية الأخلاقية والدينية والمعنوية[28].

صلاح المجتمع من صلاح العاِلم

إنّنا حينما نُنادي بالجمهورية الإسلامية فلأن الإسلام يصنع الفرد المهذّب. إنّ القرآن‏ هو كتاب‏ بناء الإنسان، والأنبياء بُعثوا لصناعة البشر، ولم يكن لديهم طوال حياتهم مهمّة أخرى. إنّ الأنبياء العظام والأئمة الأطهار عليهم السلام كانوا يسعون لتربية الناس .. لقد أرسل الله تبارك وتعالى الأنبياء لأجل تهذيب الناس، ولأجل إصلاحهم. فإذا صلح إنسان يتولّى رئاسة المجتمع، (أو) وُجِد عالِمٌ صالح في مجتمع، فإنّ المجتمع سيكون صالحاً، وذلك لأنّ الجميع يتوجّهون إليه[29].

إيجاد التحوّل من خلال العالِم المهذّب

يجب أن يقوم التعليم على أسس صحيحة. فالتعليم لا يكون مفيداً ما لم يكن هناك تزكية تعنى بالتربية الروحية والأخلاقية. فينبغي للجامعات وسائر مراكز العلم سواء في ميدان علماء الدين أو غيره من ميادين سائر العلماء، ينبغي أن يعملوا على التربية الأخلاقية لهؤلاء الأشخاص ولطلبة العلوم الدينية هناك والجامعيين هنا، وأن يعملوا على تزكية أنفسهم بالتزامن مع قيامهم بالتعلّم والدراسة.

إنّ وجود عالم مزكّى بكلّ ما للكلمة من معنى في المجتمع، قد يُسهم أحياناً في إيجاد نقلة نوعية في هذا المجتمع. كنت في أيام الشباب أزور أحياناً بعض هذه المدن وكنت ألاحظ أنّ أهالي بعض المدن متحلّون بالأخلاق الدينية. فحاولت أن أعرف سرّ ذلك، لماذا الحالة في هذه المدينة بهذا الشكل بينما لا نُشاهد هذه الظاهرة في باقي المدن، فوجدت أنّ هذه المدينة حظيت بعالم قد زكّى نفسه، عالم تمكّن من إصلاح نفسه فأصلح الناس.

عندما ينخرط العالِم في مجتمع، أو يقصد قرية أو مدينة، عليه أن يعمل على تزكية الأنفس قبل أن يشرع في تعليمها. فينبغي أن يكون إلى جانب أساتذة الجامعة الذين يريدون أن يُمارسوا نشاطهم في تربية وتعليم الجامعيين، عالم دين يعمل على تزكية الشباب، وأن يُعمَل على تطهير جامعاتنا من الذين يحاولون جرّ شبابنا إلى الانحراف.

ينبغي العمل على تطهير دوائرنا من هذه الأمور التي تجرّ شبابنا إلى الفساد والضياع، لنُمهّد الأرضية لتزكية الأفراد[30].

[1] صحيفة الإمام، ج 11، ص 394 – 395.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، “كتاب فضل العلم”، ج1, أبواب: صفة العلماء، بذل العلم، النهي عن القول بغير علم، استعمال العلم، المستأكل بعلمه والمباهي به، لزوم الحجّة على العالم، و”باب النوادر”.

[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص9 ـ 17، وص98 ـ 129، “كتاب القضاء”، “أبواب صفات القاضي”، باب4، 11، 12.

[4] سورة النساء، الآية 17.

[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص59، “كتاب فضل العلم”، “باب لزوم الحجّة على العالم..”، الحديث3.

[6]  م.ن، الحديث1.

[7]  قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “صنفان من أمّتي إذا صلحا صلحت أمّتي وإذا فسدا فسدت أمتي. قيل: ومن هم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: العلماء والأمراء”, كتاب الخصال، “باب الاثنين”، ص37. وكذلك انظر ابن شيعة البحراني، تحف العقول، ص50.

[8] عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في كلام له: “العلماء رجلان: رجل عالِم آخذ بعلمه، فهذا ناج. وعالم تارك لعلمه، فهذا هالك. وإنّ أهل النار ليتأذّون من ريح العالِم التارك لعلمه” الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص55، “كتاب فضل العلم”، “باب استعمال العلم”، الحديث1.

[9]  ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: “كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع” الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص164، “كتاب الإيمان والكفر”، “باب الصدق وأداء الأمانة”، الحديث 10.

[10] الإمام الخميني، الجهاد الأكبر، ص 4 – 6.

[11] الآمدي، غرر الحكم، ج7، ص269.

[12] من أمثال محمد بن عبد الوهاب مؤسّس الحركة الوهّابية, والشيخ أحمد الأحسائي والسيد كاظم الرشتي مؤسسي الفرقة الشيخية، وأحمد كسروي، وغلام أحمد مؤسّس القاديانية.

[13] الإمام الخميني، الجهاد الأكبر، ص 6 – 7.

[14] سورة الجمعة، الآية 5.

[15] صحيفة الإمام، ج 12، ص 492 – 493.

[16] م.ن, ج 8، ص 310.

[17] الإمام الخميني، شرح حديث جنود العقل والجهل، ص 349 – 350.

[18] صحيفة الإمام، ج 13، ص 503 – 504.

[19]  م.ن، ج 14، ص 36.

[20] سورة الجمعة، الآية 2.

[21] صحيفة الإمام، ج 12، ص 493 – 494.

[22]  م.ن، ج 16، ص 499.

[23]  م.ن، ج 14، ص 169.

[24] صحيفة الإمام، ج 14، ص 39.

[25] صحيفة الإمام، ج 2، ص 18 – 19.

[26] م.ن، ج 21، ص 428 – 430.

[27] صحيفة الإمام، ج 14، ص 170.

[28]  م.ن، ج 16، ص 497 – 498.

[29] م.ن، ج 7، ص 285.

[30] صحيفة الإمام، ج 12، ص 496.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...