دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه واله – أبو هريرة
10 نوفمبر,2017
بحوث اسلامية
1,206 زيارة
تأليف: الامام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي17
يرذلونه ويسقطون حديثه؟ ولا يأبهون بشئ مما انفرد به حتى قال أمير المؤمنين عليه السلام (1): ألا إن أكذب الناس أو قال: أكذب الاحياء على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأبو هريرة الدوسي.
ولو كان أبو هريرة في حبّ المؤمنين اياه وحبه اياهم كما زعم لما قال له عمر حين عزله عن البحرين (2): يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله الخ. فكيف يكون عدو الله كتابه محباً للمؤمنين كافة ومحبوبا منهم جميعاً؟ وقد ضربه عمر على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين ثدييه (3) ضربة خر بها لأسته، وضربه بالدرة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى أدمى ظهره وانتزع منه عشرة آلاف سرقها من مال المسلمين فأرجعها إلى بيت المال، وضربه مرة ثالثة حين قال له (4): أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقال له مرة متغيظاً لتتركن الحديث أولألحقنك بأرض دوس أو بأرض القردة (5).
وهناك نوادر كانت بينه وبين كل من عبد الله بن عباس وعائشة وغيرهما لا تجتمع مع تبادل المحبة بينه وبينهم أبداً.
نعم كانت المحبة متبادلة في آخر أمره بينه وبين آل أبي العاص وآل أبي معيط وآل أبي سفيان؛ حببه اليهم حديثه إذ وجدوا فيه ضالتهم المنشودة
____________
(1) في هذا المعنى أخبار متواترة عن أئمة العترة الطاهرة وقد أرسل هذه الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام بالخصوص امام المعتزلة ابو جعفر الاسكافي كما في: ص360 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
(2) مر عليك حديث عزله في احواله أبي هريرة على عهد الخليفتين.
(3) فيما اخرجه مسلم في: 1/34 من صحيحه.
(4) كما في: ص360 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
(5) اخرجه ابن عساكر من حديث السائب بن يزيد وهو الحديث: 4857 في: 5/239 من كنز العمال.
لدعايتهم الكاذبة وحببهم اليه سوابغ نعمهم عليه إذ أنعشوه بعد الخمول وأنالوه النضرة بعد الذبول، كان مروان بن الحكم يستخلفه على المدينة (1) كلما غاب عنها، وهو الذي زوجه بسرة بنت غزوان (2) وما كان ليرمقها بطرفه لولا آل بي العاص وآل أبي سفيان، لما مرض مرض الموت كان مروان يبره ويصله وكان مشفقاً عليه فكان يدعو له بالشفاء حين يعوده وقد عاده في آخر أيام حياته فلما انصرف عنه أدركه إنسان فقال له (3): قضى أبو هريرة، وحين حمل نعشه كان مروان أمام الجنازة (4) وكان أبناء عثمان يحملون النعش حتى بلغوا به البقيع فصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ونعاه إلى عمه معاوية فأمره أن يدفع إلى ورثته عشرة آلاف وان يحسن جوارهم، وهذه صورة تريك عطفهم عليه، ومزيد إحسانهم اليه، وتلمسك انقطاعه اليهم وعكوفه عليهم فهل كانوا في اصطلاح أبي هرير هم المؤمنين؟ الذين حببهم الله اليه، وحببه اليهم؟.
32 ـ غلام أبي هريرة في هجرته !!!
أخرج البخاري (5) بسنده إلى أبي هريرة، قال: لما قدمت على النبي صلى الله عليه واله وسلم قلت في الطريق:
ياليلة من طولها وعنائها * على أنها من دارة الكفر نجت
قال: وابق غلام لي في الطريق فلما قدمت على النبي صلى الله عليه واله وسلم فبايعته فبينا
____________
(1) كما اخرجه في ترجمة أبي هريرة كل من ابن سعد في طبقاته وابن قتيبة في معارفه، ورواه احمد بن حنبل في مسنده كما بيناه إذ ذكرنا أيادي بني امية عليه.
(2) تعرف ذلك من ترجمة بسرة في اصابة ابن حجر.
(3) فيما اخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته.
(4) كما اخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من الطبقات.
(5) في قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي: 3/55 من صحيحه واخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته.
أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النبي: يا أبا هريرة هذا غلامك قلت هو لوجه الله فاعتقته أ هـ.
ان أبا هريرة ليحير الحواس، ويدهش مشاعر الناس بينا يقول نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لفلان وفلانة بطعام بطني أسوق بهم إذا ركبوا وأخدمهم اذا نزلوا؛ اذا هو يدعي انه يوم هجرته كان يملك غلاما فاعتقه لوجه الله؛ والظاهر أنه انما حدث بهذا في اواخر حياته حين كان مغموراً بنعمة مروان وآل أبي سفيان، فنسي حاله يوم الهجرة وقبلها وبعدها، حيث كان طاوياً خاوياً كاسفاً خاسفاً تئط امعاؤه وتنق أحشاؤه، مطروحاً عالى الطريق يعتمد على كبده من الجوع، ملتمساً صدقة من المارة تمسك رمقه، كما أفصح عنه اذ قال: والله الذي لا اله الاهو ان كنت لأعتمد على كبدي من الجوع وان كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ـ الحديث ـ وقد مر عليك وفيه قعوده على الطريق يلتمس الصدقة، وقد قال في حديث آخر: رأيتني وأني لأخر فيما بين منبر رسول الله الة حجرة عائشة مغشياً علي، فيجيئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويري أني مجنون ومابي من جنون مابي الا الجوع الى كثير من كلماته الصريحة بأنه كان ممن لا يمضه الهوان، ولا يؤلمه الامتهان، وان غاية ما يرجوه شبعة من طعام فمن أين له الغلام؟ وحاله هذه يا اولي الألباب؟:.
ولو قلنا لأبي هريرة: كيف عرفه النبي صلى الله عليه واله وسلم بمجرد أن طلع لأحرجنا مقامه إذ لم تكن له صلى الله عليه واله وسلم معرفة به سابقة، ولعل لأبي هريرة جلالة تستوجب الوحي إلى النبي في شأنه وشأن غلامه ؟!.
33 ـ قصة خيالية ترمي الى حسن عواقب الصدقة
أخرج مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً، قال بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه كله
في تلك الحديقة واذا رجل قائم في الحديقة يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمعه في الصحابة فقال له: لم تسألني عن اسمي؛ قال: اني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول له: اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال: أما اذا قلب هذا فاني انظر الى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، الحديث (1).
وهذا مما تحكم العادة بامتناع وقوعه وتأباه نواميس الفطرة التي فطرت الأكوان عليها، لكن أبا هريرة أفتأته كرواية خيالية ترمي الى حسن عواقب الصدقة، وتقوله على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كما هي عادته في قصصه الخيالية وغيرها فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
34 ـ خيالية اخرى ترمي الى حسن عواقب الوفاء بالشرط
أخرج البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: أنه ذكر رجلا من بني اسرائيل سأل بعض بني اسرائيل أن يسلفه الف دينار فقال: ائتني بالشهداء اشهدهم فقال: كفى بالله شهيداً، قال: فأتني بالكفيل. قال: كفى باللة كفيلا، قال: صدقت. فدفعها اليه الى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم النمس مركباً يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها فادخل فيها الف دينار وصحيفة منه الى صاحبه، ثم زجج موضعها ثم أتى بها الى البحر، فقال: اللهم انك تعلم أني كنت تسلفت فلاناً الف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا فرضي بك، وسألني شهيداً فقلت كفى بالله شهيداً فرضي بك؛ وأني اجهد أن أجهد مركباً ابعث اليه الذي له فلم اقدر واني استودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم أنصرف فخرج الرجل الذي
____________
(1) أخرجه مسلم في باب الصدقة في المساكين: 2/533 من صحيحه.
كان اسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله؛ فاذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطباً فلما نشرها وجد المال والصحيفة ـ الحديث (1) ـ وهو في البعد الى حد السقوط عن درجة الاعتبار.
على ان القاء الف دينار في البحر مما لا يبيحه شرع ولا عقل ولا يستوجب براءة ذمة المدين لو لم يصل المال اليه والعقلاء يعدون هذا العمل منه سفهاً او جنوناً يستوجبان التحجير عليه، ولو فرض وقوع هذا الأمر في بني اسرائيل او غيرهم فرسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يحدث به حتى يعلق عليه كلمة تستوجب عدم العمل على مقتضاه؛ اذ لو حدث به من غير تعليق عليه ـ كما في الحديث ـ لأغرى به المؤمنين من امته وذلك محال عليه صلى الله عليه واله وسلم لكن أبا هريرة صاغه كما تصاغ الروايات الخيالية؛ ومرماه الارتباط بالشرط، والوفاء بالعقد، ثم تقوله على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ترويجا لبضاعته.
35 ـ خيالية ثالثة ترمي الى عواقب شكر النعم وعواقب كفرها
اخرج البخاري (2) عن أبي هريرة مرفوعاً قال: ان ثلاثة من بني اسرائيل ابرص واقرع واعمى بدا لله عز وجل ان يبتليهم (3) فبعث اليهم ملكا
____________
(1) أخرجه البخاري بهذه الالفاظ في باب الكفالة في القرض والديون: 2/26 من صحيحه وأخرجه أيضاً بألفاظ اخر في الاستقراض واللقطة والاستئذان والشروط والبيع والزكاة فراجع.
(2) في: 2/170 من صحيحه في باب ما ذكر عن بني اسرائيل في كتاب بدء الخلق.
(3) بدا بفتح الباء الموحدة وفتح الدال المهملة المخففة بعدها الف مقلوبة عن واو بغير همز بمعنى سبق في علم الله الازلي ولم يكن ظاهراً للناس فاراد الله عز وجل اظهاره وهذا هو البداء الذي تقول به الشيعة الامامية واخطأ من رماهم بالدواهي، والحمد لله اذ وجدنا في حديث أبي هريرة دليلا عليه فان خصومنا لا يقنعهم حديث العترة الطاهرة.
فأتى الأبرص فقال: أي شئ أحب اليك؟ قال: لون حسن وجلد قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب عنه فاعطى لوناً حسناً وجلداً حسناً، فقال: أي المال احب اليك؟ قال: الابل، فاعطى ناقة عشراء فقال: يبارك لك فيها.
وأتى الأفرع فقال: أي شئ احب اليك؟ قال: شعر حسن وقد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب واعطى شعراً حسناً، قال: فأي المال احب اليك؟ قال: البقر فاعطاه بقرة حاملا وقال يبارك لك فيها.
وأتى الأعمى فقال: أي شئ احب اليك؟ قال: يرد الله إلي بصري قال: فمسحه فرد الله اليه بصره، قال: فاي المال احب اليك؟ قال الغنم، فاعطاه الله شاة والداً فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من ابل ولهذا واد من بقر ولهذا واد من الغنم.
ثم انه أتى الأبرص في صورته وهيئته ـ التي كان الابرص أولا عليها ـ فقال له: رجل مسكين تقطعت بي الجبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، اسألك بالذي اعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً اتبلغ عليه في سفري، فقال له: ان الحقوق كثيرة؛ فقال له: كأني اعرفك الم تكن ابرص يقذرك الناس فقيراً؟ فاعطاك الله. فقال: ورثت كابراً عن كابر، فقال: ان كنت كاذباً فصيرك الله الى ما كنت.
واتى الاقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا؛ فرد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: ان كنت كاذباً فصيرك الله الى ما كنت.
واتى الاعمى في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل تقطعت بي الجبال في سفري، فلا بلاغ اليوم الا بالله ثم بك، اسألك بالذي ردّ عليك بصرك شاة اتبلغ بها في سفري؛ فقال: كنت اعمى فرد الله بصري وفقيراً فاغناني فخذ ما شئت فو الله لا اجهدك اليوم بشئ اخذته لله فقال أمسك مالك فانما ابتليتهم فيد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك.
(قلت): هذا الحديث من منسوجات أبي هريرة وقد رقشه ووشاه فكان كأحدث رواية خيالية يمثلها المزخرفون على مسارحهم في عصرنا الحاضر يرمي بها الى عاقبتي شكر النعمة والكفر بها.
36 ـ خيالية رابعة ترمي الى سوء عاقبة الظلم
أخرج الشيخان بسندهما إلى أبي هريرة (1) مرفوعاً قال: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الارض أ هـ.
وهذا الحديث مما انكرته عائشة على أبي هريرة فكان مما قالت له إذ بلغها: إن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة فاذا حدثت عن رسول الله فانظر كيف تحدث (2).
(قلت): وهذا من رواياته الخيالية يرمي فيه الى سوء عواقب الظلم والعدوان.
37 ـ خيالية خامسة ترمي الى حسن عواقب الرحمة
أخرج البخاري عن أبي هريرة (3) يرفعه قال: غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث (قال) وكاد يقتله العطش فنزعت خفها واوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فشرب ففغر لها بذلك.
____________
(1) راجع: 2/149 من صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وأول: 2/445 من صحيح مسلم في باب سعة رحمة الله من كتاب التوبة تجد الحديث.
(2) هذا الرد مشهور عن عائشة وقد رواه عنها شارحو صحيح البخاري ومسلم عند انتهائهم إلى هذا الحديث في شروحهم فراجع: 84 من المجلد السابع من ارشاد الساري.
(3) في: 2/150 من صحيحه وأخرجه ايضا في مواضع اخر.
38 ـ رواية خيالية هدفها هدف سابقتها
وأخرج البخاري عن أبي هريرة يرفعه قال: بينما رجل يمشي في طريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فاذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش! قال فنزل الرجل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له وغفر له بذلك ـ الحديث (1) ـ.
وقد تعلم أن هذا الحديث والذي قبله إنما هما من مخيلة أبي هريرة يمثل بهما حسن عواقب العطف والحنان ويحض بهما على البر والاحسان.
39 ـ مسرف كافر غفر له
أخرج مسلم عن معمر قال: قال لي الزهري: ألا أحدثك بحديثين عجيبين (2)؟! اخبرني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي قال: أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت اوصى بنيه فقال: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في الريح في البحر فو الله لئن قدر عليّ ربي (3) ليعذبني عذابا ما عذب به أحداً ففعلوا ذلك به فقال الله للارض أدي ما اخذت فاذا هو قائم فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: مخافتك يارب ففغر له بذلك، قال الزهري: وحدثني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي اطعمتها
____________
(1) تجده في باب رحمة الناس بالبهائم: 4/36 من كتاب الادب وفي باب فضل سقي الماء: 2/35 من صحيحه في كتاب المساقاة فراجع.
(2) يحق للزهري أن يعجب من هذين الحديثين واولو الألباب كلهم يعجبون منهما.
(3) تأمل كلمته هذه تجدها صريحة بأنه كان لا يؤمن بان ربه قادر على بعثه بعد انجاز وصيته فهو كافر بذلك.
ولا هي ارسلتها تأكل من خشاش الأرض ـ الحديث ـ (1).
(قلت): أما المرأة ذات الهرة فان كانت مؤمنة كانت ـ كما قالت عائشة. اكرم على الله من يعذبها في النار بهرة، وان كانت كافرة فانما تعذب بكفرها.
وأما ذلك المسرف فانه ـ على ما يقتضيه الحديث ـ لم يكن أهلا للمغفرة إذ لم يكتف بتمرده على الله تعالى طيلة حياته وتجاوزه الحد في موبقاته حتى مات مصراً على تمرده يائساً من روح الله فاراً من سلطانه الى حيث لا تناله ـ على زعمه ـ قدرة الله عز سلطانه التي احاطت بكل شئ ولذلك اوصى تلك الوصية البربرية فهو كافر بيأسه من رحمة الله وانكاره لقدرة الله عز وجل والكافر لا يستحق المغفرة، ولا هو لها اجماعا وقولا واحداً.
على أن اسلوب هذا الحديث انما هو اسلوب حكاية خيالية ترمي إلى عدم اليأس من رحمة الله ولو مع الاسراف وإلى عدم الأمن من عذاب الله ولو مع الايمان، وهاتان الحقيقتان في غنى عن روايات أبي هريرة وخيالاته لثبوتهما بنص الذكر الحكيم والفرقان العظيم: (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون* أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) فالسنن المقدسة تبرأ أنوار اساليبها من هذا الحديث واسلوبه كما لا يخفى.
وايضاً لو فرض وقوع تلك الوصية من ذلك المسرف وفرض انها بمجردها كانت سبباً لمغفرة ذنوبه فرسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يمكن أن يحدث بها حتى يعلق عليها كلمة تحضرها إذ لو حدث بها من غير تعليق ـ كما نقله أبو هريرة ـ لأغرى بها المسرفين من امته وهذا محال كما لا يخفى.
____________
(1) تجده في: 2/444 من صحيح مسلم في باب سعة رحمة الله وانها سبقت غضبه من كتاب التوبة.
40 ـ مذنب يتوب إلى الله ثم يؤوب الى ذنوبه يكرر ذلك فيقول الله له: إعمل ماشئت فقد غفرت لك
قال أبو هريرة: أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي فقال الله تبارك وتعالى: اذنب عبدي ذنباً فعلم ان له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قال: ثم عاد فأذنب؛ فقال: أي رب غفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي اذنب ذنباً فعلم ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فاذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: اذنب عبدي ذنباً فعلم ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك! الحديث (1).
(قلت): وهذا كسابقه معناً ومرمىً واسلوباً نسجته يدا أبي هريرة من غزل مخيلته كحكاية العجائز والقصاصين يرمي به الى سعة مغفرة الله عز وجل وسعة مغفرة الله ورحمته في غنى عن الروايات الخيالية لثبوتها يحكم العقل والنقل كتابا وسنة ولاجماع الأمة عليها بل اجماع أهل الاديان كافة بل هي من ضروريات الاسلام وغيره من سائر الاديان.
وأنت تعلم ان ليس بين الله عز وجل وبين احد من خلقه هوادة في حمى حرّمه على العالمين، ألا تراه كيف يقول عز من قائل: (لو تقول علينا بعض الأقاويل لاخذنا منه بالميين ثم لقطعناه منه الوتين وما منكم من أحدعنه حاجزين) فكيف يمكن بعدها ان يحابي هذا المذنب الراجع عن توبته مراراً فيقول له: اعمل ما شئت فقد غفرت لك، وبأي شئ استحق هذا الضعيف في ذات الله ان ينال هذه الهوادة التي ما نالها الصديقون والأنبياء والمرسلون.
____________
(1) أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً في باب قبول التوبة من الذنب وان تكررت الذنوب والتوبة: 2/445 من صحيحه في كتاب التوبة.
مركز الأبحاث العقائدية
https://t.me/wilayahinfo
[email protected]
2017-11-10